حامي الدين يكتب: وماذا بعد دستور الانقلاب؟

14.01.17
نشرت جريدة القدس العربي في عدد الخميس 16 يناير 2014 مقالا للباحث في العلوم السياسية عبد العلي حامي الدين بعنوان: وماذا بعد دستور الانقلاب؟، هذا نصه:
 
بقلم/ عبد العلي حامي الدين
غدا ستعلن اللجنة العليا للانتخابات نتائج الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، وهي نتائج معروفة سلفا لفائدة دستور أريد له أن يطوي صفحة استيلاء الجيش على السلطة بالقوة، وفتح صفحة جديدة لإضفاء الشرعية على حكم العسكر..
هل بإمكان الاستفتاء الدستوري الأخير أن ينقل مصر إلى واقع الاستقرار السياسي كما يعتقد البعض؟ الظروف العامة التي أحاطت بالاستفتاء تقول العكس والمعطيات المتوفرة تؤكد أن المسلسل المصري لن تكون نهايته كما يريد من ساهموا في إخراج هذا المسلسل..كيف ذلك؟
لحظة الاستفتاء على الدستور في الدول التي تمتلك إرادة التحول الديمقراطي الحقيقي هي لحظة تكريس الإجماع أو ما يشبه الإجماع على أسمى وثيقة قانونية في البلاد، وفي أسوء الحالات هي لحظة التعبير عن الاختلاف بطريقة حضارية تؤمن بتعدد الآراء واختلاف وجهات النظر..

الانفراد الذي سجلته السلطات الحاكمة في مصر هو سعيها الحثيث إلى فرض صوت واحد هو الصوت الداعي إلى “نعم” بكل الطرق الممكنة، ومنع كل صوت آخر..
وباستثناء الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد تجندت وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية إلى الترويج والدعاية للدستور الجديد وللدعاية للرجل القوي في نفس الوقت..
الأجواء التي خيمت على الاستفتاء الأخير تميزت بمقاطعة قوى سياسية أساسية ومتنوعة من بينها “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، إضافة إلى جماعة “الإخوان المسلمين” و”الاشتراكيين الثوريين” وحركة “6 أبريل” و”الجماعة الإسلامية” وحزب “مصر القوية’”..

كما نشطت الفعاليات المناهضة للاستفتاء ونجحت في تنظيم مظاهرات كبيرة تعبر عن رفض شعبي واسع للدستور الجديد وصلت إلى محيط قصر الاتحادية، قبل أن تبدأ قوات الأمن في إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي كذلك، بالموازاة مع إغلاق الشوارع الرئيسية، وإغلاق ميدان التحرير بالخصوص أمام حركة السيارات والراجلين، بعد أن تصدت لمئات المتظاهرين في بعض الشوارع المؤدية للميدان واعتقلت عددا منهم.
نجح مناهضو الانقلاب في تنظيم عدد من المسيرات في أنحاء متفرقة من المدن والقرى المصرية لدعوة المواطنين إلى مقاطعة الاستفتاء، والنتيجة سقوط 11 قتيلا وجرح العشرات واعتقال المئات من المواطنين..
الملمح الثاني الذي طبع الاستفتاء الأخير بالإضافة إلى ملمح العنف، هو ضعف نسبة المشاركة..
فقد نشرت الصحافة المصرية بما فيها المقربة من السلطات الحاكمة صورا تظهر ضعف الإقبال على مكاتب التصويت كما أظهرت بعض الشبكات الإخبارية صورا لبعض مكاتب الاقتراع في عدد من المحافظات خالية من الناخبين، وسط تعزيزات مكثفة لقوات من الجيش والشرطة وصلت أكثر من 160 ألف رجل من رجال الشرطة والجيش..
وبغض النظر عن الخطاب الدعائي الذي تروجه السلطات الحاكمة فإنه من المؤكد أن نسبة التصويت لم تتجاوز 15 % في الخارج، ولا يستبعد العديد من المراقبين أن لا تتجاوز نسبة المشاركة في الداخل نفس الرقم .

المرصد العربي للحقوق والحريات نشر تقريراً بنسب المشاركة في استفتاء مصر 2014 في المحافظات المصرية بناءً على محاضر الحضور في اللجان وتوثيق الحقوقيين والمراقبين المحليين والدوليين والتي وصلت كمتوسط نسبي إلى 11.03 % كنسبة مشاركة عامة في المحافظات المصرية، وتراوحت بين 3% و13%، في حين أن نسبة المشاركة على دستور 2012 بلغت 32.9% كمتوسط عام، وهو ما يعني حسب العديد من المراقبين أن الاستفتاء الأخير هو تأكيد لشرعية الرئيس مرسي..
طبعا، التضارب في نسبة المشاركة يعكس حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي يوم 3 يوليوز الماضي، ولا أعتقد بأن الاستفتاء الأخير سيوقف دوامة التمزق التي تغذيها خطابات إعلامية إقصائية..

الملمح الثالث في الاستفتاء الأخير هو التناغم الحاصل في خطاب حزب “النور” السلفي مع خطاب الكنيسة القبطية المساندة للانقلاب، فقد اختفت جميع الاختلافات الإيديولوجية بشكل عجيب، وقبل حزب “النور” السلفي بما كان يرفضه في السابق، واستمات في الدفاع عن الصيغة الدستورية الجديدة التي سجلت تراجعا واضحا عن موقع الإسلام في الحياة العامة بالمقارنة مع دستور 2012 الذي سبق له أن هدد برفضه آنذاك..
في العمق، مثل هذا التمرين، بغض النظر عن طبيعته الإقصائية، يساهم في تثبيت روح الديمقراطية وينزع عنها أي لبوس ديني، ويساهم في بناء ولاءات سياسية حقيقية بعيدة عن التمترس وراء مسلمات دينية أو طائفية، ويرسم حدودا واضحة بين الدين والسياسة في نهاية المطاف..

فعندما ينتفض الإخوان المسلمون ضد مواقف شيخ الأزهر وضد مواقف حزب النور السلفي وضد الخطاب الرسمي للكنيسة، فهم في الواقع يسجلون خطوة هامة نحو فصل المؤسسة الدينية عن التدخل في شؤون الدولة، وهم بذلك يساهمون بشكل عملي في تحقيق مفهوم الدولة المدنية في الواقع المصري على المدى البعيد..
إن الالتقاء في المرجعية الدينية لا يعني بالضرورة الالتقاء في المسلكيات السياسية، وهذا هو الدرس الكبير مما يحصل في مصر حاليا..
إن هناك حاجة ملحة لضخ قيم جديدة داخل البنيات التقليدية التي ظلت تؤطر سلوك الأفراد والجماعات، وهو ما سيسمح به الفرز الطبيعي الذي يحصل حاليا على أرضية سياسية مدنية.. بين قيم الثورة وبين قيم الانقلاب..

الملامح السابقة التي برزت مع الاستفتاء الأخير، أثارت قلق الكثير من المنظمات والهيئات الدولية وسجلت ارتفاع منسوب القمع المسلّط على الأصوات المعارضة، وزادت من تعميق الهوة بين الأطراف السياسية في البلاد، وبات واضحا أن سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولة فرض الأمر الواقع ليس بإمكانها أن تضفي الشرعية على الوضع الجديد ولن تستطيع طمس آثار تدخل الجيش في السياسة..
إن خارطة الطريق الحقيقية التي تحتاجها مصر في الوقت الراهن هي بناء تسوية سياسية تاريخية بين الفرقاء على أرضية المصالحة مع قيم ثورة 25 يناير والانتباه إلى الإنذار الذي وجهته رسالة 30 يونيو.. والاستعداد لمحو تاريخ 3 يونيو الذي يشكل وصمة عار في الذاكرة المصرية..

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.