محمد أصواب يكتب: تصنيف منظمة فريدوم هاوس لحرية الصحافة: أية مصداقية؟

محمد أصواب*
12-05-14
يخلد المغرب هذه السنة ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو منخرط في تعزيز جهوده الرامية إلى النهوض بحرية الصحافة والتعبير، وتطوير قطاع الاتصال، إيمانا منه بكون إرساء إعلام حر ومستقل ومسئول شرط أساسي لتكريس الممارسة الديمقراطية وتعزيز ركائز دولة الحق والقانون.
وللتعريف بهذه الجهود، تعتمد وزارة الاتصال، منذ سنتين، آلية التقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة. وهو تقرير يستند في منهجيته على مؤشرات قياس احترام حرية الصحافة التي تتبناها المنظمات الدولية الغير حكومية.

لكن، مع صدور التقارير السنوية للمنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة والتي تصنف المغرب في مراكز متأخرة بالنسبة لاحترام حرية الصحافة، أي إلى جانب دول تشهد انتهاكات جسيمة في حق الصحفيين، يعود التساؤل إلى الواجهة حول مدى دقة وإنصاف هذه التصنيفات. وآخر مثال على ذلك، التقرير الأخير لمنظمة فريدوم هاوس الذي صنف المغرب ضمن خانة الدول “غير الحرة” ووضعه في مرتبة متأخرة. وتكفي مقارنة المغرب ببعض الدول التي تقدمت عليه في ترتيب منظمة فريدوم هاوس لتسليط الضوء على هذه الإشكالية، وذلك وفق خمسة محاور.

محاكمات وسجن للصحفيين
تم تصنيف دولة بالشرق الأوسط في رتبة متقدمة على المغرب بحوالي 35 نقطة، وعلى أنها حرة جزئيا، بالرغم من أنها شهدت محاكمة لصحفي أمام محكمة عسكرية وصدر في حقه حكم بالسجن النافذ، وقد اتهمتها إحدى المنظمات الدولية الغير حكومية بتعذيب هذا الصحفي قبل إحالته على المحكمة العسكرية. كما شهد هذا البلد حالات قتل للصحفيين واعتداء عليهم في السنوات الأخيرة. كما أن دولة أوروبية تقدمت على المغرب ب13 نقطة ولم تكن تفصلها سوى نقطتين، حسب نفس التصنيف، لتصنف دولة حرة جزئية، في الوقت التي وصفتها المنظمات الحقوقية الدولية سنة 2013 بأكبر سجن للصحفيين في العالم، حيث صدر بها حكم بالسجن المؤبد في حق ثلاث صحفيين بتهمة الانتساب إلى حزب سياسي محظور، بالإضافة إلى العديد من الأحكام بالسجن النافذ الصادر في حق الصحفيين لأسباب سياسية. دولة آسيوية كذلك، حصلت بها متابعات بالجملة ضد صحفيين، وتصنف ضمن الأماكن العشر الأكثر خطرا للممارسة الصحفية، من طرف منظمة مراسلون بلا حدود. بلد إفريقي آخر، صدر به حكم بغرامة ثقيلة ضد صحفي، وبسبب عدم أدائه لها زج به في السجن، ونقل بعد ذلك إلى المستشفى في حالة صحية حرجة بعد خوضه لإضراب عن الطعام، وتقدم هذا البلد كذلك على المغرب، بأزيد من 20 نقطة، وصنف حرا جزئيا.
في المقابل، لم يصدر بالمغرب خلال السنة الماضية، أي حكم نهائي بالسجن ضد الصحفيين، كما شهدت السنة الماضية تراجعا مهما لقضايا الصحافة المعروضة على القضاء، بحيث لم يبلغ عددها عتبة المائة، ولم يتجاوز عدد القضايا المثارة من طرف النيابة العامة 4% من مجموع القضايا المثارة، وأقل من 1% سنة 2012. كما أن الأحكام الصادرة بالتعويض لم يكن لها أي أثر يذكر على التوازن المالي للمقاولات الصحفية.

الانتهاكات الجسيمة في حق الصحفيين
دول أخرى شهدت انتهاكات جسيمة في حق الصحفيين وصنفت أفضل من المغرب. فقد شهد بلد إفريقي حربا سنة 2013 عرفت مقتل صحفيين، بالإضافة إلى اضطهاد الصحفيين وانتهاك حرياتهم، وبالرغم من ذلك فقد جاء في الرتبة 74 أي بفارق 73 نقطة عن المغرب، حسب تصنيف فريدوم هاوس، ولم تكن تفصله سوى 7 نقاط لكي يصنف ضمن الدول الحرة بالكامل! علما بأن هذه الدولة جاءت في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود في الرتبة 122 بعد أن فقدت 23 نقطة كاملة سنة 2013 بسبب هذه الانتهاكات الجسيمة، ولم يفصلها عن المغرب في هذا التصنيف سوى 14 نقطة، وهو ما يظهر حجم التناقض الحاصل. بلد آسيوي آخر يصنف ضمن الأماكن الأخطر في العالم بالنسبة للصحفيين، عرف مقتل 10 صحفيين سنة 2013 بعد تعرض عدد منهم للاستهداف المباشر والتعذيب والتنكيل، وتقدم هذا البلد عن المغرب بست نقاط. كما شهد بلد بشمال إفريقيا توترات أودت بحياة ثلاثة صحفيين، بالإضافة إلى تعرض العديد من الصحفيين للاضطهاد والاختطاف والتضييق على ممارسة المهنة، وتقدم كذلك في التصنيف. دولة بأمريكا الوسطى، تصنف منطقة بها ضمن الأماكن العشر الأكثر خطورة بالنسبة للصحفيين، شهدت اختطافات وقتل وتنكيل للصحفيين، من طرف العصابات الإجرامية، وتقدمت على المغرب ب15 نقطة، ولم تكن تلزمها سوى نقطة وحيدة لتصنف بلدا حرا جزئيا. كما شهد بلد من أمريكا اللاتينية، صنف حرا جزئيا، مقتل ثلاثة صحفيين.
في المقابل، لم يشهد المغرب، سنة 2013، بشهادة منظمة مراسلون بلا حدود، أية حالة تعذيب أو اختطاف أو الهرب بسبب تهديدات، أو لجوء الصحفيين لإجراءات خاصة لضمان سلامتهم، أو التوقف عن الأنشطة المهنية بسبب ضغوطات سياسية أو منع الصحفيين من ممارسة مهنتهم، كما لم يتعرض أي صحفي للقتل أو السجن دون محاكمة.

حرية ممارسة مهنة الصحافة
بخصوص مؤشر حرية ممارسة مهنة الصحافة، شهد بلد إفريقي تقدم على المغرب، حسب فريدوم هاوس، بحوالي 25 نقطة وصنف ضمن الدول الحرة جزئيا، صدور أحكام بمنع طبع عدد من الجرائد لعدة أشهر. بلد إفريقي آخر تقدم على المغرب بحوالي 20 نقطة، وصنف بلدا حرا جزئيا، بالرغم من أن مصالحه الأمنية قامت باحتلال  محل جريدتين وتم إغلاقهما، ولم تفتحا إلا بعد مفاوضات بين مالكي الجريدتين والسلطات، بالإضافة إلى حالات القتل والاضطهاد التي يعرفها هذا البلد ضد الصحفيين.  في بلد من شمال إفريقيا، تقدم على بلادنا بحوالي 20 نقطة وصنف حرا جزئيا، تم حجز يوميتين لأسباب سياسية محضة، وتعرضت قناة تلفزية خاصة للمداهمة من طرف عناصر الشرطة وتم حجز أدوات التصوير واستجواب الصحفيين لعدة ساعات.
في المقابل، لم يتم في المغرب خلال سنة 2013 تسجيل أي حالة منع أو مصادرة أي وسيلة إعلامية وطنية، كما لم يسجل خلال نفس السنة أي تدخل قد يفضي إلى الحد من استقلالية أو التأثير في الخط التحريري لأي من الصحف أو الإذاعات أو القنوات التلفزية. كما أنه خلال سنة 2013، لم يتعرض أي موقع إلكتروني، وعددها يفوق 500 موقع، للإغلاق بحكم قرار إداري أو لمنع الولوج بسبب إجراءات لحظر الولوج أو الإغلاق من قبل السلطات. مع الإشارة إلى أن الحالة الوحيدة لإغلاق موقع الكتروني إخباري جاءت على خلفية طلب تقدم به صاحب الموقع.

حرية الولوج إلى الأنترنت والصحافة الإلكترونية
بالنسبة لحرية الولوج إلى الأنترنت، باشرت دولة أوروبية، صنفت أفضل من المغرب، تعديلات قانونية تهم الحد من الولوج إلى بعض الشبكات الاجتماعية، وأقدمت على حجب أحد المواقع الاجتماعية بشكل كلي خلال فترة معينة من سنة 2013. دولة آسيوية أخرى، تصنف ضمن أخطر الأماكن بالنسبة للصحفيين، تم حجب أحد المواقع الاجتماعية بها بشكل كلي. كما أن دولتين أوروبيتين، وثلاث دول آسيوية، ودولة من شمال إفريقيا، بالإضافة إلى أستراليا، وهي دول تقدمت في تصنيف فريدوم هاوس على بلادنا، وضمنها دول معتبرة “حرة كلية”، وردت في تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الخاص “بأعداء الأنترنيت” الصادر سنة 2013.
في المقابل، بلغ عدد مستعملي الشبكة العنكبوتية سنة 2013 في المغرب 17.7 مليون أي 55 % من السكان، وذلك بفضل حرية الولوج إلى الأنترنيت. ويأتي المغرب في الصدارة على مستوى العالم العربي وإفريقيا في مجال الربط وتطور التجهيزات ومعدات الاستعمال. كما لم يرد المغرب ضمن “أعداء الأنترنيت”، حسب تقرير مراسلون بلا حدود، كما تم استثناء المغرب من قائمة الدول التي عرضها “تقرير الشفافية” والتي طالبت “فايسبوك” بالحصول على معلومات حول مستخدمي الموقع.  كما شكلت سنة 2013، سنة الاعتراف القانوني بالصحافة الإلكترونية، وتم إعداد مشروع مهني للنهوض بها.

البيئة القانونية المؤطرة لقطاع الصحافة
وبخصوص البيئة القانونية المؤطرة لقطاع الصحافة، ودون الخوض في أمثلة إضافية لدول تتوفر على إطارات قانونية قاصرة ومتقادمة، أو دول باشرت مراجعات قانونية تحد من حرية الصحافة، فقد انخرطت بلادنا في ورش إصلاحي كبير للإطار القانوني، نتج عنه إعداد مشروع مدونة للصحافة والنشر حديثة يشمل أربع توجهات كبرى تهم إلغاء العقوبات السالبة للحرية، وتحقيق الاعتراف القانوني لقطاع الصحافة الإلكترونية، وتشجيع المهنيين على التنظيم الذاتي للمهنة، ونقل بعض اختصاصات السلطة التنفيذية إلى القضاء في إطار تعزيز الدور الذي يضطلع به. كما تم عرض مشروع قانون يضمن الحق في الحصول على المعلومات.
إن مقارنة حالة المغرب مع عدد من الدول التي تقدمت عليه في تصنيف منظمة فريدوم هاوس، يبرز تناقضا صارخا، ويطرح تساؤلا مشروعا حول مدى دقة وإنصاف مثل هذه التصنيفات. كما إن الغاية من هذه المقارنة ليست محاولة لغض الطرف عن بعض التحديات المطروحة، والتي كانت موضوع رصد من طرف التقرير السنوي لحرية الصحافة الذي تصدره وزارة الاتصال والمرتبطة أساسا بحالات التضييق على الصحفيين وتعزيز استقلالية الصحفيين والنهوض بأخلاقيات المهنة، وهي تحديات محل اشتغال من طرف الحكومة.
*مستشار بديوان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.