منى أفتاتي تكتب: استدعاء مدونة الأسرة لاستئصال جينات الهوية!

بقلم منى أفتاتي*

تعالت أصوات في إهاب من التعالم، وتجاسر على هيئات منددة بالقرار غير الدستوري المتعلق بالمادة 16 من اتفاقية سيداو ” للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في أمور الزواج والحياة الأسرية”
إن الخطوة التي أقدمت عليها الدولة تصب في التمكين لنموذج تبعي. وقد سبق للمغرب أن أبدى تحفظا إلى جانب مجموعة من الدول العربية، ثم عرج على ارتكاسٍ واضح في موضوع المرجعية، وتحللٍ من الخصوصية الوطنية. ورضوخ لإسار المواثيق المسماة دولية وما تفرضه من تماه مع القوالب الجاهزة في غرف العمليات التغريبية.
تؤشر نتيجة 82 بالمائة التي سجلها تقرير دولي بخصوص تمسك المغاربة بالمرجعية الاسلامية كمكون أساسي في الحياة الشخصية ومن أسس الاجتماع ما يُلزم المؤمنين بالديمقراطية حقا بضرورة الانقياد لإرادة الشعب في أمر يعد من صميم الحريات الشخصية، وقد أضحى خيارا جماعيا في النسيج الحضاري للمجتمع المغربي. وإذ أكدت الدراسات في العالمين العربي والغربي الدور الأساسي  للتدين في تقويم السلوك الفردي والجمعي للإنسان فلا تعدو تصريحات بعض النشطاء أن تكون خدمة مجانية لجهات تستنزف قدرات البلاد التي يشكل الدين فيها محورا أساسيا يقيم صلب المجتمع.
ولم يكن للشرف المغربي الموجوع حظ لتنبث بنت شفة من قِبَل هؤلاء الفاشلين في إدماج المرأة في تنمية حقيقية، ولم تفض تدابيرهم الهلامية بما يمكن المرأة من الخروج من نفق الهشاشة الذي عرضها لجشع شبكات المغتنين من التجارة في اللحوم البشرية.
لو تعالت هذه الأصوات يوم عبرت دول شقيقة عن عدم رغبتها في استقبال المغربيات لشرُفنا بتكوين جبهة الغيورين للتصدي لجيوب المغتنين على حساب شرف المغاربة.
لو تجاوب أصحاب القرار مع نداءات جمعيات ذات مرجعية إسلامية حين نظمت حملات بهدف الحفاظ على كرامة المرأة التي تقترن بها كرامة المجتمع لكان ذلك تعبيرا عن  إرادة حقيقية لتثبيت أسس بناء مجتمع سليم. أما وقد ديست كرامة المراة المغربية، واستمرت سياسة التعمية، وغيب المفهوم التبادلي للكرامة بين المواطن والمجتمع، فإن المعني بالمساءلة  هو الحكومة ومن يمضي اليوم في التهليل لمنجزاتها.
إن كان رفع كل التحفظات عن اتفاقية سيداو هدية للأسرة المغربية في الرسالة المؤرخة في 8 أبريل من العام الجاري الموجهة إلى الأمين العام “بان كيمون”   فما كان المانع من نصب مهرجانات للإشادة بها ؟
 لم تكن مدونة الأسرة كسرة خبز استجداها متسول متسكع، ولا جائزة مقامر، بل مكسبا تظافرت فيه جهود أطياف تدافعت في الساحة النضالية للمغرب الموحد المتنوع،وغدت مرجعا يحمل خصوصيات أناه الجمعي. ولا يصح في ذهن عاقل أن ينقض هذا الغزل من بعد قوة أنكاثا. إن المواطنين والمواطنات معنيون بكل ما يتخذ في شأنهم من قرارات، وعلى كل من يعتزم إصدار حكم أن يحسب العواقب .
 ولا شك أن هؤلاء الذين نعتوا كل من أبدى غيرته على ثوابت الأمة باستغلال الدين يقعون بقوة المنطق في الضفة المقابلة. وهم مطالبون بتقديم كشف عن هذه المساعي الحثيثة في بتر الدين من فضاء الأسرة المغربية، والاصطفاف في طابور الاستئصال مسترشدين بمؤشرات مسلسل الاقصاء الممنهج، البادي للعيان في لوائح تمثيل مكونات المجتمع ضمن هيئة حماية حقوق الانسان، و”الهاكا” ومن قبل لجنة إعداد دستور 2011، واللجنة المكلفة بالجهوية، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية…
 وحري بهذه “البسالة” منقطعة النظير، وهذه الاستماتة في إقحام  قوى تنادت  ذيولها لنصب الذرائع للنيل من الجمعيات الجادة وحزب مشهود له بالغيرة على ثوابت الأمة ومصالحها العليا أن تصوب فوهة سلاحها نحو لوبي الفساد وتطلق عيارها لمحاربة اقتصاد الريع. حري بها أن تسعى لخلق أجواء منسجمة مع انتظارات الشعب المغربي في الربيع العربي.
 إن التطاول على مقتضيات الدستورالذي اكتسب مشروعيته من أصوات المواطنين ضرب من المغامرة باستقرار البلاد. لذلك فإن هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بكل أطيافها مدعوة لأن تفصح عن موقفها تجاه ما أقدمت عليه الحكومة من خرق سافر في حق الدستور المؤكِد في الفصل الأول من الباب الأول كون الأمة تستند في حياتها العامة على” ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الاسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي”.
 وفي هذا السياق عبر حزب العدالة والتنمية عن موقفه  في انسجام تام مع جوهر هويته واختياراته المذهبية والبرنامجية التي ما فتئ يعبر عنها، وأكد على مركزيتها كمرجع لأصوله الفكرية وأساس لمشروعه المجتمعي. وهو بهذا الموقف ماض في نضالاته لمناهضة كل ما يمس سيادة الشعب، وكل ما يمكن أن يدخل البلاد في نفق التشرذم.
 ونحن اليوم أكثر من أي وقت مضى في حاجة لتوطين مقتضيات الدستور في كل المحطات، وتنقية الأجواء من كل ما يغذي التوتر، وما يستبطن التآمر. ولا مجال للمناكفة السياسية الخارجة عن السياق الموضوعي، أو رفع بطاقة التوبيخ في وجه من يسعى للحفاظ على ثوابت الأمة، ونسبها الروحي. لم يعد بإمكان أي كان أن يصادر إرادة الشعوب، أو يستبطن خطة طريق مؤدى عنها، أو خوض حرب بالوكالة.
إن الاستخفاف بالمرجعية مهدّد للأمن الروحي والاجتماعي الذي يستمد جيناته من الأسرة باعتبارها النواة الصلبة، والبنية الأصيلة التي تتأسس عليها سلامة الأمة، وعليه فإن تحصين الأسرة لتحقيق وظائفها في التنشئة الاجتماعية ضمن سيرورة منسجمة مع قيم المجتمع ضرورة حضارية ، وكل اختلال يطولها لا محالة تدمير لجينات الهوية.  

                                                                    

*باحثة في قضايا المرأة

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.