الداودي لـــ”أكتييل” : نسعى إلى استقطاب الخارج إلى الداخل

12-06-06
ما هو تعليقكم عن التكوين المؤدى عنه في الجامعات ؟
بداية، ينبغي التوضيح بأن التكوين الذي تقصدون لا يهم الماستر،  أي أن الأمر لا  يتعلق الأمر بشهادات وطنية، ولكن الأمر يتعلق بشهادات جامعية لايعترف بها القطاع العام، مع التذكير بأن هناك بعض الجامعات قامت بتسليم مثل هذه الشهادات بناء على أنها شهادة في الماستر، رغم أن ذلك غير قانوني وينطوي على الخداع والغش، إذا كان سابقا لم ينتبه إلى هذا أي أحد؟ نحن اليوم سنضع حدا لهذا العبث.

هل هذه الممارسات كان جاري بها العمل ؟
لا أعتقد ذلك، لأن الأمر نسبي، فمن بين خمسة عشر جامعة، توجد ثلاث أو أربع جامعات قامت بذلك، ومع ذلك فإن الموضوع يتطلب الانتباه.

بغض النظر عن ما صاحب هذا النوع من  الشهادات من  استعمال الغش، ألا يمكن اعتبار  مثل هذا التكوين جيدا؟
من البديهي أن الجامعة مستقلة؛ ولكن يجب أن يخضع التكوين بها إلى بعض المعايير. ففي عدة جامعات، يفوق عدد المسجلين في التكوين المؤدى عنه، باقي أنواع التكوين، وهذا  غير طبيعي، لأن المال وحده غير كاف لتعويض التفوق الذي هو جوهر التكوين المستمر، وأي مزج بين هذه الأنواع من التكوين ينبغي أن يكون بمقدار.

وبأية طريقة ؟
نعرف أن الشهادة الجامعية هي تكوين يعتمد على المحيط الاقتصادي الذي توجد فيه جامعة ما، لأن هذه المؤسسة الجامعية عندما تخلق نوعا من التكوين، فهي تقوم بذلك بناء على رغبتها في تلبية حاجيات السوق المحلي للشغل. غير أن هذا المبدأ الأساسي في هذا النوع من التكوين لا يتم احترامه في بعض الحالات، فمثلا تكوين الماستر المؤدى عنه في شعب مثل القانون أو التاريخ يعتبر غير ضروري في رأيي المتواضع، لأنني لا أقبل أبدا أن يكون ذلك على حساب التعليم العمومي.

تعرف هذه الشواهد الجامعية إقبالا كبيرا من طرف الطلبة والأطر؛ هل هذا بسبب  رداءة التعليم العالي المجاني ؟
أعترف بانخفاض  جودة التعليم، وتراكم مجموعة من المشاكل من بينها  الاكتظاظ، فضلا عن وجود مشاكل بيداغوجية، فأنا مثلا لا أرى أي منفعة في نظام الدورات الجامعية في كلية للحقوق أو للاقتصاد؛ بسبب تسجيل أعداد كبيرة من الطلبة في هذه الجامعات، وحيث ارتفاع نسبة الغياب، ناهيك عن  أسباب أخرى للتوقف عن العمل تجعل من دورة بأربعة أشهر لا تكفي، نحتفظ بالنظام المكون من الإجازة والماستر والدكتوراه ونتخلى عن الدورات؛ لأن هذا النظام  يكون أكثر تلاؤما مع المدارس العليا.


ماذا عن مضمون البرامج البيداغوجية ؟ أليس بسبب عدم تطابق التكوين مع الحاجيات الحقيقية للسوق ؟
المشكل ليس هنا، لأنه لدينا مدارس عمومية كبرى تقوم بتكوين النخبة. ويكفي أن نعرف بأنه هذه السنة ارتفع معدل نجاح الطلبة المغاربة  في امتحانات متابعة الدراسة في المدارس الفرنسية الكبرى، وهذا دليل على أن التعليم العمومي بالمغرب يتمتع بمستوى عال.
والآن، كيف تريدون أن تعمل الكلية بدون وجود مؤطرين؟ إذ لدينا  أستاذ واحد لكل 250 طالب،  ولا يتجاوز عدد الأساتذة الجامعيون أزيد  من 13.000 أستاذ، بمعدل عشر مرات أقل من المعايير الدولية، ولا نحلق بعيدا، ففي الجزائر وفي تونس مثلا، عدد الأساتذة متوفر، رغم أن في تونس حيث عدد السكان، لا يتجاوز ثلث عدد  سكان المغرب، وفي الوقت الذي لدينا 480.000 طالب، يوجد بالجزائر مليون في الجزائر.


في رأيكم، لماذا لا نجد إلا عددا قليلا من الطلبة في التعليم العالي بالمغرب؟
لأن العرض التربوي غير كاف،  ليس لدينا مدارس بالعدد الوافر، والمؤسسات الموجودة غير منتشرة على ربوع التراب الوطني. ولا يمكن لطالب أن يلج كلية تبعد عن مسكنه بمائتين كيلومتر. المغرب يفتقر للإمكانيات الكافية لتكوين الأطر بالعدد الكافي.فعلى سبيل المثال، نحن في حاجة إلى 7000 مهندس معماري. كيف يمكن تكوينهم ؟ و على مدار أي مدة زمنية ؟

لنعود للعدد القليل للأساتذة؛ ألم يحن الوقت لإعادة النظر في طريقة الانتقاء لولوج الجامعات ؟
في الوقت الذي لا يوجد عرض بالشكل الكافي فيما يخص التكوين المهني، لا يمكن إغلاق أبواب الكليات في وجه الطلبة. ثقوا بي إذا قلت لكم بأن طلبة متفوقين حصلوا على معدل 15 على عشرين، لا يجدون مقعدا لهم في المدارس الكبرى فيتسجلون في الكلية. ما أفكر فيه حاليا هو وضع آلية لاختيار المترشحين للماستر. الانتقاء هو مفتاح النجاح. بدون انتقاء، لا يمكن إحراز أي تقدم. فنحن لم نعد قادرين على تدبير الفائض من الطلبة.

أليس هذا  من الأوليات التي يجب معالجتها بكل سرعة ؟
المشكل هو كون كل شيء، مستعجل، ويحظى بالأسبقية في المغرب،  زميلي محمد الوفا هو بدوره له ما هو مستعجل. عليه توظيف آلاف الأساتذة. نحن في حاجة إلى رجال شرطة كذلك ( باريس لوحدها تتوفر على عدد  رجال الشرطة يفوق ما عندنا على الصعيد الوطني). نحن في حاجة إلى أطباء، ولكن الدولة ليس لها الإمكانيات من أجل التوظيف،  رغم أنها في أمس الحاجة ولكنها بدون إمكانيات مالية. فإذا قمنا بالتوظيف، فسوف نغرق البلاد في دوامة من المديونية والعودة إلى مخطط التقويم الهيكلي.  لذلك يجب البحث على توازن ما بين الإمكانيات المتوفرة والحاجيات المستعجلة.

و ما موقعكم أنتم من تحقيق هذا التوازن ؟
بكل صراحة، من الصعب تحقيق ذلك، فالدولة لوحدها لا تستطيع تحقيق هذا التوازن، فقطاع التعليم العالي لم يكن في يوم من الأيام أولوية، ونفتقر للإمكانيات للقيام بكل شيء. ومع ذلك، هناك أمل في الشراكة بين القطاع العام والخاص. أنا لدي ثقة في هذا الحل؛ وفى حالة نجاحه، سأكون قد بذلت جهدي في حل مشاكل التعليم العالى بالمغرب.

هل هو حلم ؟  أم هو وعد لحوالي 480000 طالب بالمغرب ؟
إنه تحدي، من السهل تحديد أهداف مائة في المائة، وتحقيقها فيما بعد، كإعطاء وعد بالرفع من عدد الطلبة إلى 30.000 في ظرف خمس سنوات. ولكن لن يرتقي هذا إلى منجزات كبيرة. مشروعي هو استقطاب الجامعات الدولية الكبرى إلى المغرب؛ بحيث تصبح بلادنا مركبا ضخما للتكوين العالي.

هل انطلق هذا المشروع ؟ وفي أي وقت سيكون جاهزا ؟
لا أعرف متى؟ نحن في مرحلة تبادل الآراء مع شركائنا الإسبان والألمان والكنديين، وحتى الروس أظهروا اهتماما بالموضوع.
اليوم، هناك مشاكل مع التأشيرة والإمكانيات المالية التي تتطلبها الدراسة بالخارج، ولهذا لم يعد هذا حلا مناسبا. ومن هنا تأتي فكرتي المتمثلة في استقطاب الخارج إلى الداخل”. وفي موضوع متصل، هل تعلمون أن تحويلات الآباء لأبنائهم الذيت يتابعون دراستهم في الخارج تصل إلى حوالي  2,6 مليار درهم من العملة الصعبة ؟ تأملوا جديا في هذا المبلغ المالي الضخم.

وكيف ستسير الأمور ؟
لنفترض أن  مدرسة برشلونة المتعددة التخصصات اختارت الاستقرار بالمغرب، الدولة ستقدم لها قطعة أرضية، القطاع الخاص سيتكلف بأشغال البناء المركب الجامعي، والشريك الأجنبي يلتزم بتوفير التأطير بجودة عالية، وبالتجهيزات الضرورية للدراسات، في هذه الحالة أِؤكد لكم بأن مجموعة كبيرة من الطلبة المغاربة ستكون مستعدة لأداء الواجبات المستحقة، فضلا عن جلب طلبة من بلدان الجوار.
وفي مثل هذه التجربة، نسعى إلى استهداف بعض أنواع التكوين التي لا نستطيع توفيرها بإمكانياتنا لتلبية جميع  حاجياتنا،  تخصصات من قبيل الهندسة المعمارية والطب.
عندما لا يكون لدينا مال، يجب معرفة كيفية استعمال مال الآخرين.

في حالة فشل هذا المشروع، هل نقول بأن التعليم العالي بالمغرب انتهى ؟
ليس هذا ما قلته، تحدثت عن عدم قدرتنا الكبيرة على تلبية جميع الحاجيات، وأكرر بأنه  بدون عقد شراكات والانفتاح على الخارج، لن نتمكن من إدخال تحسين على الأوضاع. إنها خسارة كبيرة، أن يهاجر  18 بالمائة من خريجي المدارس المغربية إلى الخارج هذه السنة.

لننتقل  إلى موضوع آخر، إنه موضوع الحكامة الجيدة داخل وزارتكم، أين أنتم من هذا الحراك ؟
بكل صراحة، يزعجني هذا الموضوع كثيرا إلى حد أنه يصيبني بالمرض.

إلى هذه الدرجة ؟
خذ هذا، إلق نظرة على هذه الفاتورة؛ سبعة أقلام تم شرائها بـــــــ 56.000 درهم . هذا ليس فقط تبذير؛ هذا حمق.الأمر لا يحتاج إلى تعليق. وعندي مدراء ورؤساء أقسام حصلوا على 380.000 درهم خلال السنتين الأخيرتين. ومكافأة بقيمة 15.000 في الشهر،  مكافآت غير مستحقة. بكل صراحة هذا يعني أن الأمور كانت تسير على غير ما يرام.

يظهر أن الإحالات على القضاء ستكون بالعشرات في هذه الحالة ؟
لن نطارد الساحرات، أحاول أخذ الوقت الكافي للتشاور مع الشركاء، لا أريد اتخاذ أي قرار متسرع أو خلق جدال سياسوي عقيم. من طبيعة الحال، عندما  يكون هناك إثبات، يُحال الملف على العدالة. على سبيل المثال، في حالة التزوير أواستعمال وثائق مزورة (الشواهد الدراسية).
أتريث ولا أتسرع، وفضلا عن اعتمادي عن تقرير الوزارة، أطلب تقريرا من المفتشية العامة للمالية، للمزيد من التأكد.


هل واجهتم مقاومة أثناء محاربة الرشوة؛ التي تعفن القطاع ؟ 
بدون ضغط؛ سواء فوقي أو تحتي. انتهي الزمن الذى كان فيه الوزراء يختبئون وراء الذين لا يريدون أن تتحقق الإصلاحات. للوزير كامل السلطة وهو المسؤول عن قطاعه، وإذا عجز عن الفعل، فعليه الاستقالة.

ومع ذلك، وزراء من العدالة والتنمية اشتكوا من وجود جيوب مقاومة ؟
أتحدث إليك عن نفسي. وهذا ما أومن به بصفتي وزيرا.


ترجمة الموقع الإلكتروني pjd.ma

 
 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.