يتيم يكتب : مشاهدات وشهادات من رحلة إلى الصين الشعبية (الحلقة الثالثة)

محمد يتيم*
بعد الغذاء والاستراحة ثم العشاء حوالي الساعة السادسة كنا على موعد مع زيارة لمتحف نينغشيا يرافقنا نائب رئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للمنطقة وهو متحف يحكي عن التاريخ الطبيعي والاجتماعي والثقافي لمنطقة نينشيا وعن العادات والتقاليد .

الصين اليوم مثلها في ذلك مثل الدول المتقدمة والناهضة تحتفي بتراثها الثقافي والحضاري وتجعله أحد سفرائها إلى العالم ، الصين تحتفي بفنونها وفنانيها وتعتبر الفن أيضا رسولا إلى الشعوب وسفيرا فوف العادة يمكنه أن يبلغ ما لا يبلغه السفير العامل في الحقل الديبلوماسي.

تبدأ معروضات المتحف في الطابق الأول من البدايات الأولى لإنسان المنطقة وبمختلف مظاهر الحياة الطبيعية و يقف بك عند الكتابات والنقوش الصخرية وتتواصل بك الرحلة عبر العصور الجيولوجية والتاريخية.


إلى أن يصل بك إلى الطابق الثالث الفوقي حيث يجسد مظاهر الثقافة والحضارة الإسلامية في منطقة نينشيا وكأن الطبقة الأخيرة من طبقات تاريخ نينشيا هي الطبقة الإسلامية وتجدك تسترجع مع المعرض تاريخا كبيرا لتجار المسلمين الذين أوصلوا الإسلام إلى هذا البلد بأخلاقهم وحسن معاملتهم وترجع بك الذاكرة الى تاريخ رفيع هو طريق الحرير فتتساءل هل مسلمو اليوم قادرون على ان يطلبوا العلم والحكمة الصينية وأن يكونوا في مستوى الأسلاف في إتقان فن التجارة وفن الدعوة والبلاغ الحسن بسلوكهم ومعاملاتهم.

وفي المساء كان موعدنا مع لوحات فنية رائعة بالقاعة الشعب بنينغشيا في الحفل الفني والثقافي الذي نظم بمناسبة انعقاد الدورة الثالثة للمنتدى الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية الذي نحن ضيوفه .

كان برنامج الحفل حافلا حيث قدمت لوحات فنية وغنائية ورقصات جماعية تعبيرية بلغت في مجموعها حوالى 18 عشر لوحة عبرت عن مستوى فني راقي سواء على مستوى الأداء أو على مستوى المضمون تكفل بتقديمها مقسمون من التلفزيون. المركزي ومن قناة وينغيشا الفضائية.

كانت العروض غاية في الروعة والإتقان والجودة في الأداء ناهيك عن التحكم في الحركات والرقصات البهلوانية واللعب بالإضاءة فضلا عن ديكور متحرك وغني بالألوان والأشكال الهندسية والمعمارية التي تحيل على الخلفية الثقافية الإسلامية للمنطقة، تزامن مع لوحات مآذن وقبب وقوافل في الصحراء ترمز إلى طريق الحرير .

أما عن عناوين اللوحات والقطع الموسيقي فهي بحد ذاتها دالة على رقي مضمونها ورسالتها ذلك أن العرض الفني قسم إلى فصلين : الفصل الأول ” طريق الحضارة”.
أما اللوحات التي وردت تحته فتحمل عناوين حبلى بالرسائل، رسائل التعاون والتواصل والتعايش والسلام ومنها : رقصة طريق الحرير الخالد ، أغنية ورقصة سعداء معا.
أما الفصل الثاني من العرض فحمل عنوان روح النهر الأصفر وضم تحته أغاني ورقصات تحت. العناوين التالية : تدفق الأشواق، أهلا يا أخي، أسطورة شرقية جديدة.


أما الفصل الثالث فتحت عنوان : أضواء القمر الجديد وتحتها عناوين : رقصة تعانق الأيادي والقلوب فضلا عن قطعتين للفنان المصري حمزة النجم تحت عنوان انسان ، وأغنية القمر سفير قلبي وأغنية ورقصة اللقاء اغنية، ورقصة لفرقة وشاح الفلسطينية للرقص الشعبي ليختم العرض بالأغنية الرئيسية. ملتقى الأشقاء .


العرض الفني كشف ان الصين هي عظيمة ليس فقط من حيث ما أنجزت على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي بل أيضاً على مستوى الإبداع الفني والثقافي .
صحيح انه من خلال العرض تبدو بعض مظاهر الاقتباس او التأثر من النموذج الفني الغربي على مستوى الآلات والإيقاعات احيانا وأخرى على مستوى اللباس الذي كان في حالات نادرة يميل الى اللباس الأوربي المعاصر من قبل بعض الفنانبن لكن البصمة الثقافية الصينية حاضرة بانضباطها ورشاقتها وجمعيتها حيث لا يظهر النجم الا في وسط مجموعة من الفنانين الاخرين واستعراضه الفني الفردي لا يكتمل إلا داخل اداء المجموعة كما هو الحال في أغلب الفنون الشعبية ولدى الفرق والفنانين الملتزمين ,
وهكذا وسط هذا الإحساس الغامر بالإعجاب بالتاريخ والحضارة والثقافة والإبداع الصيني انتهي يومنا الأول في نينغشيا وتبين لنا ان هذا الانضباط المنقطع النظير في الأداء الفني ما هو. الا تعبير عن الانضباط العام الذي هو سمة سلوكية تطبع سلوك الانسان الصيني ؟
هل الامر مرتبط بالتجربة الصينية الحديثة المتأثرة بالمرحلة الاشتراكية الشيوعية والقبضة الحديدية للحزب الشيوعي ؟ ام ان الامر عكس ذلك وأعمق منه إذ انه جزء من الثقافة الصينية سؤال قد أجيب عنه في فقرات لاحقة من هذه المذكرات الصينية
غير أنه والى جانب هذا البعد الفني الرائع الأصيل وهو البعد الذي فضلت الصين أن تطل به على العالم العربي والإسلامي سيطل علينا خلال مقامنا في العاصمة بيكين وجه آخر في التلفزيونات الصينية الكثيرة بالمناسبة والتى لا يوجد سواها من القنوات الملتقطة لا الجزيرة ولا س إن إن ولا عربية الا ما كان من تيفي 5 التي تلتقط من حين لآخر والموجهة الى المنطقة الآسيوية .

انها صين الانفتاح على الحداثة الفنية الأوروبية بكل ما لها وما عليها ولكن مع ضوابط واضحة حيث لم يحدث أن رأيت لقطات مخلة بالحياء أو مشاهد متفسخة بما في ذلك الايحاءات الجنسية أو مقدمات العمل الجنسي وإن كان شيء من ذلك فيقدم في شكل ايحاءات وبطريقة إخراجية توصل الرسالة دون حاجة على إمعان مقصود في الإثارة .

انها صين الانفتاح الاقتصادي بتوابعه الثقافية والسلوكية إنها الصين التي تظهر وكأنها تسير على خطى الغرب حيث النجومية وحيث البطولة الفردية وحيث الاستعراضية والمتاجرة الاعلامية بالحميمية الإنسانية ,
كانت الفرصة الوحيدة لمتابعة آخر أخبار العالم المحطة الفرنكفونية المذكورة التي عليك ان تتحين فرصة نشراتها الاخبارية الضعيفة والضحلة بالمقارنة مع القنوات الاخبارية المعروفة ومنها الجزيرة علما انها تركز اكثر على الأخبار الفرنسية .

وقناة صينية ناطقة بالانجليزية
في الصين وحدها يمكن أن تنقطع عن العالم لأيام وأن تعيش دون شبكة عنكبوتية أو تلفزيون وتستمر الحياة مع ذلك لأن الصين لوحدها عالم .

أغلبية أهل الصين ليسوا مهتمين بلغات العالم وقل أن تجد صينيا من عامتهم أو من التجار أو المستخدمين أو الباعة يتقن لغة أخرى غير الصينية وكأن الصين تقول في عزة للعالم : الصين تؤتى ولا تأتي ، العلم والحكمة صينيان ومن أرادهما فليطلبهما ولو في الصين ، ولأجل ذلك عليه أن يتكلم الصينية وعلى العالم كله أن يتكلم صينيا، ولم لا ؟ فاللغة الصينية لم تضق عن وصف آلة أو أن تكون لغة حاسوب ومعلوميات كما لم تضق عن أن تتحدث بعظات.

عظات حكمائها وزعمائها من كونفوشيوس الى دي سياوبغ . وتلك قصة أخرى لنا عودة إليها.

نائب رئيس مجلس النواب

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.