محمد عصام يكتب: الفساد يضرب بقوة بإقليم سيدي افني ‎

25/04/2014
  نتائج الانتخابات الجزئية بإقليم سيدي افني التي تم إجراؤها يوم 24 ابريل 2014 ، والتي  آلت الى حزب الجرار . تضع الممارسة السياسية في هذا البلد امام مأزق كبير ، هو مأزق وجودي  يمس كينونة السياسة ، وإمكان وجودها كفعل ذي جدوى ، وله رصيد مقدَّر من الجاذبية والقبول . إنه مأزق بنيوي في تاريخ الممارسة السياسية في هذا البلد كرسته تراكمات تاريخية ونحثت تقاسيم معالمه نخب منبثة  لا أرضا قطعت ولا ظهرا للسياسة أبقت . نخب حولت الاحزاب الى مجرد أطلال خاوية ، والسياسة الى عبث كبير بلا طعم  ولا لون ولا رائحة ، والانتخابات الى سراب  بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا . 

  نقول هذا الكلام لا لنداري هزيمة حلت بحصولنا السياسي . لان الهزيمة اكبر من ذلك وافدح من مجرد مقعد لا يزيد او ينقص شيئا . انها هزيمة وطن وهزيمة حلم ، إنها هزيمة المعنى واندثار سؤال الجدوى ، قد نكون كحزب قد أخطآنا في بعض العنوانين او تلبس سيرنا ببعض العثرات ، مادام كسبنا كسبا إنسانيا تعتريه مراتب الاعمال من الحسن والقبح ،ومن الصواب والخطأ . ولكن الأكيد الذي لن تخطأه العين مهما تقلصت مدارك بصيرتها ، وكسُح خطو وعيها . هو أن الذي وقع بسيدي افني هو إعدام وبكل الإصرار المعاند” للسياسة ” ،وإنتاج مكابر للعبث واللامعنى، لقد قلنا وحتى قبل إعلان النتائج  أن تحالفات الليل والنهار ، والتي أُبرمت بعقيدة المكيدة ، وعلى أرضية ” الفساد بيتُنا” ، التي جمعت تشكيلات الوهم ودجالي السراب ، تجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا ليس خوفا من النتائج ، ولكن خوفا على مستقبل بلد بكامله تتربص به أياد آثمة تتوارى في جنح الظلام لتبعث بحلم لاحت تباشيره ذات يوم من سنة 2011 ، حلم زُفّت فيه الإرادة الشعبية وعقد قرانها على أمل كبير اسمه : ” التغيير ممكن في هذا البلد و بما ولد “

  أن تجتمع كل الاحزاب إن صح أن في هذا البلد أحزابا بالمعنى المتعارف عليه بين الأمم ، او بالمعنى الذي تقرره مباديء علم السياسة . وتصطف في جانب الحزب المعلوم الذي تلاحقه لعنة الولادة و  الى يوم الدين ، ضداعلى التعاقدات و الاصطفافات التي انخرطت فيها تلك الاحزاب مركزيا ، فان ذلك يطرح سؤالا هاما هل نحن امام أحزاب أم أمام مجموعات مصالح و منافع  تدبر  مواقعها بمنطق الغنيمة والربح والخسارة . بل من تلك الاحزاب من انقلب على مرجعيته وتنكر لكل وجوده التاريخي و كسبه النضالي ، ليندفع بوعي آو بدونه في محاربة ذاته وجوداً ، وإمكاناً أيضاً في المستقبل بدعوى جاهلية مقيتة تعكس قصورا في الوعي ، واستهتارا فجا بكل الموجودات الفكرية والسياسية والمتاحات المعقولة من التموقعات والمواقف . 

  إن هذا الاصطفاف الهجين والذي لا يسر الناظرين ، ولا يشي إلا بعقم مزمن لنخب خصية غير قادرة على الإنجاب بله الإبداع ، هو عنوان لمضاجعة سفاح بين المال والمصالح من جهة وبغايا العهر السياسي التي استولت- في غفلة عابرة – على دكاكين السياسة في هذا البلد . 

  ومن جهة أخرى ، وبلغة الوقائع التي لا ترتفع ، وبلغة الوجود الذي يفقأ العيون ، فإن الادارة أبانت عن تخلفها  عن اللحظة السياسية ،  وأنخرطت عبر اعوانها وبعض رجالاتها في التعبئة لصالح المرشح المعلوم ، مستغلة إمكانات الدولة ومواقع من تولى كِبر الارتداد والنكوص من رجالها ، فواقعة دائرة 6 بجماعة مستي حيث تولى رئيس مكتب التصويت ومن معه الافتراء والتزوير في محضر التوقيعات ،  ونسب أصواتا لأناس لم يحضروا لمكتب التصويت بل منهم من يوجد خارج الوطن ، كل ذلك يؤكد ان تعبئة شاملة في صفوف الادارة بمستوياتها المتعددة قد تمت ، وأن هناك استنفاراً غير مسبوق لتدارك اي خطأ أو قصور قد يشوب فعالية التحالفات المدبرة بليل،  والتي ليست  بعيد عن عين ومباركة السلطة ، كل ذلك يؤشر على أن قوى النكوص والارتداد المهزمون باستحقاق في واقعة 25 نونبر ، قد أعدوا العدة والعتاد للثأر وبكل الوسائل الكائنة والممكنة والمستحيلة . 

  إن وضعا كهذا يضعنا  جميعا أمام مسؤوليات جسيمة عبرت عنها أصوات صامتة تدين كل المشهد وجميع شخوصه ، أصوات اختارت موقع المتابعة من بعيد ولكنها تركت المجال فسيحا وممتدا امام  فلول الفساد ليعيثوا بؤسا و خرابا في ارض السياسة الجرداء اصلا في هذا البلد. إن هؤلاء الصامتين  اليوم وبسبق الإصرار والترصد يؤشرون على لحظة الهدوء الذي يسبق العاصفة ، عاصفة لا يمكن توقع  مداها ولا حجم هديرها ، في ظل هكذا استهتار بكل القيم وكل مفردات اللحظة السياسية وايضا بكل تحديات إمكان انتقال المغرب نحو الديموقراطية . 

 من ضمن الإجابات الممكنة لتفسير هذا الصمت الحمَّال للاوجه الكثيرة : أن  سقف انتظارات المواطنين الذين شاركوا بقوة وعن طواعية في استحقاق 25 نونبر ، كان مرتفعا جداً ، وأن سلة الممكنات الدستورية بوضعها الحالي والذي تتيحه النيابة البرلمانية لم يكن مقنعا للاستجابة لذلك السقف المرتفع ، وقد يكون الصمت احتجاجا مضمرا ضد الدولة او على الاقل ضد جهات نافذة داخلها،  ممن أغتصبوا و لمرتين اختيارات الساكنة إن على مستوى الجماعي او النيابي ، إنه موقف يدين تعنث تلك الجهات وإصرارها على الرقص المؤلم على جرح سيدي افني الذي لم يندمل بعد … 

  كل هذه القراءات وغيرها ممكنة ، ولكن الذي يجب ان لا نتساهل معه وان لاتخطأه عيوننا هو الزواج الآثم بين الادارة والمال والأحزاب والنخب . هو تلك الاصطفافات المسكونة برذيله العهر السياسي وجريرة الزيف ، هو ذلك الاستعداد لكراء الأرحام و” الحنوك” لمن يدفع اكثر في علاقة عابرة ونزوة فاجرة آثمة . لكننا في العدالة والتنمية سنظل مصرين على ان معركتنا دائمة وممتدة مع الفساد المزمن في بنيتنا السياسية والمتوغل  في نخبنا !! سنظل نرافع عن إمكان التغيير وإمكان زواج السياسة والمعنى ، الأداء والجدوى !!  سنظل نخاطب عقول الناس بدل بطونهم !! سنظل نراهن على المستقبل ولن تكون المواقع ولا المناصب منتهى علمنا ولا مبلغ عملنا !!! حفظك الله يا افني وحفظ معك بلدنا المغرب مادام فينا عرق ينبض، و بين احشائنا حلم يتسع لكل الوطن !!!!؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.