البنة يكتب: هل هو الموت البطيء للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

13.12.26
نشرت جريدة الأحداث المغربية مقالا بعنوان: “هل هو الموت البطيء للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” لكاتبه الباحث عبد القادر البنة، وذلك في عدد أمس الأربعاء 26 دجنبر الجاري هذا نصه:
 
في بداية التسعينات، عرف المغرب عدة محطات سياسية أهمها:
1- المصادقة على دستور جديد اتخذ الحزب منه موقف الحياد.
2- تكوين الكتلة الديمقراطية.
3- العفو الملكي الشامل عن المعتقلين  السياسيين والمغتربين.
4- فشل المحادثات بين الكتلة والنظام لدخول هذه الأخيرة إلى الحكومة.
5- إصدار دستور جديد حضي بموافقة الكتلة الديمقراطية.
6- تنظيم انتخابات تشريعية جديدة سابقة لأوانها.
7- تكوين حكومة التناوب بقيادة الاتحاد الاشتراكي.
وإذا كان هذا التطور الذي عرفه النظام في المغرب قد كرس التوجه السوسيو ديمقراطي للحزب، الذي سنه خلال مؤتمره الاستثنائي سنة 1975. فموازاة مع ذلك عرف العالم عدة تحولات دفعت بالقيم الفردانية إلى واجهة الصدارة على حساب القيم المشتركة، وقد نال الحزب نصيبه من تلك التحولات.
 
1. من حزب القيم المشتركة إلى حزب القيم الفردانية:
لقد كان لزاما على الحزب أن يتأقلم مع تلك التحولات الداخلية والخارجية عبر ممارسته للشأن العام بحكم الضرورة وباسم الواقعية السياسية، لكن ذلك التأقلم تم على حساب التوجه السوسيوديمقراطي الذي عبر عن محدوديته كمشروع مجتمعي.
 
*محدودية التوجه السوسيو ديمقراطي:
تعني تجربة الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في أوروبا بالسوسيو ديمقراطية، العمل في ظل المؤسسات القائمة لتعميق مسلسل دمقرطتها، وموازاة مع ذلك إدخال الإصلاحات الاشتراكية بقدراتها النضالية في إطار تلك الدمقرطة الهادئة. وقد تبنى الاتحاد نفس التوجه عبر ما يسميه بالنضال الديمقراطي من أجل الديمقراطية. وبعبارة أخرى الاختيار النهائي والواضح  للعمل داخل المؤسسات القائمة لدمقرطتها ونبد العنف، ثوريا كان.
وإذا كان هذا التوجه الذي طال الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في أوروبا قد صادف النجاح فلثلاثة أسباب أساسية. أولها: إن المجال الديمقراطي سمح لها بالوصول إلى السلطة. وثانيها: إن التوسع  الليبرالي مكنها من تمويل الإصلاحات الاشتراكية. وثالثها: الاستناد على نقابات عمالية قوية ومنغمسة في العمل السياسي. فإن النسق السياسي المغربي كان يشكو من ضيق  الهامش الديمقراطي ومن هشاشة اقتصاده بجانب طبقة عمالية ممزقة تنظيميا حصرت دورها في الدفاع عن مصالحها الخاصة عوض الارتماء في صراع سياسي من اجل مستقبل أفضل غير واضح المعالم.
وهكذا، إذا كانت حكومة التناوب التوافقي قد نجحت في هيكلة الاقتصاد المغربي. وتم ذلك في إطار ليبرالي عبر تشجيع المبادرة الخاصة وخوصصة أهم المنشآت الاقتصادية العمومية. وإذا كانت قد استجابت إلى بعض المطالب الاجتماعية الضرورية، فإنها لم تستطع على المستوى السياسي تحقيق الإصلاحات الكبرى التي كانت تنادي بها في المعارضة. وكل ما تم في هذا الإطار. سواء تعلق الأمر بموضوع المرأة عبر مدونة الأسرة أو بالمصالحة الوطنية عبر هيأة الإنصاف والمصالحة. وتم ذلك بمبادرة ملكية.
وهكذا، ومن خلال ممارسة الحزب للسلطة عبر ثلاثة حكومات، وكذا انخراطه في المشروع الملكي القاضي ببناء مغرب ديمقراطي وحداثي يكون الاتحاد الاشتراكي قد انغمس في التوجه الليبرالي الاجتماعي الرسمي للدولة. وكرس هذا الانغماس الأزمة التي عرفتها الاشتراكية بعد تحطيم جدار برلين وتفكك المعسكر الاشتراكي.
 
* أزمة الاشتراكية :
دون الدخول في مناقشة القراءات المختلفة لتلك الأحداث الدولية. حول مصير الاشتراكية، فإن الملاحظ  أولا هو أن جاذبية الاشتراكية كمشروع مجتمعي وما يتخلله من قيم مشتركة من قبيل التضامن والعدالة الاجتماعية، قد انكمشت لصالح الليبرالية وما تحمله من قيم الحرية والمبادرة الخاصة، والتي أصبحت تكتسي طابعا كونيا، وثانيا إن تجربة المعسكر الاشتراكي سابقا وما عرفه العالم من تحولات أثبتت من جهة أن قوة الدولة لا تقاس بمدى هيمنتها على المجتمع بل بقدرتها على الاستجابة إلى المطالب الاجتماعية من حرية وتنمية وعدالة اجتماعية، وأخيرا إن التغيير السياسي والإيديولوجي يمكن أن يحصل دون تغيير في المِلكية ووسائل الإنتاج لأن هناك تكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص.
ومن البديهي أن ينال الاتحاد الاشتراكي نصيبه من تلك الأزمة، حيث أصبح يهيمن على منظومته الفكرية هاجس الحقوق الفردية كمدخل للديمقراطية والمبادرة الخاصة كذراع للتنمية الاقتصادية. وبهذا بدأت تتراجع تدريجيا لدى الحزب القيم المشتركة لفائدة القيم الفردانية ليتحول التوجه السوسيو ديمقراطي إلى التوجه الليبرالي الاجتماعي، والذي يعطي الأهمية للمصالح الخاصة على حساب المبادئ بمبرر أن المصلحة العامة هي مجموع المصالح الخاصة.
 
2.  من حزب المبادئ إلى حزب المصالح:
إن دور الحزب في ظل التوجه السوسيو ديمقراطي هو استغلال قوته الانتخابية وقدرته على التأطير لفرض الإصلاحات الاشتراكية. وقد استطاع الحزب نزع عدة مكتسبات أهمها توسيع الشرعية ( la légalité) ومجال الحريات واكتساب نوع من المصداقية لدى النخبة الحاكمة، توجتها ممارسته للشأن العام ونزاهة العملية الانتخابية. وقد سمحت له هذه المكاسب بتوسيع مجاله الاجتماعي والسياسي  بالقدر الذي سمحت له بتوسيع مجال الترقية الاجتماعية لمناضليه تكونت حولها طائفة  ( une caste) مسيرة.
 
*تكوين طائفة مسيرة: (une caste dirigeante)
إن تصنيف المناضل وموقعه داخل الحزب يخضع إلى مجموعة من العناصر، أهمها على الخصوص: الأصل الطبقي، الإشعاع الاجتماعي ، المؤهلات الثقافية  والأقدمية. لذا، فإن المناضل المثالي بالنسبة للحزب هو المثقف ذو الإشعاع الاجتماعي، وينتمي إلى أسرة عريقة ويتوفر على أقدمية مهمة داخل التنظيم. ومن تم  فإن موقع المناضل يخضع إلى الانتماء إلى مجموعة وإلى تفعيل التحالفات أكثر منه إلى النضالية، خصوصا أن الصراع السياسي الحزبي أصبح ينحصر تحت قبة البرلمان وفي  التدبير المحلي. لذا فإن الديمقراطية لا تنال حظا كبيرا في تسيير دواليب الحزب. والسؤال يطرح حول ما إذا كان مبدأ المركزية الديمقراطية كما هو مطبق داخل الاتحاد، يعطي للمناضل إمكانية التعبير عن رأيه والدفاع عنه داخل مؤسسات الحزب التي ينتمي إليها، مقابل الالتزام بقراراتها واحترام مواقف الأغلبية. الواضح أن الاتحاد لا يخضع إلى تدبير ديمقراطي مثالي، فالسلطة (le pouvoir) تنزل أكثر مما تصعد والقواعد غالبا ما تطالب بتثمين قرارات اتخذت من فوق، وخير دليل الانشقاقات والانسحابات التي تطال الحزب في جل المحطات السياسية الكبرى خصوصا في المؤتمرات وفي عملية توزيع التزكيات للترشح في الانتخابات التي أصبحت مرتعا للطموحات الشخصية وتحولت من الترشيح النضالي إلى الترشيح من أجل المقاعد.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.