دفاعا عن المعارضة

16-04-14
تعتبر المعارضة العين اليقظة لمراقبة الحكومة ومحاسبتها إن حادت عن جادة الصواب، فضلا عن إمكانية تشكيلها قوة اقتراحية مهمة، ونظرا لأهميتها في الحياة السياسية، نجد دستور 2011 يعطي لها ولأول مرة مكانة مهمة لدرجة يمكن معها القول أنها أضحت بمقتضاه مؤسسة قائمة الذات، سواء على مستوى الحقوق التي حازتها، أو على مستوى وظيفتها التشريعية والرقابية التي باتت مضمونة بأسمى قانون في الدولة.
ولكن تطلعات دستور 2011 تبقى في واقع الممارسة مجرد حبر على ورق في ظل ما تشهده اليوم الساحة السياسية من ممارسات ومظاهر تحول دون تطور المعارضة وعقلنتها ومأسستها من أجل نهوضها بالأدوار التي نص عليها الدستور.

وبدل أن تتطلع المعارضة إلى تمثل أدوارها الدستورية في الرقابة والتشريع والدبلوماسية إضافة إلى العمل على تأطير المواطنين، نجدها تحصر أدوارها المتعددة في ممارسات سياسوية ضيقة لا يمكن أن يكون لها أي أثر لا على تطور أدائها ولا أي أثر بالنسبة للمواطن الذي يتطلع إلى نقاش عمومي حول القضايا الحقيقية التي تهمه والتي يمكن أن تنعكس إيجابيا على معيشته.
ويمكن إرجاع ضعف المعارضة إلى عدة عوامل من بينها عدم استيعابها للتحول الذي شهده المغرب عقب الحراك الاجتماعي والسياسي الذي أدى إلى إصلاح دستوري نتج عنه صعود نخبة سياسية جديدة لموقع مسؤولية تدبير الشأن العام، نخبة كان البعض يستعد لتهميشها في أفق إقصائها بشكل نهائي، وهذا ما لم تستوعبه المعارضة التي كانت بالأمس القريب تشكل الحكومة، وإذ بها اليوم تنتقل “مكرهة” إلى المعارضة ليبدأ بعضها مسارا جديدا لتعلم الحد الأدنى البدائي من تقاليد المعارضة، ولذا يبدو أن أمامها مسار طويل للتعلم خاصة وأنها تربت طويلا على المساندة والتأييد وعلى الحكم، وهي بذلك تحتاج إلى فترة نقاهة سياسية لامتصاص آثار الإنهاك والتعب الناجمين عن المشاركة في الحكم.

 فيما يراهن البعض الآخر على “إرثه التاريخي” في المعارضة من أجل إعادة بناء قواعده التي ترهلت جراء سنوات الحكم في السنوات الماضية، وهو الأمر الذي يبدو أنه لن يتحقق في المدى القريب نظرا لما يعيشه حاليا من تفاعلات بين قيادات هذا التيار قد لا تؤدي إلى انشقاقه ولكنها قد تزيد في ضعفه.
أما باقي التيارات الأخرى وهي تلك التي ولدت من رحم الإدارة فإنها تحاول أن تتقمص دور المعارضة “الواعية” و”البناءة” في مواجهة “حكومة متغولة تحاول السيطرة على المشهد السياسي وتصر على الإقصاء الممنهج للمعارضة وتقزيم دورها الرقابي”، ولكن هذا النوع من المعارضة سيظل رغم ذلك عاجزا عن فهم الأدوار الحقيقية للمعارضة لكون بنيتها التأسيسية لم تكن تتصور نفسها ستصبح في وقت ما في موقع المعارضة، لذا ستظل في ممارستها لوظيفتها تحن إلى لعب نفس دور الأغلبية، في غياب تقليد وممارسات غير التأييد والولاء المفرط للحكم، واللذين يبدو أنهما حجبا عنها الرؤية أو الانتقاد الإيديولوجي الذي يفترض أن تحكم مرة أخرى .

وأمام عدم استيعاب المعارضة للتحولات التي شهدها المغرب ستبقى تتخبط بين الحنين إلى ممارسة السلطة التنفيذية وتدبير الشأن العام، وبين موقع المعارضة الذي فرض عليها فرضا، وسيستمر لجوؤ ها إلى نهج أسلوب الاحتجاج ومعارضة كل مبادرات الحكومة و”النقد السلبي” بعيدا عن النقد البناء ومقارعة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة فيكثر اللغط وتطفو الأفكار العقيمة، مما يزيد من ضبابية وضعها ويجعلها بعيدة عن تمثل أدوراها الحقيقية كما جاءت في الدستور.

ختاما، ليس الهدف من هذا الحديث جلد المعارضة أو الإمعان في “التشفي” فيها، نظرا لكون الحالة التي تعيشها اليوم لا ترضي أحدا وليست في مصلحة أي أحد ولا حتى الحكومة، فالمعارضة فاعل أساسي لخلق التوازن داخل أي نظام سياسي، ولكن القصد منه هو الرغبة في رؤية معارضة حقيقية تعبر عن عمق المغرب ومشاعر الشعب المغربي وتمارس السياسة بتجلياتها، فالمعارضة التي يتطلع إليها الجميع هي التي لا تبيع الأحلام للمواطنين ولا تسترزق من العمل السياسي، بل هي معارضة تجسد الهيئات السياسية التي تحمل مشروعا مجتمعيا يعبر عن هموم الشعب ورغباته وطموحاته وتطلعاته، فالمعارضة حين تكون قادرة على محاسبة الحكومة وترشدها إلى الطريق السليم والصائب وتنبهها إلى عيوبها، كما يمكنها أن تنوهها وتشكرها على منجزاتها، وهو أمر لا تعارض فيه ما دام أن المصلحة الوطنية فوق الجميع، هذه هي المعارضة التي يمكن أن تساهم في تعزيز بناء نموذج سياسي ديمقراطي منفتح يحقق للمواطن ما يصبو إليه من كرامة وعدالة وتنمية.
أحمد الزاهي 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.