هكذا نسفت دفوعات دفاع حامي الدين الدعوى العمومية لقاضي التحقيق

في جلسة دامت لأزيد من ست ساعات، قدم دفاع حامي الدين – الذي تم إعادة فتح ملف متابعته في قضية سبق البت فيها بحكم نهائي- الدفوعات الشكلية التي تدفع ببطلان الدعوى العمومية لقاضي التحقيق في إعادة المتابعة في ملف سبق أن قال فيه القضاء كلمته النهائية منذ أزيد من ربع قرن ، وأُنصف فيها الدكتور بمقرر تحكيمي لهيئة الإنصاف والمصالحة، بل أكثر من ذلك فقد سبق أن تم حفظ ثلاث شكايات في نفس الموضوع تقدمت بها نفس الجهات.
دفوعات هيئة دفاع حامي الدين، أمس الثلاثاء 18 يونيو، بمحكمة الاستئناف بفاس، فرضت نفسها بالفعل، وظهرت قوية ومتماسكة خاصة بعد مداخلة النيابة العامة، حيث تبين بأن مرافعات هيئة دفاع حامي الدين، أكثر انسجاما وتناسقا، مسلحة ببراهين وحجج دامغة مانعة حاسمة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بطلان الدعوى العمومية، مما اظهر للحضور في القاعة بالملموس أن الدعوى في أصلها باطلة.

المسطرة الجنائية والمواثيق الدولية 

أكد الاستاذ الطيب لزرق، من هيئة المحامين بالرباط، أن الدفع ببطلان الدعوى العمومية، جاء بناء على ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية، التي تؤكد على أنه “تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع وبالتقادم أو بالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به”،  مشيرا أن هذا المقتضى “جازم وحاسم تعززه بكل وضوح مقتضيات المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية”.
من جهة ثانية، تحدث الاستاذ لزرق في مرافعته، على المقتضى الدستوري الذي جعل المواثيق الدولية تسمو على التشريعات الوطنية بعد مصادقة المغرب عليها، ومن هذا المنطلق، يقول المتحدث، فإن العهد الدولي ينص بوضوح في الفقرة السابعة من المادة 14 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 16 دجنبر  1966، أنه “لا يجوز تعريض احد مجددا للمحاكمة أو العقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها”. 
هذا العهد الدولي، الذي صادق عليه المغرب سنة 1979 وتم نشره بالجريدة الرسمية 3525/6 بتاريخ 21 ماي 1980، يشدد لزرق على أنه “أصبح ملزما”، وأن خرق هذا المقتضى الدولي يعتبر “خرقا مباشرا للدستور”،  مشيرا إلى أن المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية والمادة 369 من قانون المسطرة الجنائية تبدوان معا في “مستوى قوة وسمو ما تنص عليه الفقرة السابعة من المادة 14 من العهد الدولي”. معززا دفوعاته بقرارات محكمة النقض المصرية والفرنسية والمغربية. 

الدستور والمواثيق الدولية

المقتضى القانوني الدولي الذي استند عليه الاستاذ  لزرق، يجد سنده في الدستور الذي ينص في تصديره على أن المملكة المغربية ملتزمة بما تقتضيه المواثيق الدولية للمنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات وتشبثها باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا مع الالتزام بحماية منظومة هذه الحقوق وجعل الاتفاقيات كما صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية.
وشدد المتحدث ذاته، على أن التصدير يشكل جزء لا يتجزأ من مقتضيات هذا الدستور، مشيرا من جانب آخر، إلى خطاب لجلالة الملك محمد السادس في الخطاب السامي ل 17 يونيو 2011 في معرض المحور الثالث من هذا الخطاب الذي أكد فيه أن “الدستور المغربي هو دستور لحقوق الإنسان وميثاق لحقوق وواجبات المواطنة “،مؤكدا أن دستور المملكة يكرس كافة حقوق الإنسان بما فيها “ضمانات حقوق المحاكمة العادلة”. 
شكايات سبق حفظها 
كما قدم النقيب الشهبي، منسق هيئة دفاع عبد العلي حامي الدين، بدوره عدة دفوعات ترمي الحكم ببطلان قرار قاضي التحقيق لإعادة فتح ملف متابعة حامي الدين بعد الشكاية الثالثة في الموضوع، مشيرا إلى أن إعادة المتابعة “لا سند قانوني لها، لا في الاجتهاد ولا في الفقه، ولا في التشريعات القانونية والقضائية لبلدنا، بل لا سند لها حتى في التجارب الدولية”.
وأوضح الشهبي، أثناء مرافعة له في الجلسة الخامسة لإعادة متابعة حامي الدين، أن نفس الشكاية تكررت في ثلاث مناسبات، أي في سنة 2012 و 2013 و2017، حيث سبق تقديم شكاية أولى في نفس القضية، وذلك سنة 2012 وتقرر حفظها لسبقية البت في القضية بمقتضى قرار نهائي، إضافة إلى قرار ثان لقاضي التحقيق سنة 2013 جوابا على نفس الشكاية التي تقدمت بها نفس الجهات للمرة الثانية .
وشدد المتحدث ذاته، على أن شكاية سنة 2017، التي يتابع بسببها حامي الدين في هذه القضية، تعتبر الشكاية الثالثة، وهي نفسها التي قدمت سنتي 2012 وسنة 2013 بنفس المعطيات والتفاصيل وبنفس الأحداث، بل وبنفس الشاهد، الذي تتضارب تصريحاته حسب محضر للشرطة القضائية المؤرخ ب 16 نونبر 2011، فهي شكايات، يقول الشهبي، “سبق أن قال فيها الوكيل العام للملك كلمته بحفظ الشكاية بسبب سبقية البت فيها بقرار نهائي”.

فتح الملف خطر على الأمن القضائي 

وأوضح الشهبي، أن هذه القضية، التي سبق أن حوكم بسببها حامي الدين، سبق أن صدر فيها قرار حائز لقوة الشيء المقضي به، مما لا يستوجب قانونا إعادة المتابعة، ولا يجب، بناء على قرارات حفظ الشكايات السابقة، أن يتم إعادة فتح التحقيق، وذلك لغياب المشروعية القانونية وفقدان السند القانوني.
وأشار المتحدث ذاته، أنه لا يحق لقاضي التحقيق الذي سبق له أن أصدر قرارا بالمتابعة أن يعيد فتح التحقيق في نفس الملف ولو في حالة ظهور أدلة جديدة، وهذا لم يحصل في هذه الحالة، فالشاهد هو نفسه المتهم مع حامي الدين في القضية حسب الحكم الصادر سنة 1993، وبالتالي، يقول الشهبي، فإحالة قاضي التحقيق للملف من جديد سبق البت فيه مرارا “أمر يشكل خطرا على الأمن القضائي لبلدنا”.
إلى ذلك، شدد النقيب الشهبي، أن إعادة فتح الملف من جديد يعتبر قرارا ضد التوجهات الملكية الرامية الى توفير الأمن القضائي، واعتبره قرارا لا يؤسس للثقة في القضاء، قائلا: إن “هناك من لا يهمه استقرار البلد، ولا يريد أن يؤسس للثقة في المؤسسات، ويضرب كل التشريعات والقوانين عرض الحائط مما يشكل خطرا حقيقيا على الأمن القضائي لبلادنا”.

سليمان العمراني:  قضية وطن ودستور 

أكد سليمان العمراني، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن دفوعات هيئة الدفاع في قضية الدكتور عبد العلي حامي الدين، في الجلسة الخامسة لإعادة متابعته، امس الثلاثاء بمحكمة الاستئناف بفاس، كانت “قوية ومقنعة”، مبينا أنها “نسفت بالأدلة والحجج القانونية المتابعة من أساسها”.
وأضاف العمراني، في تصريح لـpjd.ma، أن الهيئة ركزت في مرافعتها على قاعدة قانونية قضائية متعلقة بسبقية البت، حيث إن حامي الدين كان موضوع حكم قضائي نهائي وقضى عقوبة سجنية لمدة سنتين، وصدر بعد ذلك مقرر تحكيمي لهيئة الإنصاف والمصالحة أنصف حامي الدين.
وشدد المتحدث ذاته، على أن دفوعات دفاع حامي الدين فرضت نفسها بقوة في الجلسة، حيث لم نلمس من جانب النيابة العامة في العمق ما يفيد التعارض معها، معبرا عن افتخاره واعتزازه بأعضاء الهيئة، “الذين لهم من الحنكة والتجربة ما يخول لهم الاشتغال بمهنية عالية قل نظيرها في مرافعة النيابة العامة، مما يطرح التحدي على هيئة دفاع المطالب بالحق المدني في الجلسة المقبلة”.
وتابع العمراني، أن قضية حامي الدين ليست قضية شخص بقدر ما هي قضية وطن ودستور دافع عن الأمن القضائي، فهذه المتابعة، يقول المتحدث ذاته، “نقطة تشوش على المسار الذي تقطعه بلادنا، والتي تمثل نموذجا على مستوى المحيط، فإذا كانت العدالة ملاذ الجميع فإن هذه المتابعة تشوش على هذا الأمر، لذلك أملنا وثقتنا في القضاء أن يصحح الأمور ويعيدها إلى نصابها”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.