انتخابات جهة الحسيمة ما بين بن كيران و بن شماس:قصة الشمس والغربال

نبيل الأندلوسي‪*   ‬
استوقفتني إحدى جلسات مجلس المستشارين‪ ‬المنعقدة في الأيام القليلة الماضية، وتحديدا منها مداخلة للسيد عبد الحكيم بن شماس، كبير مستشاري البام بهذا الأخير، والذي عرج بمداخلته، التي تناقلتها العديد من المواقع الالكترونية الوطنية والمحلية، لجلسة المساءلة الشهرية التي استضاف فيها المجلس، السيد عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة يوم 5 يونيو المنصرم، قبل حوالي خمسة أشهر من الآن، والتي كان أحد محاورها محور محاربة اقتصاد الريع، يقول بن شماس  ـ الذي كان بحوزته أقراص مدمجة لتسجيلات تلك الجلسة ـ ” لقد راجعت هذا التسجيل واستوقفني مقطع، يقول فيه رئيس الحكومة وهو يجيب على أسئلة السادة المستشارين حول اقتصاد الريع، أن الحكم في عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله تأسس على أساس الاستفادة من الريع، ومضى السيد رئيس الحكومة موردا مظاهر هذا الأخير، وتوقف بالتفصيل عند محطة انتخابات 2009 ، مذكرا بالفساد الانتخابي الذي وقع في الحسيمة، عندما ظل فيها وزير جالسا في الأرض أربع مرات، ودبرت الأغلبية لجهة أخرى ( يقصد حزب الأصالة والمعاصرة  والدكتور محمد بودرا رئيس جهة تازة الحسيمة تاونات ) ، الفساد الذي وقع في عدة مدن، والرئاسات التي أعطيت بالقوة ولازالت تداعيات ذلك مستمرة إلى يومنا هذا، ويمضي السيد رئيس الحكومة في الشرح، ليختم في هذا المحور بنصيحة محمودة يقول فيها بأن السياسة مبنية على المعقول وعلى الصدق” هذا ما قاله بن كيران أو ما نقله بن شماس عما قاله بن كيران.


 وبعد أن ذكر السيد بن شماس، بسبب نزول هذا التذكير السياسي وبأن الانتخابات الجزئية الأخيرة على مستوى جهة الحسيمة، قد آلت إلى نفس الشخص، يقصد السيد محمد بودرا عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، والذي يعرف الجميع ـ هنا بالجهة على الأقل ـ الطريقة التي انتخب بها رئيسا للجهة في المرة الأولى، وهو ما جعل بن شماس “يحلل سياسيا” موجها كلامه للسيد رئيس الجلسة وعبره للسادة المستشارين ولرئيس الحكومة ولعموم الشعب المغربي، قائلا ” نحن السيد الرئيس أمام أحد الاحتمالين، إما أن هذه الجهات التي دعمت الحزب ـ يقصد الأصالة والمعاصرة ـ الإدارية ورجالات السلطة، من جديد دعموا هذا الرئيس .. وفي هذه الحالة نطلب من السيد رئيس الحكومة، الذي هو رئيس هؤلاء رجال السلطة بأن يفتح بشأنهم تحقيق قضائي، أما الاحتمال الثاني وهو أن هذا التصريح الذي قدمه السيد رئيس الحكومة فيه الكثير من المبالغات، حتى لا أقول المغالطات” يقول بنشماس.


‪       ‬واعتبارا لكوني أحد المتابعين عن قرب لما وقع في الحسيمة في انتخابات مجلس الجهة في نسختها الأولى سنة 2009، من موقع إعلامي إذاك، غير الموقع السياسي الذي أتحدث من خلاله اليوم، واستحضارا لمنهجية تحليل الخطاب أورد الملاحظات التالية:


‪       ‬أبدأ بالاحتمال الثاني الذي ساقه السيد بن شماس محاولا التأسيس له والاستدلال على صحته، وأتوقف عند قوله أن “هذا التصريح الذي قدمه السيد رئيس الحكومة فيه الكثير من المبالغات، حتى لا أقول المغالطات” وهو اعتراف صريح للسيد رئيس المجلس الوطني للبام، بأن ما قاله بن كيران صحيح وليس بمغالطات، وإنما فقط كان فيه نوع من المبالغة أو المبالغات ـ حسب تعبيره ـ ، وهو ما يعني اعترافا بوقوع فساد انتخابي بالجهة حيث تورط فيه من تورط، وخرج فيه من خرج من الحكومة عقابا له على احتجاجه على ما وقع من تزوير أرغمه على الرضوخ للضغوطات الممارسة من طرف رجالات الحزب السلطوي المتنفذين، وذلك بعد التأجيلات التي فرضتها السلطة الولائية بأعذار واهية شبيهة بالمسرحيات سيئة الإخراج و التمثيل المبتذل، والتي أتعفف عن الخوض في جزئياتها الآن.

أما فيما يتعلق بالاحتمال الأول، فإني أسجل مفارقة غريبة غفلها السيد بن شماس، وهو أن الإدارة بالمغرب متحركة في مواقفها ومواقعها، في ارتباط وثيق بعقليات مسؤوليها ورؤسائها، وليست بالثابت الذي لا يتحول خاصة في أمور التكتيكات السياسية والتدبير اليومي للشأن العام بما فيها الانتخابات وفق منطق تغير الظروف والسياقات والمصالح، مذكرا إياه بمؤشرات بسيطة للتدليل على ذلك، وهي أن السيد والي الجهة الذي أشرف على عملية الانتخابات الجهوية في نسختها الأولى ليس هو نفس الوالي الذي أشرف على العملية في نسختها الثانية، وأن السياق السياسي في انتخابات الجهة الأولى غير السياق في الانتخابات الأخيرة، وأن الحكومة التي وقع فيها ما وقع غير هذه الحكومة، وأن الزمن السياسي ما قبل 20 فبراير ليس هو نفسه الزمن السياسي لما بعد 20 فبراير، وأن التقديرات السياسية للسيد الوزير السابق، محمد عبو نفسه ـ الذي كان منافسا للسيد محمد بودرا ـ لم تعد ذات التقديرات، بل إن هذه التقديرات قد تغيرات سنة 2009 بعد التأجيلات التي عرفتها عملية انتخاب رئاسة الجهة، حيث تمكنت الضغوطات الممارسة عليه من تغيير الوجهة، والبحث عن طموحاته في أرض الله الواسعة، بعدما وجد نفسه يسير ضد تيار جارف، يقوده حزب كانت عنده كل الوسائل “مشروعة”، متوجسا من مصير يرمي به في أتون مجهول قد لا يخرج منه.

 وكل هذا يجعلني مستغربا لهذا الربط الذي قام به السيد بنشماس ما بين إعادة “انتخاب” السيد بودرا رئيسا للجهة لمرة ثانية، والذي كان مرشحا وحيدا وبدون منافس، وبين محاولة نفي عملية الإفساد الانتخابي التي تحدث عنها السيد رئيس الحكومة، رغم اعترافه العفوي ضمن سياق الحديث بوقوعها.

‪‬وعود على بدء، أقول للأستاذ بن شماس، وبلغة المباشر، أنه لا يمكنك أن تغطي الشمس بالغربال وبكلمات منمقة، فالجميع كما أسلفت يعرف ما وقع، أحزابا وسلطة ومواطنين.

الجميع يعرف أن انتخابات مجلس الجهة لسنة 2009، كانت بمثابة مهزلة انتخابية توجت السيد محمد بودرا رئيسا للجهة مسطريا وتوجت معها سلوكا سياسيا شعاره إفساد الحياة السياسية بمنطقة الريف الصامدة وبعموم التراب الوطني
‪‪  ‬السيد بن شماس المحترم، يمكن لرجل السياسة أن يخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكنه لن يستطيع خداع كل الناس كل الوقت، مهما بدت ملامح الوجه حاملة لتقاسيم الصرامة في الحق والصدق في القول، لأن الحق والصدق يعرفه الناس في السلوك والممارسة.


السيد بن شماس المحترم، لقد أصبحت الحسيمة، بمثل هذه الممارسات التي تكررت أكثر من مرة من طرف منتسبي حزبكم، يشار إليها بالبنان، كقلعة من قلاع الفساد الانتخابي، الذي أتى على الأخضر واليابس وأفقد السياسة معانيها النبيلة المبنية على الصدق و المسؤولية ونكران الذات وخدمة المواطنين.

وختاما أقول لكم السيد بن شماس، أنه لا يمكن للغاية مهما كانت نبيلة أو اعتقدنا أنها نبيلة أن تبرر الوصول إليها بطريقة غير نبيلة وغير مشروعة، فالإصلاح والإفساد لا يجتمعان في قلب رجل واحد، وكما قال الأستاذ محمد ضريف، في أحد كتبه، “عندما تغدو السياسة مجرد قدرة على تبرير الشيء ونقيضه في نفس الوقت، تنتفي ماهيتها، وبذلك يمكن أن تكون كل شيء إلا أن تكون سياسة”، ولا داعي أن أدخل بعد هذا في التفاصيل، فبينها تكمن عفاريت وشياطين.


‪ *‬عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.