ما بني على باطل باطل..وما يصح غير الصحيح..

23.04.14
نشرت أسبوعية “أصداء” في عددها الصادر يوم الأربعاء 23 أبريل، مقالا بعنوان ” مابني على باطل باطل..وما يصح غير الصحيح..” تحدثت فيه عن أبرز التحولات التي شهدها الوضع السياسي بالمغرب.
وفي مايلي نص المقال كاملا:
 
الوضع السياسي على ضوء ما كشفه الدخول البرلماني الربيعي يؤشر إلى وجود تحولات مهمة ربما لم تكن في حسبان من دأبوا على تخطيط السير السياسي العام للبلاد، وهي تحولات تسمح لنا بقياس حجم المسافة التي قطعناها منذ إنشاء الحكومة إلى الآن وكيف تؤشر التطورات إلى حدوث انعراجات لم تكن منتظرة وربما تجذرها في القادم من الأيام.
 
وقبل التعرض لمجمل هذه التحولات، لا بد من الإشارة للحدث الأبرز، وهو انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، على أن أهم ما كشف عنه هذا الانتخاب هو المستوى غير المسبوق من الانضباط الحزبي، لا على في ما يخص الحضور، ولا في ما يخص الالتزام بالتصويت.
 
فلا يخفى أن الحزب المعني قبل غيره بهذا الانتخاب أي التجمع الوطني للأحرار، كان يعاني من عملية تشويش ضخمة بلغت درجة التشكيك في إمكانية انضباط نوابه في البرلمان حضورا وتصويتا. ومما زاد في الضبابية التي سبقت اليوم الموعود، الحملة التي تم تنظيمها لخلط الأوراق بالتركيز على أن اختيار المرشح يجب أن يبث فيه المجلس الوطني، في حين أن من طرحوا هذا الشرط لم يروا ضرورة له إبان اختيار الوزراء، هذا فضلا عن عودة المناضل/الكاريكاتور للاشتغال إذ بدأت تتقاطر الرسائل الهاتفية القصيرة على التجمعيين قصد التشويش ومعاكسة القيادة، وهو أسلوب ألفه التجمعيون وأصبحوا يتندرون به في مجالسهم بعدما انكشف المسكين الذي دأب على النضال بال “إس إم إس” وفق ما يصدره إليه سيده القيادي الفاشل انتخابيا وسياسيا وتنظيميا ووزاريا.
 
ورغم كل ذلك قدم الفريق التجمعي نموذجا سياسيا غير مسبوق، إذ لأول مرة يحضر كافة أعضاء الفريق بدون استثناء، وبعملية تحليلية لتوزع الأصوات يتضح أن كل الأعضاء صوتوا لصالح مرشح الأغلبية.
هذا الإنجاز السياسي التجمعي امتد، وإن بشكل أقل، إلى باقي الفرق أغلبية ومعارضة، حيث الحضور كان شبه كلي والتصويت تم حسب المواقع، وهذا مؤشر إلى عودة الروح الحزبية التي تكاد تكون قد تلاشت في السنوات الأخيرة إذا ما استثنينا حزب العدالة والتنمية المجبول على قوة التنظيم والانضباط.
 
أما في ما يتعلق بالتحولات الآنفة الذكر والمرتبطة بالمشهد السياسي عموما، فقد تبين أن الأغلبية الحكومية أصبحت في وضع مريح فعلا، سواء بفعل غياب الصراعات الداخلية التي ميزت النسخة الأولى للحكومة، أو بفعل القبول الشعبي الذي تحظى به الحكومة رغم كل القرارات اللاشعبية التي تصدر عنها، حيث تبدو الحكومة كما لو تكون استعادت توازنها بعد سيل الضربات التي تلقتها وبدت أكثر قدرة على مواجهة الاستحقاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية القادمة.
 
من جانب آخر بدا واضحا أن الوجه الآخر لهذه التحولات تمثل في الوضع المأساوي الذي أصبحت عليه المعارضة، فبعد المراهنة المبالغ فيها على الدور الصدامي الذي أنيط بحزب الاستقلال عبر قيادته الجديدة، تبين في النهاية أن الحسابات لم تكن في محلها، فالسرعة والكثافة التي تحرك بها الاستقلال ضد الحكومة أعطت نتائج عكسية ونالت من الاستقلال أكثر مما نالت من الحكومة وحزبها الأول. ولعل واحدا من الأسباب الرئيسة لذلك يكمن في كون الاستقلال اليوم هو اسم يطلق على مجموعة من الأشخاص يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة لا يوجد من بينهم قيادي استقلالي واحد من القياديين المشهود لهم بالوزن وبرجاحة العقل وحكمة المبادرة. وبذلك يكون حزب الاستقلال قد فقد كل مصداقية ولم يعد خطابه ولا مواقفه يضرب لها أي حساب.
 
أزمة المعارضة لا يمثلها وضع حزب الاستقلال فقط، بل إن الطامة الكبرى في ما آل إليه الاتحاد الاشتراكي، فمنذ آخر مؤتمر عرف هو الآخر تنصيب قيادة على المقاس، تعددت محاولات إخفاء حجم التفتت الذي يصيب الحياة الداخلية للحزب إلى أن تفجرت في الأسابيع الأخيرة وتوجت بفشل لشكر في عقد مجالس تأديبية لمن لا يتفقون معه ثم بشق الفريق البرلماني وتعطيل المؤسسة التشريعية ككل.
الغريب في الأمر أن هذا النوع من الصراعات سبق وحدثت في الاتحاد وصلت حد الانشقاقات، ولكن في كل المراحل كانت القيادة تتمسك بنوع من الرزانة والترفع، على عكس ما نراه اليوم حيث يبدو لشكر تماما مثل الإخوان المسلمين في مصر الذين ما أن اطمأنوا إلى إحكام السيطرة على البلاد حتى دخلوا حربا شاملة على الجميع، من مؤسسات الدولة إلى الهيئات المهنية إلى الأقليات الدينية إلى اختراع المذهبية الغائبة في مصر إلى الفنانين إلى كل شيء يتحرك في مصر.
هكذا بدت القيادة الاتحادية الجديدة وهي تعلن “الجهاد” في حق كل الأصوات المخالفة بغض النظر عن مضمون تلك الأصوات وما إذا كانت فعلا تستحق كل ما يجري، والحصيلة أن القيادة الاتحادية الجديدة توشك أن تحيد قوة أساسية في المعارضة، التاريخية والحالية، وتشل قدرتها على الحركة تماما كما توشك القيادة الاستقلالية الجديدة هي الأخرى أن تفعل بالاستقلال نفس الشيء.
 
وضع حزب الأصالة والمعاصرة وإن بدا، مظهريا على الأقل، متماسكا، فإنه في الواقع يواجه مخاطر كبرى بسبب قيادته الجديدة هو الآخر، وإن كانت مشاكله مختلفة، بحيث أن ما يلاحظ عليه غياب القيادة كبنية ذات وجود سياسي يجب أن يكون طاغيا والاكتفاء بوجودها التنظيمي. وليس غريبا والحالة هذه أن ترتبط كل أمور الحزب بأسماء بعينها حتى لا نقول باسم واحد الشيء الذي ليس مؤشر صحة وعافية.
 
إن معارضة بهذه الصفوف المشتتة وبأزمة في مصداقية بعض مكوناتها لن يكون بإمكانها لعب سوى دور واحد، وهو تقديم صورة حكومة متقدمة متماسكة ذات مصداقية ودعم شعبي في مقابل صورة معارضة نسيت العمق الوطني لمهام المعارضة والانسياق وراء النظرة القصيرة التي تتلخص في تشويه وعرقلة الحكومة بأي ثمن، مع مراهنة بئيسة تتمثل في أن الشرائح المجتمعية القادرة على استيعاب الأمور تبقى هامشية جدا وأن المغرب العميق لا زال يعج بالبلادة وسهولة الانقياد.
 
وخلاصة القول إن الحكومة خرجت من عنق الزجاجة واستطاعت قلب الموازين في ظرف سنتين، مع وجود عوامل موضوعية طبعا حتمت اختيار الاستقرار الحكومي بدل صراع المكونات، ما يعني أن أمام الحكومة سنتان ونصف لا يبدو أن هناك من سيستطيع تعكير صفوها إلا من الداخل بعدما تأكد أن حتى النقابات بلغت درجة غير مسبوقة من العجز.
على أن كل هذه الأمور سيكون جوابها في الانتخابات الجماعية المقبلة إذا تمت في أجواء نزيهة طبعا.     

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.