هل “القانون التنظيمي للإضراب” مشروع تكبيلي للحق في الاضراب(2)؟

محمد السلاوي

الحلقة الثانية: دعوى التعارض مع المعايير الدولية المنظمة للحريات النقابية كما هي متعارف عليها في منظمة العمل الدولية

بعد أن تناولنا في الحلقة الأولى المضامين التي تحمي الحق في الإضراب، في مشروع القانون التنظيمي للإضراب نتناول في الحلقة الثانية دعوى تعارضه مع المعايير الدولية.

 بالتأمل في مرجعيات منظمة العمل خاصة ما يتعلق بالحريات النقابية في علاقتها بالحق في الإضراب  نجد أن معظم ما ورد في مشروع القانون التنظيمي حول الإضراب يتطابق معها، مما يفند دعوى التعارض المشار إليها.

 وأغلب المقتضيات الواردة في المشروع متطابقة تماما مع المبادئ والقواعد الدنيا التي أوصت بها لجنة الخبراء من أجل تطبيق الاتفاقيات والمعايير المرتبطة بالحريات النقابية في موضوع الحق في الإضراب  كما جاء في وثيقة تحت اسم “المبادئ الضابطة لممارسة الحق في الاضراب لدى منظمة العمل الدولية”  أعدها كل من  Bernard Grignon ,Alberto Odero,Horacio Guido

وبالرجوع إلى الوثيقة المذكورة سنجد أنها تؤكد على عدة مبادئ، منها أنها لا تتعارض مع ما جاء في مشروع القانون من قبيل:

أولا: ينبغي اعتبار الحق في الإضراب بمثابة حق أساسي للعمال (نقابات، فيدراليات كونفدراليات) محمي على المستوى الدولي عندما يمارس بطريقة سلمية، وهو ما ينص عليه  الدستور صراحة في الفصل 29 “حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط ممارسته”، وكما تكرسه عدد من المقتضيات الواردة في مشروع القانون ومنها على سبيل المثال ما أكده المشروع حين أقر في مادته الثامنة ببطلان كل شرط تعاقدي يتم من خلاله تنازل الأجير عن هذا الحق الدستوري حيث ورد فيها : “يعتبر باطلا كل شرط تعاقدي أو التزام يقضي بتنازل الأجير عن حق الاضراب”.

ثانيا: ينبغي الاعتراف بالحق في الإضراب بصفة عامة للعمال سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، ولا ينبغي تقييد هذا الحق إلا بالنسبة لبعض الفئات مثل أفراد القوات المسلحة ورجال الأمن، وبعض الموظفين الذين يزاولون مهاما باسم الدولة وبعض العمال الذين  يشتغلون في بعض المصالح الحيوية التي يؤدي توقفها إلى وضع حياة الساكنة أو صحة الأفراد في خطر، أو خلال أوقات الأزمات الوطنية الحادة، وهو ما أشارت إليه المادة 32 من مشروع القانون التنظيمي.

 مشروع القانون التنظيمي وحق الاضراب في القطاعين العام والخاص :

–         يسمح المشروع بالحق في الإضراب لموظفي الإدارة العمومية وعمال القطاع الخاص، كما تنص على ذلك أحكام المادة السادسة منه، ويبين الباب الثاني منه شروط ممارسته في القطاع الخاص بينما يُبين الباب الرابع شروط ممارسته في القطاع العام  على عكس بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا التي تحظر الإضراب على الموظفين.

ثالثا : لا تعتبر منظمة العمل الدولية الإضرابات ذات الطبيعة السياسية المحضة، ممارسة للحريات النقابية، لكن هذا الحظر لا ينبغي أن يشمل الإضرابات التي سعى الى حل مشكلات كبرى ذات طبيعة اقتصادية او اجتماعية، وهو نفس المقتضى الوارد في المشروع حيث تنص المادة 2  من مشروع القانون على ما يلي :

” الاضراب هو كل توقف عن العمل  يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية والاقتصادية المباشرة للأجراء المضربين”، وتنص المادة 5 على أنه “يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”.

 وبذلك فان منع الإضراب السياسي كما جاء في المشروع متوافق مع المبادئ المعتمدة لدى منظمة العمل الدولية، ولا يعتبر مساسا بالحريات النقابية. وفي نفس الوقت يقر بمشروعية الإضرابات التضامنية ما دام الاضراب الأصلي الذي يتم التضامن مع  منفذيه مشروعا.

رابعا: يمكن فرض حد أدنى من السلامة خلال الإضراب بغاية الوقاية من حوادث وتأميم سلامة الأفراد والمنشآت ( منظمة العمل الدولية ).

تنص المادة 10 من مشروع القانون التنظيمي ما يلي :

”  كما أنه في حالة تأثير ممارسة حق الإضراب على تزويد السوق والخدمات الأساسية لحماية حياة المواطنين وصحتهم وسلامتهم، يتعين على المشغل أو من ينوب عنه الاستعانة فورا بأجراء آخرين” المادة 34 من المشروع التي تنص على الأحكام الخاصة بالإضراب في المرافق الحيوية.

خامسا: يمكن فرض حد أدنى من الاشتغال في المقاولة أو المؤسسة العمومية في حالة اضراب في مصالح لها صفة المنفعة العامة أو خدمات عمومية ذات أهمية قصوى ويتعين إشراك منظمات العمال المعنية  في هذا التدبير (منظمة العمل الدولية).

ورد في الباب الرابع من مشروع القانون التنظيمي تحت عنوان: أحكام خاصة بالإضراب في المرافق العمومية وفي المادة 34 من المشروع  ما يلي :

“يحدد اتفاق بين الجهة الداعية للإضراب والمشغل المعني بمساهمة السلطة أو السلطات الإدارية المحلية المختصة عند الاقتضاء، الحد الأدنى من الخدمة الواجب تأمينها في المرافق المذكورة وكذا الأجراء المكلفين بتوفيرها “.

خامسا: إن ممارسة الحق في الإضراب يتعين أن يخضع لعدة شروط منها: وجود إشعار مسبق بالإضراب، اللجوء الى آليات المصالحة والوساطة أو التحكيم الإرادي دون أن ينتج عن ذلك جعل اللجوء الى الاضراب جد صعب أو مستحيلا، ( منظمة العمل الدولية).

وهو المقتضى الوارد في المادة 7 من مشروع القانون التنظيمي في الباب الثاني حول شروط وشكليات الإضراب .

سادسا: يمنع احتلال مواقع العمل بالقوة كما أن التواجد في أماكن العمل لا ينبغي أن يؤدي إلى منع غير المضربين من حقهم في العمل ( منظمة العمل الدولية).

وتقر المادة الثالثة عشر من المشروع التي ورد فيها ما يلي :

” يمنع عرقلة حرية العمل خلال الاضراب. يراد في مدلول هذا القانون التنظيمي بمنع حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب كل فعل يؤدي الى منع الأجير غير المضرب أو المشغل من ولوج أماكن العمل، أو من القيام بمزاولة نشاطه  المهني بواسطة الإيذاء أو العنف أو التهديد أو احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها”.

سابعا : لا يجوز تسخير requisitionعمال مقاولة أو مؤسسة إلا في حالة إضرابات تمس خدمات أساسية أو في ظروف خطيرة خطورة قصوى، ومن ذلك مثلا في حالة أزمة وطنية حادة ( منظمة العمل الدولية ) وهو نفس المقتضى الوارد في المادة 47 من المشروع.

ثامنا: إن اللجوء إلى عمال آخرين للحلول محل عمال مضربين هو إجراء يمس بالحق في ممارسة الاضراب إلا في حالة إضرابات في قطاعات حيوية أو في حالة أزمة وطنية حادة  (منظمة العمل الدولية).

 تنص المادة 10 من مشروع القانون على أنه لا يجوز إحلال عمال آخرين محل عمال مضربين لا تربطهم به علاقة شغل قبل تاريخ تبليغه بالإضراب، إلا في حالة تأمين الحد الأدنى من الخدمات أو في حالة تأمين السوق بالخدمات الأساسية اللازمة لتأمين صحة وسلامة المواطنين.

تاسعا: إن الاقتطاع من الأجور مقابل أيام الإضراب ليس مخالفا للمبادئ المؤسسة للحق في الإضراب ( قاعدة الأجر مقابل العمل ) ( منظمة العمل الدولية).

 ورد  في المادة 14 من المشروع ما يلي :

يعتبر الأجراء المشاركون في الإضراب في حالة التوقف عن العمل خلال مدة إضرابهم وفي هذه الحالة لا يمكنهم الاستفادة من الأجر خلال المدة المذكورة “.

عاشرا: يتعين توفير حماية مناسبة للمسؤولين النقابيين والعمال ضد كل الإجراءات التي تستهدفهم بسبب اللجوء إلى ممارسة الحق في الإضراب مثل التسريح أو غيرها من الإجراءات التي تمس بأوضاعهم في العمل، ويتعين اتخاذ تدابير مستعجلة لحمايتهم وتدابير ردعية في هذا الإطار( منظمة العمل  الدولية).

  في المادة 10 من المشروع  ورد ما يلي :

 “يمنع على المشغل اتخاذ أي اجراء تمييزي في حق الأجراء بسبب ممارسة حقهم في الإضراب من شأنه خرق مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والمساس بالضمانات الممنوحة لهم والمتعلقة بالخصوص بحقوقهم ووضعياتهم ومسارها المهني “.

الحادي عشر: إن مبادئ الحرية النقابية لا تحمي الاستعمال المتعسف للحق في الإضراب الناتجة، كما أن العقوبات الناتجة عن التعسف في استخدامه ينبغي أن تكون متناسبة مع خطورة الوقائع والمخالفات.

يتضح من خلال ما سبق أن الاعتراضات التي يسوقها بعض النقابيين من أجل رفض المشروع تحت حجة وجوب التفاوض حول المشروع إنما هي حجج فاقدة للمصداقية وتسائل فعلا الفكر النقابي السائد لدى البعض المسكون بمنطق الرفض بناء على “كليشيهات” ومواقف مسبقة.

ولنا عودة للموضوع من أجل استعراض بعض المقارنات، كما سنخصص مقالا لجوانب النقص والجوانب التي تحتاج الى تعديل واستدراك.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.