من يتحمل مسؤولية استفحال ظاهرة احتلال الملك العمومي؟

محمد غازي

تفشّت ظاهرة احتلال الملك العمومي في العديد من المدن المغربية، وأصبحت معها أرصفة وشوارع كثيرة محتلة من طرف المقاهي والتجار والباعة المتجولين، وهي ظاهرة باتت مثار سخط المواطنين، مما يدفع لطرح أكثر من علامة استفهام عن دوافع استفحال ظاهرة احتلال الملك العمومي وتحديد الجهات المسؤولة عن استمرار هذه الفوضى.

ظاهرة مؤرقة

وفي تفسيره لأسباب استفحال هاته الظاهرة، أكد رئيس جماعة تمارة موح رجدالي، أن مسألة احتلال الملك العمومي معضلة وطنية لا تقتصر على مدينة دون أخرى، لما تتسبب فيه من إشكالات كثيرة، من قبيل منع المارة من استعمال الرصيف المخصص للراجلين، وكذا التأثير الواضح على جمالية المدينة، إلى جانب أنها مصدر لانتشار الأوساخ والأزبال.

وأشار رجدالي، في حديثه لـ  pjd.ma إلى التأثير الاقتصادي والمس بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، الذي تتسبب فيه ظاهرة احتلال الملك العمومي، موضحا أن الباعة، الذي يزاولون التجارة من دون تراخيص، يضيقون على أصحاب المحلات الذين يؤدون واجباتهم الضريبية.

من جهته، اعتبر عبد الحفيظ إدمينو، أستاذ القانون الإداري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، أن ظاهرة احتلال الأملاك العمومية ، تشكل إحدى المظاهر السلبية التي تمس بشكل مباشر بحريات وحقوق الآخرين وتفوت على الجماعة الترابية مداخيل مادية مهمة.

عائق الزبونية

 وأضاف أدمينو، أن “الكثير من الأملاك العمومية الجماعية تخضع لمنطق “الزبونية”، لأنها تدخل ضمن التدابير التي تمنح من طرف البعض لفائدة هؤلاء المحتلين للملك العمومي”، مبينا  أن “الأملاك الجماعية وخاصة العقارية يمكن أن تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتجلب استثمارات سواء كانت وطنية أو أجنبية”.

وشدد المتحدث ذاته، على أنه “يتعين إخضاع تدبير الملك العمومي، لمنطق تنموي مرتبط أساسا بالحكامة الجيدة، وتنمية مداخيل الجماعة ومواردها المالية، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية من أجل المساهمة في تنمية مستدامة، من خلال خلق فرص الشغل وتنشيط الدورة الاقتصادية وغيرها من الأدوار التي يمكن أن تساهم فيها التدبير الجيد لهذه الأملاك”.

منظومة قانونية متجاوزة
غير أن المنظومة القانونية التي تؤطر مجال الملك العمومي، يوضح أستاذ القانون الإداري، أصبحت اليوم متجاوزة ، بالنظر إلى أنها أُعدّت في فترات كان الملك العمومي الجماعي ليس له نفس الأهمية كما اليوم، وبالتالي، فإن هذه المنظومة القانونية، تحتاج إلى ملاءمة وتكييف مع التطورات التي تعرفها مهام الجماعات الترابية.

وأكد أدمينو، أنه لا ينبغي أن نستحضر فقط البعدين المادي والتنموي، بل كذلك استحضار البعد الحقوقي، على اعتبار أن عددا من الرخص الممنوحة، تمس بحقوق الآخر، كحرية التجول وضمان سلامة المواطنين، بمن فيهم الذين يستغلون الملك العمومي الجماعي، خاصة المشاريع التي تقام على الطريق العام، وهذا فيه تضييق وإزعاج للمواطنين وعرقلة لانسيابية السير والجولان داخل هذه الجماعات.

حلول مقترحة

وفي هذا الإطار، أوضح رئيس جماعة تمارة، أن الجماعة اعتمدت استراتيجية محددة وفق خطة ميدانية، بالتعاون مع السلطات المحلية، تعتمد على تنظيم حملات مشتركة في مختلف المقاطعات، مبرزا أنها أسفرت عن نتائج محمودة رغم محدوديتها ورغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها عند التنفيذ، من قبيل عدم تفهم المواطنين ووعيهم بأهمية إخلاء الشوارع التي تعتبر ملكا عموميا”.

وأكد رجدالي، أن المسؤولية منحصرة في توعية المواطنين بخطورة احتلال الملك العمومي وإشعار هؤلاء الذين يحتلون الأماكن العمومية”، مشيرا إلى توجيه المئات من الرسائل والإنذارات لهؤلاء الناس، فضلا عن إطلاق العديد من الحملات لإخلاء الملك العمومي، حيث كانت النتيجة، تخفيف الضغط عن الشوارع.

 وتابع “بدأنا نرى بعض مظاهر التنظيم والنظافة والانضباط، بفضل الحزم والجدية التي أبدتها الشرطة الإدارية التابعة للجماعة، التي تبُت في طلبات استغلال الملك العمومي من طرف ملاكي المحلات التجارية، مما ينعكس على التنمية بفضل المداخيل المحصلة”.

بدوره، يرى أدمينو، أنه “لا بد من التحسيس بأهمية الأملاك الجماعية وواجب احترام الحقوق المشتركة”، داعيا إلى ضرورة التمييز بين ما يتعلق بالملكية الخاصة والملكية الجماعية وتوجيه الجهود جميعها لخدمة المصلحة العامة.

وشدد أدمينو، على ضرورة “اتخاذ تدابير جديدة وخلق بدائل أخرى، لأن الذين يستثمرون في الأملاك العمومية، يصعب منعهم بين عشية وضحاها، فلا بد أن نفكر معهم في بدائل تضمن لهم حقهم في ممارسة أنشطتهم التجارية”، مقترحا في السياق ذاته، إشراك الشرطة الإدارية والمنتخبين والسلطة المحلية والجهات القضائية، في منع كل احتلال لا يحترم الضوابط القانونية ولا يحقق الملاءمة ما بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.