قربال يكتب: العمل الحكومي ومعارضة الغنيمة والقبيلة

14.01.13
بقلم/ نور الدين قربال
لا يمكن أن نبني الحياة الديمقراطية دون التدافع بين الأغلبية والمعارضة. خاصة وأن دستور 2011 أعطى للديمقراطية التمثيلية حقها، والديمقراطية التشاركية كذلك في أفق التكامل بين الطرفين. وإذا كان العمل الحكومي لم يحقق كل الطموحات  المتوخاة من البناء الديمقراطي، فإن بعضا من أعضاء المعارضة يعارضون انتصارا لنزعة الغنيمة والقبيلة وليس للمصلحة العامة، في حين أن هناك معارضة بانية وهادفة.
واعتمادا على ماذكر سأركز في هذا التحليل على عنصرين أساسيين:
 
أولا: محطات من العمل الحكومي:
لقد وضعت الحكومة رهن إشارة المجتمع المدني تقديم ترشيحاتهم لإنجاز مشاريع بناء على دفتر التحملات، تفاديا وتقليصا من الزبونية، والمحسوبية، وحفاظا على مالية الدولة. كما أطلقت وزارة الشباب والرياضة برنامج العمل الطوعي، والخدمة المدنية في أوساط الشباب. كما تم دعم التشغيل بالجمعيات من خلال برنامج”مبادرة” و”تأطير” الذي يهم 50 ألف مستفيد من أجل التأهيل للعمل.
وقد تم إحداث 1572 تعاونية خلال سنة 2012 بمعدل 131 تعاونية في الشهر. كما تم تنصيب اللجنة العلمية لهيئة المناصفة في أفق التنزيل التشاركي لمقتضيات الدستور. وغطت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ 2005 إلى 2012 حوالي 29 ألف مشروع، و5 مليون مستفيد، وميزانية قدرت ب18 مليار درهم. تعميم “راميد” ليشمل في الأفق 8 ملايين من المستفيدين إضافة إلى المعوزين من المغاربة المقيمين بالخارج. مع تبسيط المساطر لهم على جميع المستويات. وأحدثت الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، للتنسيق بين كل المجهودات وتخفيض نسبة الأمية. واعتبر برنامج “إكرام” خطة حكومية للمساواة. وصودق على مرسوم خاص بصندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء. وتم تراجع المعامل المغلقة: 97 سنة 2011، و56 سنة 2012. كما أشارت بعض التقارير، إلى تراجع الفقر، والهدر المدرسي بالمغرب. وتراجعت البطالة بنسبة 9.1 خلال سنة 2013. وتأهيل 10 آلاف شاب بميزانية 160 مليون درهم. من أجل التأهيل للعمل خلال سنة 2013.
وقد منح المغرب خط الوقاية والسيولة بمبلغ 6 ملايير دولار أمريكي. نظرا لاستقرار الماكرو اقتصادي للمغرب، واعتبرت نسبة العجز 5.5 منسجمة مع السعي نحو استدامة المالية العمومية، وقد تم اعتماد نظام المقايسة الجزئية لأسعار بعض المحروقات السائلة في إطار التزامات الحكومة بإصلاح صندوق المقاصة. مع استمرارية دعم أسعار المواد البترولية وغاز البوتان، والوقود الموجه لإنتاج الكهرباء من قبل الدولة.
وهذا قرار سياسي للحفاظ على التوازنات العامة للاقتصاد المغربي. وحسب كثير من المتتبعين، فإن قرارات الحكومة قد تبدو أحيانا غير شعبية، لكن استراتيجية بالنسبة للدولة، ومستقبل البلاد. وصدق من قال في حق الحكومة: “إن خفضت من تكاليف الاستثمار تنتقدونها، وإن تم تقليص الاعتمادات المخصصة لصندوق المقاصة تنتقدونها، فكيف ستعمل؟”.
وقد تحسنت مداخيل تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، ومداخيل الأسفار والاستثمارات. وهناك تقدم في ممارسة أنشطة الأعمال، وترشيد النفقات العمومية، وتشيع الاستثمار الداخلي والخارجي، وتمت المصادقة على 40 مشروعا بميزانية 42 مليار درهم خلال شهر 12 لسنة 2012.
وقد صادقت الحكومة على القانون التنظيمي للمالية، وتم إحداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل، وربح المغرب 10 نقط بالنسبة لمناخ الأعمال. وصرف على السلم الاجتماعي ما قدره 17 مليار درهم منذ 2011. ومن المنتظر أن ترد المساهمة الإبرائية ما يفوق 20 مليار درهم للدولة. كما عرف قطاع الصناعة تطور ملحوظا إضافة إلى البنيات التحتية والنقل واللوجستيك وغيرها من القطاعات الحكومية التي تعبر عنها من خلال عرض حصيلتها على مواقعها الالكترونية، وأثناء مناقشة مشروع قانون المالية وغيرها….
 
ثانيا: معارضة الغنيمة والقبيلة
في الأدبيات السياسية الدولية نجد ثنائية تتدافع من أجل خدمة الوطن: الأغلبية والمعارضة، ناهيك عن دور المجتمع المدني، في أفق التكاملية بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.
ونظرا لأهمية هذا الورش، فقد خصص دستور2011 الفصل 10 للحقوق التي خولها إياها. وأعطى للمجتمع المدني أدورا تشريعية ورقابية.
لكن يلاحظ أن المعارضة اليوم نوعان: الأول يحترم التقاليد الديمقراطية، ويمارس المعارضة بقواعدها الدستورية، محترما السياق السياسي السائد، أي “ديمقراطية عقلانية”. وأخرى تنطلق من مصالح ذاتية ذات بعد فردي، وجماعي ضيق، أي “معارضة القبيلة والغنيمة”، إضافة إلى المعارضة الإيديولوجية، التي لاتنتعش إلا إذا كانت الاقتراحات صادرة عن سدنتها، شعارهم “الأنا العالمة” و”ما بعدي الطوفان”.
والمغرب اليوم يشهد حركية كبيرة، أخرجت البلاد من الركود الذي ساد ردحا من الزمن، والتصويت على المغرب عضوا في مجموعة من المنظمات الدولية، مؤشر كبير على المكانة التي يحتلها المغرب دوليا. إضافة إلى الأمن والاستقرار الذي جلب الاستثمارات، وبدأ المغرب يقتحم رسم معالم استراتيجية مع دول لها قوة في بناء القرار الدولي. ناهيك على المشاريع الهيكلية التي انخرط فيها المغرب، والمراتب التي بدأ يحصل عليها المغرب دوليا وهذا مجهود تراكمي يجب أن يقدر من قبل الجميع.
لكن الملاحظ اليوم أن هناك صنفا من المعارضة يمارس الضغط على المشاريع الإصلاحية ليس من باب المصلحة العامة، ولكن بمنطق القبيلة والغنيمة بلغة الجابري رحمه الله. الذي طالما نادى بكتلة تاريخية، ولكن لاحياة لمن تنادي.

إذا كانت الحكومة قد فتحت أوراشا إصلاحية متعددة، وقد حصل المغرب على تأييد عالمي، وتم التصويت عليه في أكثر من أربع منظمات دولية، ذات قيمة عالمية، لكن بعض الجهات التي أساءت للمعارضة البانية، وشرعت في رفض كل مشروع برؤية سوداوية، لأن المشروع غير صادر من قبلهم، مما يكرس الاستعلاء المغشوش، والوصاية المذمومة التي يمارسها هؤلاء على الشعب المغربي، وقد يكون الإصلاح يمس ذواتهم، مما يكرس “معارضة الغنيمة والقبيلة”. وهذا يسئ إلى المعارضة من جهة والديمقراطية بصفة عامة من جهة ثانية.
إلا أن هؤلاء مراتب، منهم من يعرقل عرقلة بدون إدراك العواقب التي لا قدر الله سوف لاتبقي ولا تذر. ومنهم من يترك شعرة معاوية بينه وبين الحكومة. ومنهم من يمارس المعارضة بقواعدها المتعارف عليها. وياليت هؤلاء الذين يعرقلون المشاريع الإصلاحية أن يستفيدوا من الرسائل الملكية القولية والفعلية. ولكن لا حياة لمن تنادي.
إن هذا السلوك المنحرف “إنا عكسنا”، يفقد دعاته المصداقية، ويعطي مساحة للحكومة من أجل إثبات أن هناك أناسا يعارضون من أجل المعارضة، وقد عرف المشهد السياسي بالمغرب خلال سنة 2008، وجود معارضة، لكن ليست “كالمعارضات”، لأنها كانت تعارض المعارضة. على صيغة ماجدة الرومي “كلمات ليست كالكلمات”. إن المغرب بعد دستور 2011 قد طوى سلبيات الصفحات السابقة، ولم  يبق بالإمكان أن نرجع للوراء في ظل سياق جديد. إذن بعض دعاة الديمقراطية السابقين، انقلبوا عليها، وعشش في أذهانهم أنهم أوصياء عليها. ولكن أنى لهم ذلك، لأن الديمقراطية وصفة جاهزة لكل من يعتقد في التعددية، والتنوع، وقبول الآخر والتحاكم إلى صناديق الاقتراع، والإيمان بالتداول السلمي، وذوبان الذات في الموضوع، والتحرر من عقلية القبيلة والغنيمة والتفكير الدائم في الحفاظ على الأمن والاستقرار لأنه بدونهما لاتنمية ولا ديمقراطية.

إن الديمقراطية هي التعاون على التطور من أي زاوية كان الإنسان. بدل البحث على العراقيل التي تهدف إلى خلق مشاكل للحكومة دون التفكير في المآلات. ودون احترام سيادة الشعب، والسقوط في الشعبوية، التي تعني التوظيف المبالغ فيه للمعلومة في اتجاه الهدم، وليس البناء. وهذه قمة التحكم، الفاقد للعقلانية.
إن هذا النوع من المعارضة المعرقلة للإصلاح، مجازفة تشاغب على السير الطبيعي للمجتمع. لكن مهما كانت العراقيل، فإن الشعب على دراية بكل ما يحدث، لأنه لايعقل أن تبدأ المعارضة منذ الشهور الأولى على تعيين وتنصيب الحكومة.
نخلص مما سبق أن الحكومة في إطار التشاركية، قد حققت إنجازات مهمة، رغم الإكراهات، ومنفتحة على الاقتراحات المناسبة للتوافقات. وأهم إنجاز حققه المغاربة جميعا هو الاستقرار. إذن كيف نحافظ عليه مع احترام المقتضيات الدستورية التي تحطي للمعارضة البانية أدوارا مهمة سياسة كانت أم مدنية؟.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.