أي تفسير لطغيان الأخبار السلبية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؟

عبد المجيد أسحنون

أصبح لافتا للانتباه، مسارعة الكثير من وسائل الإعلام للترويج لكل ما هو سلبي، سواء تعلق الأمر بالإعلام السمعي البصري أو المكتوب أو الإلكتروني، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنتشر عبرها الوقائع والأحداث السلبية بسرعة النار في الهشيم، سواء ما تعلق بجرام القتل أو الاغتصاب أو الاعتداء عموما، مما يدفع إلى طرح سؤال العلة التي تجعل النفس السلبي يطغى في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟، وأثر ذلك على المجتمع؟ وكيفية علاجه؟.

وسائل الإعلام..

الكاتب الصحفي حسن بويخف، قال جوابا عن هذه الأسئلة، إنّ الإعلام لم يعد يمارس وظيفته التقليدية المتمثلة في وظيفة الإخبار وتأطير المجتمع فكريا وثقافيا وتربويا أي قيادة المجتمع، بل بات يستجيب فقط لما يطلبه الجمهور، وهذا الجمهور لا تغريه سوى الأحداث والوقائع الغريبة والصادمة وذات الحمولة السلبية، والتي تخلق نوعا من الإثارة، مبينا أنّ التنافس على استقطاب أكبر عدد ممكن من الجمهور هو الذي يجعل الإعلام يركز بشكل كبير على الزوايا السلبية في مقارباته.

من جانبه، تقاسم أستاذ علم الاجتماع علي الشعباني، رأي بويخف، قائلا “إنّ الإعلام سواء على المستوى الوطني أو الدولي، لا يتعامل مع الكثير من الأحداث بواقعية، حيث يركز فقط على الوقائع التي تتسم بالإثارة استجابة لم يطلبه المتابعون، لذلك، فأول ما يُقرأ في الصحافة المكتوبة مثلا، هي صفحة الأحداث، لمعرفة ما وقع من جرائم، كالسرقات والاختطافات والاعتداءات، والتخلي عن الأبناء وانتهاك حرمات الآباء.. فهذه الأحداث هي التي أصبحت تثير اهتمام القراء أو المشاهدين.

وأكد الشعباني، أنّ غاية وسائل الإعلام اليوم تجارية، حيث إذا أخذنا إذاعة خاصة على سبيل المثال، إذا لم تركز على الأحداث السلبية، من سيتابعها، قائلا “إنّ عدد مستمعيها هو الذي يحدد طبيعة الإشهار والدعم الذي تستفيد منه”، موضحا أنّ الصحف هي كذلك تعيش على هذه الأشياء، ناهيك عن القنوات التي تبث برامج من قبيل “الحبيبة أمي” التي تهدف إلى جلب العطف وخلق حالة من الاستنكار والنقاشات وسط المشاهدين، مما يجعلها مغرية بالمشاهدة.

وخلص أستاذ علم الاجتماع، إلى أنّ وسائل الإعلام عموما تمزج بين ما هو “نفعي وانتهازي”، بالتركيز فقط على الأحداث والوقائع التي تستجلب القراء أو المشاهدين أو المستمعين، غير آبهة بالقيام بدورها الحقيقي المتمثل في التأطير والتثقيف.

يبقى السؤال المطروح على القائمين على وسائل الإعلام، هو مدى إدراكهم لحقيقة الأدوار المنوطة بالإعلام؟، جوابا عن هذا السؤال، قال بويخف إنّ هؤلاء يدركون جيدا أنّ وظيفة الإعلام التقليدية هي خدمة الحقيقة من خلال الإخبار والتأطير المختلف، لكن، توجد العديد من الاكراهات لاسيما الاقتصادية منها، التي تجعلهم ينخرطون في هذا التوجه النفعي.

منصات التواصل الاجتماعي..

وبخصوص تركيز مواقع التواصل الاجتماعي على الوقائع السلبية، أوضح بويخف أنّ ثمة عوامل كثيرة تتداخل في تشكيل هذا التوجه العام في مواقع التواصل الاجتماعي، فمن جهة أولى، تحولت تلك المواقع إلى حلبة الصراع بين مختلف التوجهات المتناقضة، وفي ذلك يركز كل توجه على نشر سلبيات خصومه الحقيقية والملفقة.

ومن جهة ثانية، يسترسل بويخف، فعدد من الدراسات أكدت أنّ مواقع التواصل الاجتماعي تهيمن عليها الأخبار الكاذبة، مبينا أنّ هذه الأخبار أقوى ست مرات من الأخبار الحقيقية. وهو ما يعني “تعزيز التوجهات السلبية والعدمية والتي تبخس العمل السياسي والحكومي وغيره”.                                                              

واسترسل، أما الأمر الثالث فيتعلق بقاعدة اجتماعية تجد لها دورا فعالا في تلك المواقع، فبعض الدراسات أكدت أنه في فضاء جماعي متفاعل فالسلبية أقوى من الإيجابية، وأكدوا أنه كي تنتصر الإيجابية فعليها أنّ تكون أقوى 3 مرات من السلبية، يضيف الكاتب الصحفي.

ويرى بويخف، أنه إذا اكتفينا فقط بهذه العوامل الثلاثة، واستحضرنا مخلفات الصراع ومخلفات توجهات الإعلام السلبية، ومخلفات موازين القوة المختلة بين التوجهات السلبية والإيجابية، سندرك فعلا حجم وخطورة السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف تنشأ وكيف تعمل. هذا إضافة إلى “عوامل نفسية تتعلق بالناشطين في هذه المواقع أنفسهم، والذين يرغب أغلبهم في نشر كل ما من شأنه أن يحظى بالاهتمام من طرف عموم رواد تلك المواقع، والذي ليس سوى الأخبار الغريبة والغامضة والسلبية”.

من جهته، فسر الشعباني رغبة رواد مواقع التوصل الاجتماعي في متابعة الأحداث ذات الطابع السلبي أساسا، بأنها لم تظهر فقط مع هذه المواقع، بل كانت معروفة قبل ذلك على رواد السينما مثلا، الذين يفضلون مشاهدة أفلام العنف والرعب والقتال، التي كانت تلقى رواجا في أوقات مضت.

الأمل.. المدرسة والإعلام

سيطرة النفس السلبي على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أدى بالمجتمع المغربي إلى الوصول إلى الحضيض بتعبير الشعباني، مؤكدا أنّ المجتمع فقد كل الأمور التي يمكن أن تشكل بالنسبة إليه الحصانة الفكرية والأخلاقية والاجتماعية وأصبح ينساق إلى كل ما هو رديء، مضيفا أنّ المدخل الوحيد لإعادة الرقي به هو الإعلام والمدرسة.

وأوضح المتحدث ذاته أنه يحب على المدرسة أن تبرمج أشياء لها قيمة فكرية وفلسفية وأخلاقية وعقلية، لكي تنمي عقل الإنسان، والإعلام يجب أن ينشر كل ما هو إيجابي في الحياة، كل ما يحسن ذوق الإنسان، مشددا على أنّ ذلك لن يتأتى إلا بإعلاميين حقيقيين.

وأضاف الشعباني، أنّ أي مجتمع أراد أن يستقيم ويقف على رجليه، وأن يتخلى على كل هذه السلبيات، عليه إصلاح الإعلام والمدرسة، محملا المسؤولة أيضا للأسرة، التي يجب أن تراقب وتتابع ما يشاهده أبناؤها في أجهزتهم المحمولة، وأن لا يتركوا الأطفال عرضة لمحتويات غير ملائمة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.