الوفي تكتب: لا تخافوا على الديمقراطية والحريات وحقوق..

13.12.30
نزهة الوفي*
لا أحد ينكر أننا نعاني من أزمة تمثل اللحظة التاريخية التي نعيشها بالمغرب، خاصة فيما يتعلق بالإدراك المرتبط بالمواطنة والقضايا ذات الأولوية بالنسبة للمجتمع وقضايا الحرية والديمقراطية. وخير دليل على ذلك المحاولات البئيسة والخاسرة لإحداث تقاطب وتجاذب إيديولوجي لا أساس له في الواقع. فمن المستهجن أن يتم حشو قضايا المرأة المغربية في هذه المحاولات المفتعلة،  أو لجدل “ديني” قد حسمته الوثيقة الدستورية وحسمه قبل ذلك خيرة هذا البلد من كفاءات فكرية ومجتمعية ودينية بإحداثهم للأرضية والمناخ التوافقي المترسخ بالبلاد، والتي انفردت به التجربة المغربية  في المحيط الإقليمي والعربي الإسلامي، بأن استطاع المغاربة بكل مكوناتهم أن يخرجوا من حالة التجاذب والتقاطب الذي أحدثه مشروع “الخطة الوطنية للمرأة والتنمية” بالاصطفاف إلى  جانب المرجعية المغربية التي حققت التعايش الممكن في أروع صوره بين المرجعية الأممية والمرجعية الإسلامية المؤسسة للدولة وللنظام المغربي.
 
لعل حنكة مدبري هذه المرحلة تزعج من لا يريد لهذه البلاد أن تنطلق قاطرة انتقالها الديمقراطي،  وتجتهد في كل مرة في فبركة قاعات انتظار مظلمة. وبما أن القاطرة هذه المرة تقاوم الظلمة وانطلقت في نسختها الثانية… لعل هذا خلق لديهم تشويشات…عدنا فعادوا ولم يجدوا إلا إسقاط وصفة الجيران الفاشلة، فهاهم يمحورون نقاشا مبتذلا مركزا على الحكومات ذات المرجعية الإسلامية والخطر الإسلاموي، وكأن هذه الحكومات أعلنت تبنيها النموذج الإيراني!. هذه “التحليلات” التي تقود إلى خلاصة واحدة هي الخطر “الإسلاموي” دون أن تولي أي اعتبار إلى العوامل الحقيقية التي تهدد استكمال مسيرة الإصلاح الهادئة.
 
وأغتنم  فرصة النقاش المفتوح والذي أتوجه به إلى كل من يريد أن  يحاكم هذه الحكومة بعد سنتين من توليها تدبير الشأن العام من خلال  ثلاث مداخل لوضع الإشكال في مكانه الطبيعي:
 
المدخل الأول:
يجب استيعاب حقيقة تغيب عند من يسمون أنفسهم حداثيين أو علمانيين بالرغم أن هذا المصطلح لم يجرب يوما في البلدان العربية بل بقي محتجزا في عقول أصحابه، وعجزوا أن يتقاسموه مع الشعب ومع المواطنين. فعدم استيعاب هذه الحقيقة أدى إلى الفشل والانهيار الحاصل اليوم لأطروحة اليسار والعلمانيين شعبيا، هذه الحقيقة تعطي معطى أساسي هو أن عنصر الدين عنصر له اعتبار مهم اجتماعيا عند المغاربة، ولما اسبعدته النخبة العلمانية خسرت خسرانا مبينا. المعطى الثاني هو  أن الإسلام لا يتوفر على نظام لاهوتي سياسي للحكم كما هو عليه الشأن بالنسبة للمسيحية، وبالتالي لا عداء مع الدين في تجدير وتملك منظومة  الحقوق والحريات كما هو الشأن بالغرب.
 
المدخل الثاني
كون الحكومات ذات المرجعية الإسلامية وذات الشرعية الشعبية هي اليوم في اختبار في بيئة مجتمعية منتمية إلى فضاء عربي إسلامي علاقته بالمنظومة الديمقراطية لم تحسم بعد، فكرا وممارسة، فالنخب السياسية التي تدبر الشأن العام اليوم لم تعلن عن منظومة قيمية مناقضة لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق النساء خاصة. لكن تركز على أن هذه العملية وجب أن تكون في توافق مع كل القوى الحية بالبلد، المثال النموذج “البنكيراني والغنوشي”، في تناسق مع قراءة متجددة “للنص الديني” ( قراءة في تصريحات ومواقف الغنوشي وبنكيران )، ثم أنه ليس هناك نموذج ديمقراطي واحد يتوجب تطبيقه، بل هناك اتفاقا جماعيا حول أسلوب إدارة الدولة والمجتمع وأن اعتماد هذه النخب للديمقراطية كنظام حكم لا يعني انسياقها وراء فكرة النماذج الجاهزة بالغرب، فبمقدورنا أن ننسج النموذج المنسجم مع خصوصيتنا المغربية، لأنه لا وجود لنموذج حكم ديمقراطي قابل للتطبيق في كل المجتمعات. وهذا ما يجعل التباين قائما بين مجموعة من الأنظمة الغربية نفسها. فنموذج فرنسا لا يحاكي نظام الحكم في بريطانيا، ولا ذلك الموجود بإيطاليا مثلا.
 
المدخل الثالث
إن إقامة دولة الحق والقانون والديمقراطية بهذه البلدان هي مسار  حركة إصلاح وعملية بناء متواصلة، تقوم على أساس الحلول الوسط، وغياب النموذج المثال، يمنح لنا إمكانية المحافظة على مقوماتنا الأساسية من مؤسسات وثقافات وأعراف وتاريخ حضاري، خاصة بالنسبة للمغرب، حيث الجمع بين الملكية المستوعبة لمطالب التحول الديمقراطي والفاعلة فيه رأسا، ومشروع الانتقال الديمقراطي الذي يجب أن نعمل جميعا لحمايته من الفوات التاريخي.
فالمفروض عدم إلباس الانتقال الديمقراطي لباس الدين والتغاضي على من يريد أن يسرق من الشباب ثورتهم وأملهم في الإصلاح، وواجبنا التاريخي جميعا أن نصطف إلى كل الديمقراطيين حتى الذين لا يروقونكم وهم الإسلاميين، وتيقنوا أنهم منشغلين مثلكم من أجل تجدير مبدأ الشعب كمصدر للسلطات نصا وروحا، وترسيخ مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية الفعالة، واعتبار المواطنة مصدر الحقوق ومناط الواجبات وإبراز مظاهرها من تكافؤ الفرص والمنافسة على تولي السلطة وتجسيد التعاقد المتجدد في المشاركة الفعالة للمواطنين ثقافة، واعتبار حقوق الإنسان والمشترك الإنساني، وهذا مقاومة كل أشكال التقهقر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في بلدنا الغير مسموح به بعد رهاننا جميعا.

ماذا يعني ذلك؟
يعني أن أولويتنا هي تقوية المؤسسات لأننا ربحنا المحافظة على دولتنا وهذا مكسب كبير لننتقل بها  إلى ما يصطلح عليه في علم الاجتماع السياسي بدولة المؤسّسات والقانون، لأن وجود دولة الإثني عشر قرنا هو حجر الزاوية في فتح باب التطوّر، ولأنه من دون ذلك لا يمكن الحديث عن مواطنين يتشكّلون بوصفهم شعبا، ولا الحديث عن مواطنة وحداثة أو ديمقراطية أو تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية، فهذه هي دروس ثورة 9 مارس و25 نونبر يجب أن لا ننساها، والرهان تقريب هذه المكتسبات من المغاربة الذين لم يعودوا يطيقون صورة دولة أو صورة حكومة مشوهة، لهذا فهم متصالحون مع هذه الحكومة الشرعية المجتمعية، أي المتأتيّة من مواطنيها، وبهذا فهم يتصالحون كذلك مع الدولة التي شهدت  تطورات طبيعية سياسية.
نحن مطالبون جميعا بتملك مفهوم مبدأ المواطنة، التي تتأسس على مواطنين أفراد، وأحرار، ومتساوين إزاء القانون، ومعنى المواطنين الأفراد هنا استقلاليتهم عن الانتماءات الإيديولوجية التي يجب طرحها جانبا على الأقل في هذه الفترة المؤسسة، من دون أن يعني ذلك إلغاؤهم لهوياتهم الأولية، أو انفصالهم عن مذهبياتهم، ولكنه يعني اعتبار هويتهم كمواطنين أساسا لعلاقتهم بالحكومة وبالدولة، وأساسا لعلاقتهم بالمجتمع وأساسا لاشتغالهم في الشأن العام لأن مغرب التعدية يستوعبنا جميعا.
 
حلمي الجميل أن نطلق الوضعية المأزومة لجهة الشرعية التي يحن لها البعض وهم يبحثون عن مصادر مختلفة لشرعية ما من خارج المجال الطبيعي لها نسوا أن الحزب الافتراضي يقظا وشرسا. وهو سينفض على كل تبني لشرعيات وإيديولوجيات أو شعارات لا علاقة لها بحاجاته وأولوياته.
وفي هذا الإطار وفيما يتعلق بنداءات بيانات الخوف على مكتسباتنا كنساء لا حاجة للخوف فنحن أحرص منكم على حمايتها “كإسلاميين” الأجدر بتبنيها كمكتسبات وطنية ولا نحتاج لشهادة حسن النية في هذا بل نحن محتاجين لبدل جميعا مزيدا من الجهد من أجل تعزيز التوافق الوطني المفقود في المنطقة وفي بلدان مجاورة لنا. والجهد واجب وطني اليوم خاصة مع شريك كحزب العدالة والتنمية يفترض من “معارضيه” أن يبذلوا جهدا كذلك لاكتشاف حجم التطورات الهائلة التي شهدها هذا الحزب على المستويين النظري والعملي، في تبنيه لقيم التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتوسيع حدود المرجعية لا لإرضاء الغرب أو إرضاء النخبة العلمانية ولكن لأننا حزبا  حيا يتطور.
 *عضو الأمانة العاملة حزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.