الجوع والسياسة

23-04-14
للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد ما يجمع بين الجوع والسياسة، فكيف يستقيم أن تجتمع السياسة التي هي في أحد تعريفاتها فن جلب المصالح ودرء المفاسد، مع الجوع الذي يرتبط بالبطن ويعرف بأنه الحاجة إلى تناول الطعام…
لكن في بلاد مازالت تعيش ما يسمى بالتحول الديمقراطي فإن الجوع لا يصيب البطن فقط، ولكنه يتحول إلى ثقافة وسلوك وممارسة لدى بعض السياسيين، وحين تجوع السياسة ويجوع السياسيون، تختل الموازين فينحصر التفكير في كيفية المشاركة في التسابق على “الغنيمة” و”الكعكة”، ويتحول النضال السياسي والمؤسساتي لدى بعض السياسيين إلى تسابق محموم نحو مل ء البطون والجيوب في المقام الأول.

وتصبح السياسة جراء ذلك غنائم ومكاسب، تدفع البعض إلى امتهان السياسة لتعزيز ثروته وحشو بطنه بالدهون السمينة والأطعمة الدسمة، لكي يتمكن من الجلوس على كرسيه الوثير.. إشباع جوع السياسة يتم بداية عبر التهام أصوات المواطنين ومصالحهم بمختلف الأشكال والوسائل سواء الشرعية منها أو غير الشرعية، وذلك عبر شراء الذمم واستعمال المال الحرام، والتهديد والوعيد وممارسة الأساليب البالية التي كنا نظن أنه تم القطع معها عقب السياق الدستوري والسياسي لما بعد خطاب 9 مارس ودستور فاتح يوليوز 2011.
وبهذا المعنى يخفت نور السياسة بما هي علم وفن إدارة الدولة لتحقيق مصالحها، وتطفو “سياسة الجوع” لتصبح مسألة حياة أو موت، مسألة حياة إذا استطاع السياسي أن يقتطع نصيبه من “الكعكة” دون أن يكتشف أمره، ومسألة موت إذا تعين عليه أن يكتفي بما يفترض أنه أجر ويكفي لسد رمقه، ولكن هيهات أن يقنع البعض بأجره وينخرط في تعزيز الخيار الديمقراطي بالبلد، ليس عبر خلق المعجزات أو تحدي المستحيلات، ولكن فقط عبر تمثل وظيفته التي عبر عنها الدستور في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.

ولعل من أبرز اللحظات المهمة لتأطير المواطنين والمواطنات مرحلة الانتخابات حيث تشكل الحملة الانتخابية مناسبة لتعزيز التواصل بين السياسيين والمواطنين وتقريبهم من “البرنامج الانتخابي” للمترشحين، وهو ما نأمل أن يكون واقع الحال خلال الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية الجزئية بكل من مولاي يعقوب وسيدي إفني ليوم الخميس 24 أبريل 2014، حيث أن ما ينبغي أن يكون قد ساد خلالها هو تنافس البرامج وتقارع الأفكار والحجج، بدل السب والقذف واللجوء إلى استعمال المال الحرام وشراء الذمم والتهديد والإرهاب النفسي للناخبين، ناهيك عن “اختلاق” تكتلات لا رائحة ولا لون لها سوى الرغبة في التحكم والنفوذ تعزيزا للرغبة في إشباع الجوع. ولذا فالسياسيون الذين امتهنوا السياسة بغية إشباع جوعهم ينبغي أن يكونوا واضحين مع أنفسهم ومع المواطنين وأن يسموا الأمور بمسمياتها، مثل ما فعل أحد الأحزاب النيجرية الذي اتخذ لنفسه شعار “أنا آكل وأنت تأكل”، على الأقل هذا الحزب كان واضحا وإن كان بعض السياسيين في بلادنا لا يهمهم أن يأكل الجميع بل همهم إشباع نهمهم أولا وبعد ذلك يمكن الالتفات إلى الآخرين.

وإذا كان الفساد الانتخابي هو أحد أوجه الجوع السياسي إذ يتم في إطار تواطؤ سري بعيدا عن الأضواء بل في الظلمات يتم العمل على إفساد مثل هذه المحطات الانتخابية، وهذا ما نرجو أن يفشل فيه السياسيون الجائعون، وأن يتمكن المواطن بتعاون مع السلطات المحلية والمرشحين الشرفاء في جعل يوم الاقتراع بدائرتي مولاي يعقوب وسيدي إفني حدثا وطنيا يُعزز الثقة في التحولات التي وقعت عقب خطاب 9 مارس ودستور فاتح يوليوز 2011، ويقطع مع الأساليب البائدة التي يبدو أنه ينبغي تعزيز الجهود لكي لا يتحول العمل السياسي إلى “نضال” في المقام الأول من أجل الثروة وإشباع البطن.
وأخيرا فإن منطق “السياسة الجائعة” يمكنه أن ينسف كل المكتسبات التي حققها المغرب، خاصة الدستور الذي ينبغي أن لا يبقى مجرد صدى بعيد عن الفعل الإبداعي النشط، ولكن علينا الإقرار بأن تنزيل روح الدستور على أرض الواقع لا يتم بشكل تلقائي دون وجود نخبة سياسية محترفة قادرة على مراكمة ثقافة سياسية ديمقراطية جديرة بالمحافظة على المغزى العميق لنبل وظيفة السياسة، ومستعدة لتعزيز المكتسبات التي حققها المغرب.
أحمد الزاهي

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.