مصطفى العلوي يكتب: “الحـقــيقة الضائعة :هذه هي حكومة بنكيران “فبأي آلاء ربكما تكذبان”



06 .05.14

كانت أصوات المتظاهرين المحتجين، تكاد تمنعنا من الكلام في مكتب الأسبوع، الذي يطل على محطة القطار في الرباط، ورجال البوليس بخوذاتهم يحيطون بحاملي لافتات الخريجين المجازين، فغادرت مكتبي من كثرة الصداع، وعند وصولي للسيارة في الشارع الخلفي، أوقفني شابٌ من منظمي المظاهرات، وهو بعيد عنها(…)ليقول لي: إننا سنستمر بالإحتجاج على هذا البنكيران، الذي ينكل بنا.. فقلت له: وهل بدأ التنكيل بكم في عهدي بنكيران فقط، أجابني، لا.. إن هذا الوضع كان في عهد العباس الفاسي، فقلت له: ولماذ تجعلون من بنكيران المسؤول الأول، لا أكاد أفهم، إن هذا التحريك(…) مجرد تقليد، سيبقى حتى يرحل بنكيران ومن بعده، رغم أن ذهاب بنكيران، وحزب العدالة والتنمية، أشبه مايكون برفيقه الطيب أردوغان التركي، وحزبه هو أيضاً.

حزب العدالة والتنمية الذي ظهر بيومين بعد احتجاج المعطلين في الرباط، وهو يترأس تجمع ملايين المؤيدين للطيب أردوغان، بعد مجرد التلميح بالإطاحة به.

ورغم أن بنكران وحزبه ليست لا دوافع ولا مبررات “أردوغان” ولا تجربته(…) وإنما “وقعت الواقعة” 20 فبراير وانتهت حكومة العباس الفاسي، وعلى طريقة عبس وتولى، وإن معارضة الأصالة والمعاصرة، هي نفسها داخل في السباق،”والعصر إن الإنسان لفي خسر.

”


 فإن المعارضة التي حتى ولو أصبحت كما كانت أيام ذي القرنين، تشبه “ياجوج وماجوج” في سورة الكهف، فإن التجارب تدعو الناس أن يقول لهذه المعارضة “كبر مقتاً عند الله أن تقول ما لا تفعلون”(ص).

ورغم أن بنكيران لا يتمتع بجمال النبي يوسف عليه السلام، الذي عندما خرج عليهن، قطعن أيديهن، “وقلنا حشى لله ما هذا بشرا” إلا أنه شكل حكومته وأذخل فيها رجاله “سبع شداد”، فقط، رغم أن الصحافة المغربية قالت منهم من إشترى الوزارة “بثمن بخس، دراهم معدودة”، إلا أننا، أنتم، وهم، تعرفون أن حل بنكيران أحسن بكثير(…) من ذلك الماضي الذي حكاه لنا السياسي المحجوبي احرضان، عن حكومات أيام زمان، عندما ذكر في مذكراته، أنه حضر في زمان الملك الراحل الحسن الثاني، حفلاً ساهراً كبيراً حضره الوزراء في أبها أزيائهم، وكان واحدا من المدعوين، الوزير مولاي أحمد العراقي الذي جاء مزيناً خصره، بحزام من فضة، أثار استغراب الحاضرين، الذين بعد أن إنقسموا بين مستغرب ومعجب، فوجئوا جامعاً في الأسبوع الموالي، بأن الملك الحسن الثاني عين أحمد العراقي وزيراً أولاً، فتسار الوزراء فيما بينهم وسمح حكومة المضمة(…).

ولكن الملك محمد السادس، ربما حقق بإختيار بنكيران أمنية أخرى لوالده الحسن الثاني، الذي عندما إجتمع مرةً بالرئيس الجزائري الشادلي بن جديد أيام ظهور الحزب “ألفيس”، بزعامة توفيق مدني فنصحه الحسن الثاني بأن يعطي الحكومة للإسلاميين الجزائريين، وهكذا أشرقت حضوض العدالة والتنمية في زمان المخزن المتأصل، وهما معاً(…) الأول ورمزه المصباح “مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة”(…).

وانظروا الزجاجة في رمز حزب بنكيران. والثاني: بأساليبه التقليدية، المتأصلة جذورها في أعماق الدولة الأصلية، ورجاله الذين لا يدخلون برلماناً، ولا يعرفون حزباً، و إنما هي خبايا برع بنكيران في استقطابها واحترامها ووضعها على رأسه، لينسى بالدرجة الأولى التعامل بالآية الكريمة: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”(…) ويضيف السي بنكيران في مواجهته للعفريت والتماسيح، شبه آية وإن كانت غير واردة في القرآن، قال فيها أمام البرلمان: “من لم ينفع معه القرآن يؤدبه السلطان” منشداً بذلك، السلطان، أن يصد عنه قيد الكائدين.

وهل أعظم من السلطان المنصور الذهبي، السعدي الذي ابتدع الفاسيون في عهده، أسلوب للإحتجاج، أقوى من المظاهرات والإعتصامات، وأعلنوا ما سماه “كتاب فاس ما قبل الحماية”، “المعارضة الصامتة” والصمت أقوى سلاح في القديم، من سلاح الصخب والإحتجاج الحالي، فاستدعى السلطان قاضي المدينة وقال له: ((إن أهل المغرب مجانين ومارستانهم المحن بالسلاسل والأغلال)) (نزهة الحادي).

ذلك هو أصل المخزن الحقيقي، لأن إضراب الصمت كان شيئاً تافهاً أمام انجازات هذا السلطان العظيم.

ولم يكن لعبد الإله بنكيران، أخ إسمه هارون، ليقول للملك: “إجعل لي وزيراً من أهل هارون أخي اشدد به وزري”فعين محله أخيه “باها” ليشد به أزره، وليتبنى مع وزرائه السبع الشداد ترديد وعودة بالقول:” سأريكم آيات فلا تستعجلون” وما خفي كان أعظم، أرأيتم كيف أن الصحف احتجت على وزير بنكيران الخفي، عفواً، الخلفي(…) بأنه خرق القانون مرة في مراكش، عندما تدخل لفائدة صاحب كروسة في جامع الفنا.

أفلا يعرف المحتجون، أن نصير أصحاب الكراريس وهم بمئات الآلاف، هو الذي سيحصل على أصواتهم في الإنتخابات القادمة؟

نرجع إلى السلطان المنصور الذهبي، الذي لم يكن في زمانه دستور ولا إنتخابات، الله على راحة(…)، ولكنه كان يستثمر هو أيضاً، شعبيته في صغار القوم، والمعوزين لدرجة في ذلك الزمن، القاضي عبد الواحد الحميدي يقول: “اجتمعت بمجموعة من الموسيقيين المحتاجين، فقال له وحيد منهم، السلطان المنصور اعطاني كذا، وقال الثاني: المنصور اعطني الإبريز، فقال القاضي: لأردن أولادي كلهم لي صنعة الموسيقى، فإن صنعة العلم كاسدة”(الاستقصا).

سيغضب المعاصرون نسبة إلى حزب الأصالة(…) من هذا الواقع الذي حول المخزن المعاصر(..) إلى حليف لمن كانوا يوهموننا سنة 2011، بأن الاسلاميين مشاغبون ومشبوهون، أغلبهم من القدماء المحكوم عليهم، فأصبحوا يشكلون الحكمة الملتحية(…)، ويخدمون الشرعية بأصدق وأوفى، مما كان يتوقعها هذا المخزن الشريف، الذي كان أولئك المقربون وهم يسيطرون على القرار، يوهموننا أنهم حماة النظام وحلفاؤه، ولا ننسى أنهم عندما اختاروا نخبة من المتقدمين(…) المتعاملين معهم(…) لتعديل الدستور، فكتبوا فيه لإرضاء الملك، فصولاً تعطي الملك في بعضها(…) ملطاط كبرى، وفي بعضها الآخر، يعطون سلطة أكبر لرئيس الحكومة، لأنهم كانوا شبه متأكدين، بأن الحكومة ستؤول إلى تجمعهم الثماني(…) فكانت تلك السلطات التنفيذية من نصيب الحكومة الملتحية، فاكتفوا بأن “أسروا الندامة، لما رأوا العذاب” وهم يتعذبون فيما بينهم وما بين حلفائهم، الذين من سوء حظهم أنهم ضعفاء، تافهين متناقضين، خصوصا بعدما إلتحق بهذه الحكومة جزء كبير من حلفائهم، كما إلتحق بهذه الحكومة، أغلب رجال الدولة وأثريائها، وها هم أقطاب التجارة والمال، وأقطاب “الضحى والليل إذا سجى” يتعاملون مع الحكومة الملتحية التي دخلت الحكومة كما قالوا تحت ضغط الربيع العربي، فإذا بها تشكل حكومتها الثانية بدون 20 فبراير ولا هم يحزنون(…)، في صيف الأزمة الإقتصادية والإجتماعية، أزمة مفروضة على المغرب بحكم التسيير السابق(…) والتخطيط المغلوط (…) الذي رسمته عشرات الحكومات السابقة(…) أزمة أصبحنا نرى فيها الآف العاطلين الفرنسيين والأسبان، يتهافتون على المغرب الذي يجدون فيه فرص عمل، لا يرها لسوء الحظ ولا يجدها، مئات العاطلين من المغاربة الذين من سوء حظهم أنهم يعانون من اليأس وانعدام المبادرة حتى أصبحنا نرى أصحاب المصانع الصغرى يشكرون الله على أنهم وجدوا في المهاجرين الأفارقة، من يعوضهم على فشوش(…) المساعدين المغاربة الذين كانو يدصنهم المرائر، ويعرضون منشآتهم الصناعية الصغرى للإفلاس.

وليس اليأس هو وحده الذي يعمي الأبصار، وإنما أخطر أنواع اليأس، هو ذلك الذي دفع أقطاب الفكر اليساري من منظري فلسفة حزب الأصالة والمعاصرة، يعلنون انسحابهم من هذا الحزب، الذي فقد بفقدانهم عموده الفقري (أنظر الحقيقة الضائعة “نهاية الحزب الذهبي“)، ومن يدري، ربما كانت استجابة لدعوات الليل والنهار،التي يطلقها أصحاب الحكومة الملتحية، في أضرحة القطب مولاي إدريس، ومولاي عبد سلام مشيش، وعلى أبواب أضرحة سبعة رجال، أليس الله جل وعلى، هو الذي قال: “ادعوني استجب لكم”.

حقاً، إن القضية ليست عندنا كما هو مفروض في المبادئ الديمقراطية، مبنية على هيكل الأحزاب كحزب العمال وحزب المحافظين في المملكة البريطانية، وفي الهند وفي باكستان، ولكن انظروا إلى أحزابنا وقد كادت تتحول إلى هياكل كهيكل النبي سليمان الذي بقي جامداً على عرشه سنين طويلة، حتى جاءت نملة جعلته رميماً، كما جاء في سورة السبأ، مع الفرق الشاسع بين أحزابنا(…) وهيكل سليمان، هذه الأحزاب التي نراها تندثر وتتحول إلى رميم دون الحاجة إلى نملة، ولا تراكتور.

الأسبوع الصحفي

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.