رحموني يكتب:الفساد حين يشن حربا شاملة على الجميع: من خطاب النوايا إلى منطق المواجهة

بمناسبة تصنيف المغرب في المرتبة91 في تقرير منظمة الشفافية العالمية  
خالد رحموني

•    تقديم عام: الرشوة مظهر للفساد، حديث من الخاص إلى العام
 الرشوة مظهر للفساد الذي أصبح مؤسسة وبل بات له اقتصاد سياسي، يستوطن في الريع والاستبداد ويعشش في رحم الدولة والمجتمع، لقد مد جذوره عميقا في تربة وطننا لعقود وعقود، وقد استطال بنيانه حتى ملأ الآفاق وأزكمت رائحته الأنوف وكادت تزهق النفوس،
هي تجلي له وهو سبب عميق لها، لذلك سنبدأ في القول من المفصل إلى المجمل، ومن الخاص إلى العام، ومن المظهر لنعمق النظر في الجوهر،
إن مناسبة الحديث عن الرشوة من خلال التقرير آنف الذكر، تستدعي منا اليقظة الدائمة والاستعداد التام لمواجهة تحدي استشراء ظاهرة أشمل وهي الفساد وتحكمها في أوصال الدولة وسريانها في مفاصل المجتمع برمته ومن خلال مؤسساته الحيوية، وهذا يتطلب منا الانتباه إلى أن موطن الخلل يأتي من تمكن الظاهرة من الإمساك بتلابيب مجتمعنا من جذوره.
 يتعلق الأمر بظاهرة الفساد في شموليتها، فهناك ضرورة ماسة وحيوية للإبقاء على حاسة الحذر والانتباه مرتفعة ودائمة من أجل مجابهة وجودية مع هذه الآفة المستشرية وهذا الطاعون المستأسد، مع الاستعداد المستمر و التجند الدائم لسلوك سبيل المواجهة الشاملة، والتحفز لشن الحروب تلو الحروب وبلا هوادة وبجرأة وفعالية من أجل مكافحة الفساد والإجهاز على مركباته والعمل على تفكيك بنياته ومكوناته، فالمناسبة شرط كما يقال،
مرة أخرى، إنه الفساد يتكشف عن قذارته، ويعلن عن حربه الشاملة على المجتمع، إنه لم يعد يدافع عن نفسه كما قال رئيس الحكومة في مبارزة كلامية مع أحد من تجلياته ورموزه السياسيين المعلنين، بل إن الفساد يشن حربا شعواء على الدولة ويستهدف المجتمع في مقتل، لقد طفح الكيل وحقت المجابهة، لأن الكلفة باتت تبدل من رحيق مصداقيتنا وتعطى من رصيد نموذجنا الإصلاحي والمتخلق والوليد حديثا، 

• تقرير كاشف، وخطاب تحذير غير مهادن، لكنه غير كاف لوحده:
في ذات مجلس حكومي غير نمطي وبلغة حازمة صريحة غير مهادنة–وبخلاف الخطاب الذرائعي المرسل في مثل هذه المناسبات والمنطق التطميني المستشري في الكلام الرسمي للملأ والمتلبس عادة بخطابات متصدري السلطة- انبرى رئيس الحكومة المغربية السيد عبد الإله بنكيران للاعتراف بعجز حكومته عن النجاح في محاربة وهزم وتفكيك بنيات الفساد المستشري. ابن كيران صدح بذلك القول-بصوت مسموع وفي مؤسسة دستورية رسمية- بعد أن توصل بخلاصة التقرير الأخير لمنظمة الشفافية العالمية، الذي لم يحافظ فيه المغرب على نفس المراتب المتدنية السابقة فيما يخص استشراء آفة الرشوة كتجلي لظاهرة أشمل هي الفساد، بل كشف نفس التقرير عن حصول تراجع في تصنيف المغرب على المستوى العالمي رغم تسجيل الحفاظ على نفس التنقيط.
تقرير منظمة الشفافية العالمية صنف المغرب في المرتبة 91 بنقاط وصلت إلى47 نقطة، عوض المرتبة 88 التي كان المغرب قد احتلها في السنة الماضية، وهو الأمر الذي لم يختلف معه المغرب كثيرا عن بلدان مثل الجزائر ومصر ولبنان.

• إرادة وحزمة إجراءات لا تكفي، فالحاجة ماسة إلى تكامل وفعل وإنجاز استعدادا للمواجهة الشاملة
في ذات اللقاء رئيس الحكومة، لم يخف توجساته من الترتيب المقلق للمغرب في متن تقرير منظمة الشفافية العالمية. وقد اعتبر أن الواجب الوطني يقتضي التوقف عند التقارير السلبية، والاعتراف كحكومة مسؤولة بأن البلاد لم تحقق التقدم المرجو في مجال محاربة الرشوة مثلما تقدمت في مجالات أخرى. وهو ما يقتضي إعمال القانون والتعاون مع المؤسسات المختصة واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة بشكل استعجالي وناجز وفعال، وتحمل المسؤولية كاملة لمحاربة آفة الرشوة، وكذا اعتماد القانون الخاص بالهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، باعتبار الهيئات تلك تعمل على المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، استنادا إلى الفصل 167 والفصل 36  من الدستور. مع العمل على إخراج الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة .
وقد أكد رئيس الحكومة على أن النية والإرادة معقودتان للعمل على محاربة هذه الآفة الخطيرة عبر إعمال القانون والتعاون مع المؤسسات المختصة واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة بشكل استعجالي وناجز وفعال، وتحمل المسؤولية كاملة لمحاربة هذه الآفة.
وبعد أن أعرب ابن كيران عن أسفه لهذا التراجع في مجال محاربة آفة الرشوة، شدد على أنه من الضروري تحمل المسؤولية، مبينا أنه “لسنا في مجال إلقاء اللوم لا على غيرنا ولا على بعضنا، لأن المهم هو أن تكون لدينا الشجاعة والجرأة لتقدير الواقع بشكل صحيح وأن نضع من الإجراءات اللازمة لتجاوز الوضع إن كان سلبيا أو لتعزيز التقدم إن كان وضعنا إيجابيا”.

•تلازم الفساد والاستبداد، تعدد المظاهر والتقاء في الأسباب
ففي واقعنا المغربي لم تحظ قضية من القضايا بالاهتمام والتحليل مثلما حظيت به قضية الفساد الذي انتشر وتحكم بعمق في قطاعات كبيرة من الدولة والمجتمع وقد تجذر عبر عقود طويلة وتمكن من الرسوخ والاستقواء عليها بل صار مؤسسة متحصنة وقلعة منيعة تأبى الانصياع لروح القوانين، لذلك فإن التوقف مليا وبإمعان أمام هذه القضية يأتي اتساقا مع تواصل حديثنا عن تحليل الواقع والوعي بتعقيداته، كنقطة انطلاق ضرورية ولازمة لأي مشروع إصلاحي ناهض وجاد، نحاول التماس كل الطرق وصولاً إلى حلول ناجحة وفاعلة لحشد كل مقدمات التغيير التراكمي وتوفير شروطه التاريخية .
والحقيقة أن الدراسات والتقارير التي تناولت قضية الفساد-ومشمولاتها ومظاهرها وأسبابها- أكثر من أن تحصى أو تقدر لأن القضية كانت تشغل الجميع وقد كانت في قلب الحراك المجتمعي المطالب بالإصلاحات والمنتفض ضد بنيات الفساد وشبكات الاستبداد المتحكمة والنافذة، حتى صارت في صلب الخطاب السياسي والإصلاحي لقوى الدفع الديمقراطي وفي طليعتها حزب العدالة والتنمية إبان المرحلة ولم تكن بالقطع محض شعار انتخابي معزول ومزايد وعابر، بل اعتبر الوفاء بالنضال من أجلها من كل المواقع التزاما سياسيا وانحيازا أخلاقيا مسؤولا ولا يزال حتى اللحظة وسيظل.

ويمكن التعرض بالتحليل للأسباب الكامنة من وراء تحكم واستشراء ظاهرة الفساد في مغرب ما قبل الحراك الديمقراطي وما بعده –باعتبار الامتداد التاريخي للظاهرة عينها-، حيث نتناول مفهوم الفساد وأنواعه، وحجمه، ثم لنعمق النظر في الأسباب الكامنة والعميقة التي أدت إلى شيوع الفساد في هذه العقود، وهو ما يجب أن نتوقف أمامه مليا ونحن نتطلع إلى مغرب جديد، مغرب المستقبل، مغرب الوطن النظيف المبرأ من هذه الآفة المستشرية .
إن الوقوف أمام تلك الأسباب طويلا ضرورة ملحة، حتى نمتلك جميعا –دولة ونخبا ومجتمعا-أدوات التحصين المؤسساتي والقانوني التي تمنع البلد من تكرار مثل هذه الظواهر وإعادة إنتاج أسبابها، فلابد من العمل على اجتثاثها من جذورها حتى يكون هذا الوطن آمنا وأهله مطمئنين.
ويمكن تقسيم أسباب الفساد إلى عدة مجموعات متشابكة، منها: ما يتعلق بتكريس سيادة القانون وإنتاج وتطوير حزمة التشريعات التي تردع المفسدين، ومجموعة أخرى تتعلق بالمقدمات التي ترتبط بتدبير السلطة الإدارية وتنظيم الحياة العامة، وأسباب تتعلق بعقلنة تدبير المالية العمومية، ودمقرطة المناخ السياسي والمؤسساتي والمنظومة التي تحكم الحراك السياسي والحياة المدنية، وأيضا تلك الموصولة بالثقافة المجتمعية والسياسية السائدة والمرتبطة بالتنشئة الاجتماعية، وسنأتي على استعراض كل تلك الأسباب  تباعا.

•    إن امتلاك الوعي بجملة تلك الأسباب والتحليل الوافي لها، يعمق لدينا مفهوما طاله اللبس والغموض وساهمت التحليلات السريعة والواثقة والتي تستعمل نتائج تلك التقارير انتهازيا حتى تنقض على الحكومة وتجهز على رصيدها الرمزي وصفائها القيمي، قلت إن امتلاك ذلك الوعي هو الذي يمكننا من إدراك حقيقة راسخة في دراسة الظواهر علميا، وهي أن الفساد مركب وليس أحادي المدخل ولن يكون أيضا أحادى التأثير بل هو متعدد الأبعاد وكذلك متعدد التأثير والعواقب.

•    ففيما يخص الأسباب التي تتعلق بسيادة القانون وافتقاده لقوة الردع، يمكننا الإشارة إلى عدم كفاية المنظومة التشريعية الرادعة للمفسدين، مع العلم أن مجموعة من التشريعات المتوفرة كانت تصدر–في كثير من مقتضياتها وجوانبها- مستجيبة لإكراهات نخب وشبكات ضغط حيث كانت توضع لخدمة مصالح فئة بعينها على حساب الصالح المشترك العام، فضلا عن أن تنفيذ القانون والأحكام القضائية أيضا كان يحكمه في كثير من المواقف والقضايا منطق النفوذ السياسي والاقتراب من دوائر صناعة القرار.

•    وقد أضعف ذلك من قوة الردع التي يجب أن يتشح بها القانون –باعتباره مجردا وعاما- والقضاء-بحسبانه سلطة مستقلة لإنصاف الضعيف والاقتصاص من القوي- مما طول من الإجراءات القضائية وبسط القدرة المالية للنافذين وجعلها أداة في الحسم وكرس من طغيان وعلوية العلاقات الاقتصادية التراتبية، كما أن الفجوات الرهيبة التي تتعلق بالمنظومة التشريعية وضعفها فيما له صلة بحماية الشهود والمبلغين وغياب نسق قانوني ومؤسساتي يسمح بالوصول إلي المعلومات، إن كل ذلك أعطى فرصة ذهبية لكثير ممن أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب وأفقروها للإفلات من العقاب وتقديم الحساب، مما مكنهم من الإفلات من العقاب والمحاسبة وسهل عليهم إمكانية التخفي بفسادهم وجرائمهم الاقتصادية والمالية الفادحة، وهذا من الأسباب التي ساهمت في إضعاف الرقابة الرسمية والشعبية على ناهبي المال العام ومخربي الثروة الوطنية، وما عمق من قضية التطبيع مع جرائمهم لا قدر الله.

•    المطلوب –قانونيا- هو إعمال كثير من الجهد لتنظيم وتقويم المنظومة التشريعية المتضاربة أحياناً والمتقاطعة أحيانا أخرى وفرزها وتمحيصها، حتى لا نساعد –جميعا دولة ومجتمعا ونخبا- المفسدين على تجاوز منطق دولة القانون والمؤسسات، ومن المعلوم أن المغرب لديه كثير من التشريعات تحتاج إلى تنقية وتدقيق وإحداث الانسجام بينها.

•    فيما يتعلق بالإدارة العامة فإن البيروقراطية المرهقة والتعقيد المجالي والترابي الزائد عن الحدود وعدم تحديد المسئوليات والمهام بدقة وبشكل تفصيلي داخل الأجهزة الإدارية للدولة، كل ذلك أوجد مناخا يسمح للبعض بالابتزاز أو التهرب من المسئولية، كما أتاح غياب نظم فاعلة وشفافة للرقابة والافتحاص والتدقيق الفرصة للتحايل على المؤسسات الرقابية وإغفال تقاريرها وعدم القدرة على تحويل هذه التقارير إلى أدوات فاعلة لتكريس النزاهة والشفافية، والإسهام في القضاء على كثير من الانحرافات- نموذج المجلس الأعلى للحسابات  ومصير العديد من تقاريره.

•    أما أسباب الفساد التي تتعلق بالبيئة الثقافية والاجتماعية، فيمكن أن نسجل مسألة بالغة التعقيد والتركيب، وهي مسألة استشراء ثقافة الفساد من تحت وعند الناس، مما يعني تكريس الفساد كقابلية فردية وجماعية مما يخلق أجواء للتطبيع معه، وهذا ما يعمق القبول المجتمعي للفساد الصغير أو الفساد المستتر كبنية ونفسية، والنظر إليه على أنه وسيلة مقبولة اجتماعياً للحصول على الحقوق وإضفاء الفاعلية والسلاسة على منظومة الانجاز الإداري والاجتماعي للحقوق والواجبات .

•    ومن ذلك اتخاذ الفساد مسميات متصالحة مع المجتمع : مثل شيوع منطق الزبونية والواسطة والمحسوبية والتعيينات العائلية والحزبية في مختلف مؤسسات الدولة في مراحل عديدة من تطور بلدنا خصوصا ما قبل الحراك الديمقراطي .

•    التطبيع مع ثقافة الفساد بين السبب والنتيجة، الحذر الواجب
إن كل ما سبق من تحليل للأسباب، سمح للمجتمع أن يتصالح مع الفساد الصغير ويستسيغه ويستمرئه، وجعل ذلك التصالح الظاهر والاستهانة التماثلية بينهما –الفساد الكبير والصغير-يأخذ نوعاً من التطبيع مع الانحرافات والمفاسد في كل مستوياتها وأنواعها صغيرة كانت أو كبيرة. ورغم وجود مؤسسات وبنيات رقابية كبيرة وجهات متعددة لمتابعة الفساد في المغرب ورصده، إلا أن فاعلية هذه الأجهزة لم تكن أبدا على المستوى المرضي، نتيجة لغياب التنسيق بينها وعدم وجود دور مجتمعي حقيقي يعبر عن مصالح جماهير الشعب التي ظلت مقصية من المعركة والحرب ضد الفساد. الشيء جعل من تلك الأجهزة والمؤسسات مجرد بنيات صانعة للتقارير وفي أحسن الأحوال راصدة للثغرات فحسب، لا تجد لها ولا لغيرها دورا في القضاء على الفساد الكبير خصوصا في ظل تركيبتها وأمام عجز البرلمانات المتعاقبة عن القيام بدورها الرقابي والمؤسساتي المواكب والكاشف، هذا بغض النظر عما أحدثه التزوير الممنهج المتعمد سابقا من قبل كثير من الأجهزة للإرادة الشعبية في تشكيل هذه البرلمانات مما أضاع ـ وبلا شك ـ الدور المجتمعي والتمثيلي في الرقابة الفاعلة و الناجزة فيما سلف من تجارب داخل الحياة السياسية والبرلمانية والعامة على وجه الإجمال . 
ونذكر هنا أن العديد من الجهات الرقابية في المغرب تنقصها السلطات القانونية التي تمكنها من أداء مهامها على أفضل وجه، وهنا وجب تطوير دور مجالس الحكامة التي نص عليها الدستور المغربي ل 2011 وبالتحديد مجلس المنافسة وكذا الهيأة الوطنية لمحاربة الرشوة.

•    من أجل مواجهة شاملة، مسؤولة ومناضلة
إجمالا، فإن تقرير منظمة الشفافية العالمية المشار إليه، من المفروض أن يمكننا من تدشين حوار وطني مفتوح ومسؤول وثوري، نتمكن من خلاله العمل على تأسيس رؤية شاملة لمواجهة الفساد بأنواعه ومستوياته، والنضال من أجل محو كافة أسبابه من قاموس الحياة العامة والخاصة، من خلال إدماج رؤيتين على المديين الزمنيين القريب والبعيد، ترسي كل منهما عددا من الأعمدة الأساسية والأركان الثابتة ليقوم عليها صرح الحرب الشاملة ضد الفساد والمكافحة الجماعية له.
المبادئ الثلاثة التي تعد بداية لتعميق برنامج وطني لمكافحة الفساد هي:
    •    الشفافية،
    •    الشراكة المجتمعية،
    •    المساءلة،
هذه في مجملها هي الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها النظام المتكامل لحماية الوطن والمجتمع من الآثار المدمرة للفساد وهي التي تمكننا من الوقاية من عواقبه وتأمين بلدنا من الاستسلام لشبكاته.
فيما يرتفع الركن القانوني الذي يجب أن يكون شاملا ورادعا ومنفذا على المدى الزمني المتوسط والبعيد، ويأتي الإطار المؤسساتي الفاعل والذي يتطلب كفاية مالية وبشرية مستوفية ومستحضرة لشرطي التنسيق والاستقلالية، ليؤسسان معا منظومة متكاملة تواجه تغول الفساد في الدولة والمجتمع.
ولا ينفصم الركنان السابقان عن تعميق النزعة الديمقراطية الموصولة بتكريس الحكامة الإرادية بشقيها السياسي والمجتمعي، فوجود إرادة سياسية لتطهير البلد برمته من الفساد والمفسدين مع أخرى مجتمعية حقيقية تعمل معها وتساندها، ستثمر –لا محالة- حماية تامة وأكيدة لموارد البلد من الاستنزاف وستشكل ضمانة لحماية مستقبل هذا الوطن من أن يترك منهوبا من قبل عصابات الفساد والمفسدين، الذين يشكلون حلفا لدوام الاستبداد السياسي ومرتعا لتأبيد دوامة النهب الاقتصادي.

 

•    مسؤولية المصلحين، قيادة معركة المواجهة مع الفساد مع تحمل الكلفة وأداء الثمن
لا بد، إذن، لحركة الإصلاح الديمقراطي في المغرب –بالرغم من تفارق المقاصد وتمايز المواقع وتناقض الرهانات السياسية بين مكوناتها- من أن تضع في أجندتها أولوية مكافحة الفساد والمواجهة الشاملة له مع التكاثف في العمل على قطع أسبابه من جذورها، وعليها أن تركز كفاحها النضالي التشاركي أساسا من أجل أن تتحول هي نفسها إلى آليات عمل فعالة ومنتجة ودائمة، وعلى كافة الأصعدة لتجعل المجتمع مجندا برمته قادرا على المشاركة المسؤولة في العمل الحقيقي العميق، الذي يستهدف حماية الوطن من القدرة التخريبية والتدميرية لهذه الظاهرة، مع العمل على إرساء دعائم تقدمه وبناء أسس وأسباب نهضته، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة وتحصينها من الدمار الشامل الذي يخلفه استشراء آفة الفساد في بنية الدولة وأوصال المجتمع.
فالإصلاح الذي نسعى جاهدين إلى توطين أركانه في هذا البلد الآمن مسنود برؤى علمية ومقدمات تراكمية وأساسية تقوم خططه على قراءة متبصرة بالواقع وتحليل استشرافي للمستقبل، ومن بين المكونات العنيدة لهذا الواقع نجد آفة الفساد الذي بلغ مداه حتى صار مؤسسة عميقة الجذور، يستحق معها سلوك سبيل شن حرب إبادة شاملة مضادة لبنياته وأصوله ولجذوره لتمظهراته وأركانه، وفق برنامج وطني إرادي تشاركي متكامل ومناضل.
تلك هي المعركة، وذلك هو الطريق الوحيد لكسب الرهان فيها، قبل الخراب الشامل لا قدر الله..

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.