التليدي يكتب: فشل مسيرة 6 أبريل ومخاطر إضعاف وسائل الدفاع الشعبي والمدني

14.04.08
بقلم: بلال التليدي
عادة ما يتم التعامل مع المسيرات الاحتجاجية على أنها مؤشر لقياس شعبية الحكومة من جهة، وقوة المعارضة السياسية أو القوى الاحتجاجية التي دعت إلى المسيرة من جهة أخرى، إذ يبرز حجم المسيرة قوة المعارضة من ضعفها، كما يبرز مصداقية خطاب الحكومة الإصلاحي وفاعليته في إضعاف أي حجة تبرر الفعل الاحتجاجي.
والحقيقة، أن هذا المنطق في التحليل الذي ساد لعقود من الزمن، وكرسته الأطروحة الماركسية من جهة، وأسلوب الدولة العتيق في التعاطي مع الحراك، فقد اليوم كل معانيه، ولم يعد صالحا لبناء فهم سياسي، بله التأسيس لمنظور جديد للممارسة السياسية.

يكفي أن نتأمل التاريخ السياسي القريب، وكيف كان هذا المنطق المختل يسمح للفعل الاحتجاجي أن يتحول إلى مزايدة سياسية خطيرة في لحظة النشوة بنجاح الأشكال النضالية، وكيف كان يدفع الحكومات إلى أن تجعل الملف الاجتماعي في آخر سلم الأولويات في حالة ما إذا فشل الحراك وظهر في أدنى مستوياته.
للأسف، هناك اليوم، من يحاول استصحاب هذا المنطق في توصيف الشكل الهزيل الذي ظهرت به مسيرة 6 أبريل، ويحاول أن يستخلص منه ما لا يساعد على التأسيس لنموذج جديد في الممارسة السياسية، يقطع مع هذا المنطق المختل.

نعم فشلت مسيرة 6 أبريل، وكانت ضعيفة في حجمها وشكل تنظيمها، ولم تبلغ معشار ما رفعته من أهداف، لكن الإقرار بهذا التوصيف الواقعي الدقيق، لا ينبغي أن يكون حافزا للاغترار والقناعة بأن غياب الضغط الاجتماعي يبرر التراخي في المضي إلى السرعة القصوى في حل المشكلة الاجتماعية، كما لا ينبغي أن يكون النجاح في الحراك مبعثا على ممارسة الابتزاز النقابي والسياسي من أجل انتزاع مطالب لا يتحملها السياق الذي يوجد فيه الاقتصاد الوطني والوضع السياسي والأمني.
نحتاج عند التأمل في فشل مسيرة 6 أبريل، كما لحظة الفشل في إضراب الخبز، أن نلتقط دروسا أخرى غير تلك الدروس التقليدية، ففشل هذه الأشكال النضالية، إن كان ينظر إليه البعض على أنه نقطة إيجابية لفائدة الحكومة، فهو في الواقع نقطة سوداء يحسب على المشهد السياسي والنقابي، إذ لا أحد يمكن أن يفرح ببلد تختل فيه التوازنات، وتضعف فيه وسائل الدفاع الشعبي والمدني، حتى ولو كانت الحكومة إصلاحية تلتف حولها المكونات الداعمة للمشروع..

الدرس الثاني يرتبط بالشكل الذي ستتمثل به الحكومة فشل الحراك النقابي، وما سترتبه من خيارات للتعاطي به مع المسألة الاجتماعية. ذلك أن أكبر خطأ يمكن أن تسقط فيه هي أن تعتبر أنها تشتغل بكفاءة على الملف الاجتماعي، وأن دليل ذلك هو فشل مختلف أشكال الحراك الاجتماعي. ولعل نقطة الضعف في هذا التحليل، هي أنه يطابق بين ضعف النخب الاحتجاجية، وبين مستوى الرضا أو السخط عن الأداء الحكومي، وهو معيار غير صحيح، ولا يبرر بالمطلق الارتكان إلى القناعة التي تزعم بأن الحكومة حققت الكثير في الملف الاجتماعي، وأن الأمر لا يتطلب أكثر من المضي بنفس الوتيرة.
والتقدير أن نقطة القوة التي يمكن أن تعتمد عليها وهي أن تكرس الحكومة تقليدا جديدا في العمل السياسي، وأن تعتبر فشل الحراك الاحتجاجي مبررا إضافيا للزيادة في وتيرة الاشتغال على الملف الاجتماعي، لأن أي مسعى منها لتقديم هدية مقنعة للفئات الاجتماعية الفقيرة والتي توجد في وضعية هشاشة، في هذه اللحظة التي فشل فيها الحراك الاحتجاجي، يزيد من بناء مصداقية مشروعها الإصلاحي في شقه الاجتماعي.

أما الدرس الثالث، فهو الذي يرتبط بآلية الحوار، والذي ينبغي أن يصير ممأسسا مركزيا وقطاعيا، وأن يتم التفكير في جدولة للائحة الملفات الاجتماعية، ويتم ترتيب أولوياتها موضوعيا وزمنيا، فيقدم الأقل تعقيدا، والأقل كلفة على ما سواه، وما تتوافر فيه أقدار مهمة من التوافق على ما يتطلب مسارا من الحوار التشاركي، وأن يتم إطلاع الرأي العام عن كثب بمسار هذا الحوار.
نعم، هناك وعي لدى الجميع بأن الظرفية صعبة، وأن الخيارات محدودة أمام حجم التطلعات الاجتماعية وأن هناك تسييسا للملف الاجتماعي، لكن، مع هذه الإكراهات، هناك بدائل يمكن التفكير فيها تساير منطق الحكومة في البحث عن أفضل الطرق لتوسيع الخدمات الاجتماعية، والبحث عن خيارات لتوجيه دعم صندوق المقاصة إلى الفئات التي تستحقه.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.