محمد الغروس يكتب:”مركزيات نقابية أكثر تمثيلية من الممثلين”

05.05.2014
واقع التراجع المستمر لوهج ومستوى الحضور الكمي والنوعي للنقابات باحتفالات  اليوم العالمي للعمال الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة بالمغرب، يدعوا للتساؤل حول أسباب هذا التراجع وما إن كان الأمر يتعلق بالحالة الداخلية لهذه النقابات؟ أو بالتجاوب الحكومي الاستباقي مع العديد من المطالب العمالية؟ أم لأجواء تطبع هذا اليوم لم تعد تغري الشغيلة والعمال الذين بالتأكيد لم يتحدوا في يومهم المفترض؟
 
أمام عقود من الممارسة “النقابية” بالمغرب أصبح اليوم مشروعا طرح أسئلة الحكامة والديمقراطية والنضال المسؤول والواعي على هذه النقابات، وتكسير طابو تفيد مقولاته بتجريم انتقاد النقابات فقط لأنهم يدعون تمثيل العمال والمأجورين والدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية، -وبصرف النظر عما يمكن أن يكون من نضال جاد ومبدئي لدى بعض هذه النقابات- فإنها وفي المجمل تعد مركزيات نقابية أكثر تمثيلية من الممثلين بل منهم البارع في ذلك إلى مستوى منافسة أخطر المجرمين في أعمال “ساعة في الجحيم” أو “مداولة” وهو التمثيل النقابي من التمثيل وليس من التمثيلية الذي تؤكده مؤشرات عدة أبرزها.
 
أولا، يسجل باستغراب متبوع بعشرات علامات الاستفهام والتعجب ما تضمنته المذكرة الثلاثية المرفوعة لرئيس الحكومة من طرف ثلاث مركزيات نقابية،(الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل) حيث طالبت المذكرة أولا بعدم إخراج قانون الإضراب لحيز الوجود كما أنها لم تجب على مراسلة وجهت لها من طرف الحكومة تستطلع رأيها في الفلسفة والمضمون والمقترحات التي تهم صياغة قانون الإضراب، بالله عليكم هل رأيتم نقابات يوما تطالب بعدم إخراج قانون ينظم الإضراب بالقطاعيين العام والخاص وألا يتفاعلوا معه وهم أول المشاركين فيه، فماذا يعني هذا؟
 
ثانيا، في الوقت الذي ترفع المركزيان النقابية “الأكثر تمثيلية” شعارات الإشراك والتشاور والحوار نجد أن كل من نقابتي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد المغربي للشغل كيف دبر الخلاف بينهما بالأسلحة البيضاء وآليات هي الإجرام والبلطجة بعينهما، بسبب ذلك خرج الاتحاد المغربي للشغل بمسيرتين في فاتح ماي هذه السنة واحدة محسوبة على الكاتب الوطني للاتحاد والثانية على مجموعة النهج الذي سمى نفسه التوجه الديمقراطي من داخل الاتحاد؟، كما تابع الرأي العام كيف خلص زعيم نقابة الاتحاد العام للشغالين أحد المعامل بالبيضاء وكيف تم اقتحامه بالقوة ووسائل الحوار الحادة والمختلفة، فهل يمكن لإطارات لا تجيد غير التشرميل النقابي أن تدير الحوار مع الحكومة أو مع الباطرونا؟ أم أن لا أحد يريد طرح هذه الأسئلة.
 
ثالثا، عادة ما ترفع مطالب دمقرطة المؤسسات والحياة العامة بل أصبح الاختيار الديمقراطي ثابتا من ثوابت دستور2011، طيب أي منطق هذا الذي يجعل ديناصورات بشرية تقضي عقودا على رأس نقابة مثل حالة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وفي الاتحاد المغربي للشغل لولا تدخل عزرائيل بأمر من فوق سبع سماوات لما اعتلى مخاريق مقعد ابن الصديق، وهو حال الخلود الذي يراكمه حميد شباط على رأس الاتحاد العام للشغالين حيث ما يزال الرئيس الفعلي لها منذ “انقلابه” على بنجلون الأندلسي ثم بعدها الانقضاض على قيادة حزب علال الفاسي رحمة الله عليه والاستمرار بإصرار في الجمع بين المنصبين السياسي والنقابي إلى اليوم.والغريب أن جل هذه النقابات يخنق مفردة الديمقراطية خنقا بحشرها وسط مفردة الشغل واسم النقابة، والحال أن الديمقراطية منهم براء، في انتظار ما ستقدم عليه كل من الفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب اللذان لم يبق على إتمام زعيميهما عبد الرحمان العزوزي ومحمد يتيم إلا القليل فكلاهما يتجه للمؤتمر الوطني خلال الشهور القادمة.        
 
رابعا، من غرائب نقابات آخر الزمن، وخاصة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، مطالبته في تصريح رسمي لوكالة المغرب العربي بالأنباء وبالمذكرة التي رفعها منفردا، بمطالب شديدة الغرابة منها مطالبته للحكومة عدم تفعيل قانون التعويض عن الطرد من العمل الذي اعتبر خطوة حكومية جد هامة، حيث قال محمد كافي الشراط رئيس لجنة تسيير بالاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في تصريح للصحافة، عقب الاجتماع الأخير مع الحكومة أنهم يطالبون ب”توقيف العمل بإصلاح صندوق التقاعد”، الغرابة بمفهومها الأنتروبولوجي تتعمق في هذه النازلة عند مطالبة النقابات الثلاث أصحاب المذكرة بسحب قانون النقابات المهنية وسحب مشروع قانون مدونة التعاضد المحال على البرلمان على الرغم من المطالب المتعددة بالإسراع بإخراج هذه القوانين خاصة منها ما يهم قطاع التعاضد الذي يعرف فوضى بشهادة النقابيين أنفسهم.
 
ذات النقابات خامسا، تطالب أيضا بإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، الذي كانت فقط تطالب بمراجعته والآن يطالبون بإلغائه، وهو الفصل الذي يضمن الحق في الإضراب كما يضمن الحق في العمل، وهو فصل يمنع  التخريب أو استعمال العنف لعرقلة عمل المؤسسات، فبالله عليكم أليس هذا المطلب يروم فتح المجال التشرميل النقابي وتوسيع دائرته، ذلك على الرغم من أن وزارة العدل قالت إن تعديل هذا الفصل هو ضمن حزمة القوانين التي يتراجع على ضوء الإصلاح الشامل والذي يرجى أن يكون عميقا لمنظومة العدالة ببلادنا والتي نخرها الفساد برعاية سامية للاستبداد.
 
سادسا وليس أخيرا يتذكر الجسم الصحفي في المسيرة الضعيفة للنقابات الثلاث في السادس من أبريل الماضي بالدار البيضاء وكيف حشدت أحزمة السراويل لتنهال على رؤوس الصحفيين بطريقة تؤكد فكرة أدوار الرعب في مشاهد من مسلسل التمثيل النقابي التي تجيدها هذه النقابات، وهو نفس الأمر الذي تكرر في فاتح ماي هذه السنة بالرباط حيث “عرفت مسيرة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب مناوشات “داخلية”، بين أشخاص رفعوا العلم الأمازيغي في المسيرة، وبين مشاركين آخرين، بعدما حاولوا ثَني رافع العلم الأمازيغي عن ذلك، كما حاولوا منع مصوّر “هسبريس”، الزميل مصطفى بهلول، من القيام بعمله، بعدما عمد أحدهم إلى محاولة سحب آلة التصوير منه، متلفّظا بعبارات نابية في حقّه”.
 
بعد كل هذا لا مراء في الدور الاستراتيجي للعمل النقابي في الدفاع وتحصين المطالب المادية والمعنوية للشغيلة والمصالح الفئوية، لكن أليس المطلوب وبالتوازي خضوع الحكومة والنقابات على حد سواء لسلطة المجتمع، لقياس مدى ارتباطها به وبهمومه أولا وثانيا للوقوف على الحالة الصحية للنقابات ومدى تمثلها لأدبيات وشعارات طالما تغنت بها، بعضهم يطرح كذلك أن التوجه الاجتماعي وفلسفة التضامن للحكومة الحالية جعل من النقابات بدون دور تقريبا حيث تفاجئهم الحكومة باتخاذ إجراءات حتى قبل أن يطالبوا بها، بل إن مصادر أسرت أن بعضهم يطلب من الحكومة فقط أن تعطيهم السبق في إعلان بعض المكاسب وألا تعلنها هي.
 
الخلاصة أن العمل النقابي عمل شريف ونبيل في أصله لكن نجاحه مشروط بنبل وشرف من يمارسه كذلك.  

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.