محمد عصام يكتب: دعوني انظر لوجوهكم كي اسامحكم

محمد عصام
( او وصية الشهيد )

 لأن الموت لا يأتي إلا زائرا وبغير ميعاد ، فإني كنت انتظره في دروب الحياة وأنا أتأبط الأمل دافئا بين جوانحي . ولأني ولدت بجنب الموت وافترقنا على أجل وكتاب، فاني كنت انتظره على قارعة الطرق وفي محاريب الصلاة، وعلى أسِرَّة المرض وشهقات الاندهاش، انتظرته في صولة الفرح الطافحة وأنين الحزن المضني حد الفاجعة، انتظرتك أيها الموت واقفا أتحين طلعتك من بعيد لكي تراني فالعنوان الموعود له رسم غير قابل للاشتباه ، انتظرتك بشوق ولكنك وفي كل حين تخطئ الميعاد بإصرار. تألمت لكل الذين زرتهم بجنبي وأنا الذي أعددت  الكفن سريرا للقاء، وحجزت رمساً معلوم القامة والانتماء، ولكنك أصررت  دوما أن لاتراني.

تألمت لكل دمعة حارة للفراق الأحر لكل عزيز او حبيب، وددت أن أموت بدلا منهم مرات ومرات، فداء لكل الدمع المراق بسخاء، ونكاية في كل الحزن المتوشح بالسواد، ولكل اللوعة المخضبة بالشوق في قلوب الأمهات.

 انتظرتك على أبواب الزمن الذي يقتات من أعمارنا بنهم شديد، مُصراً على قضم الحياة شبرا شبرا حتى النهاية، انتظرتك دون خوف أو وجل، ولكنك أصررت أن تأتيني غذرا ومن وراء الحقد الدفين، أصررت ان تكون سارقا بلا شهامة ولا قسمات، وأنا الذي تزينت للقا ئك حد الاشتهاء، وأعددت كل الورود المشتهاة وأينعت فيَّٰ شهوة  اللقاء …. أتيتني حين اردت آن أزرع الحياة وأدل قلوبا يسكنها التيه أن الحوار اصل الحياة، وأرضها القابلة للزرع، والموعودة للحصاد بحجم المدى وعمق التاريخ. اخترت الموعد ومكانه بتحد طافح، وأحكمت إغلاق القلب على آمل غير قابل للانزواء أو الموت عجزا او كسلا بين سطور الكلمات، وخفقات القلوب الفاترة، اخترت الجامعة مكانا لحب مستحيل، ولعشق معاند حد الجموح، اخترتها وهي التي تصر على إنجاب الموت الغادر والحقد المكابر.

 لم تخفني قلوب زوار الغدر المسكونة بالإصرار على الجناية، ولم ترعبني أسلحتهم المدمنة على غرس الموت في الأحشاء، فقط كنت اريد ان لا يطعنوني من الخلف، وأن يكشفوا لي وجوههم قبل الشهقة المحتومة، لاني كنت على موعد مع ابتسامة في حجم قلب الوطن، ولاني كنت اريد ان اسامحهم قبل الرحيل. فلماذا أيها الموت لم تدلهم على عنوان وجهي وتقاسيم صورتي علهم يرون الوطن المشتهى يعبر الزمن بشراع من بسمتي، ولعلي بعدها أزف إليك على نعش من فرح واشتهاء.

سأسامحهم مهما اشتد الحقد في صدورهم عنفوانا، لاني يوم ولدت تنفست الحِلم أريجا، وارضعتني الحياة طعم التسامح بسخاء، ولأن الجريرة في أعناق من غيَّروا وجهة الحروف، وقيدوا خطو الفكر و أقاموا مقاصل للكلمات ومشانق للجمل، ولأن الجريرة على من أسكن الحقد ردهات الجوامع والجامعات، الجمع والجموع، وتستر على الغل ينمو طافحا بالكره والازدراء .ولأن الجريرة لوطن يقيم الخنادق بعمق القطيعة بين فسائل المستقبل لحماية وهم كالسراب، يمتد مختالا يقتل ذات اليمين وذات الشمال بلا بوصلة ولا استئذان، مكابرا بلا استحياء، يزرع الموت كالايام  تلاحق بعضها بعضا في ركض مجنون لا ينتهي الا على عتبات الحزن الذليل . لذلك فإني سأجثو على ركبتي لأقول لك يا أيها الوطن: عفوا فقد كان الموت يوما على روابيك، نياشين على أكتاف المرتقين مدارج الخلد، لكنه اليوم صار عنوان ذُلك وهوان بنيك، روحي هاته بين يديك فاصنع بها ما تشاء، ولكن لا تنس أيها الوطن ان توقد من دمي سراجا لسراة ليل داج علهم يعلمون او يتعلمون، أن الدار لها باب اسمه الحياة، وآنها تعشق الطارقين ولو قبل اللقاء، فاغرس فسيلتك على أبوابهم ودلهم على باب الحياة، وآن دروب التعايش تتسع للمناكب وإن عز الفضاء، والتفت الساق بالساق، فإلى بابها حتما سيكون المساق.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.