حوار.. خيي: الإجراءات التي اتخذتها بلادنا للتصدي لـ”كورونا” عززت الثقة في الدولة

قال محمد خيي، عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، إن الإجراءات التي اتخذتها بلادنا للتصدي لجائحة كورونا ساعدت من الناحية الاستراتيجية على تعزيز الثقة في الدولة، وأظهرت دورها الاجتماعي للدولة، لكنها، وفي جانب آخر، أظهرت أيضا بعض الإشكالات المرتبطة بالمستفيدين من البرامج الاجتماعية، سواء من حيث العدد أو الفئات أو المؤسسات المتدخلة.

وأضاف خيي، في حوار مع “مجلة العدالة والتنمية” في عددها 11 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، أن هذه الإشكالات تحتاج إلى علاج في المرحلة المقبلة، والتي من عناوينها الرئيسة، تسريع المصادقة على السجل الاجتماعي الموحد وإخراجه إلى حيز الوجود، بما يمكن من التوفر على قاعدة معطيات وطنية شفافة وشاملة، ويعالج إشكالية التضارب أو التداخل في الخدمات الاجتماعية بين مختلف المتدخلين.

وفي ما يلي نص الحوار كاملا:

أولا، ما تقييمكم للإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة منذ ظهور فيروس كورونا في بلادنا؟

اتخذت الحكومة حزمة من التدابير والإجراءات منذ بداية الجائحة وإلى اليوم، وعلى غرار النسيج الوطني الموضوعي، نسجل بتثمين واعتراف مقدر حجم التفاعل الحكومي الايجابي مع الجائحة، سواء على مستوى الاستباقية، أي توقيت اتخاذ القرارات، أو شمولها للإطار الاقتصادي والاجتماعي.

هذه التدابير كانت محكومة برهان الحفاظ على صحة المواطنين، ولذلك تم فرض الحجر الصحي، وتم العمل على التفاعل المبكر مع تداعيات الجائحة من خلال إنشاء جلالة الملك لصندوق مواجهة كورونا، والذي أعطى الإطار المالي الداعم للجنة اليقظة الاقتصادية لمواجهة تبعات الجائحة، واتخاذ ما يلزم من قرارات، سواء ما تعلق بتوفير المستلزمات الطبية، أو ضمان توفير الأسواق بكل الحاجيات اليومية، أو تعويض الأجراء والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة الذين فقدوا شغلهم ومدخولهم بسبب الجائحة.

هذه الإجراءات المتخذة ساعدت من الناحية الإستراتيجية على تعزيز الثقة في الدولة، وأظهرت الدور الاجتماعي للدولة، لكنها أظهرت أيضا بعض الإشكالات المرتبطة بالمستفيدين من البرامج الاجتماعية، سواء من حيث العدد أو الفئات أو المؤسسات المتدخلة، والتي تحتاج إلى علاج في المرحلة المقبلة، والتي من عناوينها الرئيسة، تسريع المصادقة على السجل الاجتماعي الموحد وإخراجه إلى حيز الوجود، بما يمكن من التوفر على قاعدة معطيات وطنية شفافة وشاملة، ويعالج إشكالية التضارب أو التداخل في الخدمات الاجتماعية بين مختلف المتدخلين.

ومن الناحية الاقتصادية أيضا، ظهر أن بعض المؤسسات لم تكن في مستوى الإجماع الوطني الذي يعرفه المغرب في هذه الظرفية الحساسة، وعلى رأسها المؤسسات البنكية التي لم تحترم الكثير من قرارات لجنة اليقظة الاقتصادية، إضافة إلى مؤسسات التأمين والمقاولات العاملة في مجال المحروقات.

ثانيا، ما أهمية قانون المالية التعديلي، وما هي في نظركم أهم عناصر التفكير التي ستتحكم فيه؟

الأصعب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية لم يأت بعد، ولذلك كان التفكير في ضرورة وضع قانون مالية تعديلي، هذا القانون مهم من الناحية القانونية، لأن القانون التنظيمي يقول بأنه لا يمكن تعديل قانون المالية إلا بقانون مالية تعديلي، وهو أمر مهم أيضا من الناحية الموضوعية، لأن الفرضيات والتوقعات التي قام على أساسها قانون المالية الحالية لم تعد كما هي.

وارتباطا بما سبق، يمكن أن نرى أن نسبة النمو ستنخفض، وتوقعات مداخيل الدولة ستنخفض هي أيضا، إلى غيرها من المؤشرات التي تستدعي التحيين والمواءمة مع الواقع، وقانون المالية التعديلي هو الإطار الضروري الذي سيمكن من فعل ذلك.

هذا القانون المرتقب يجب أن يتضمن كل ما تنوي الحكومة اتخاذه من تدابير وإجراءات واضحة ومحددة على المستوى الاقتصادي والمالي والميزانياتي، بغية تسريع إطلاق عجلة الاقتصاد المغربي من جديد. وأعتقد أن القانون سيستفيد من دروس الجائحة، وسيدعم الأوراش ذات الأولوية، المعول عليها للخروج من الأزمة وعلى رأسها الرأسمال البشري، بوصفه عماد كل تنمية وقطب رحاها ومبتغاها.

وأتصور أن الاهتمام بالإنسان وبالعنصر البشري يمر ضرورة عبر الاهتمام بقطاع الصحة، عبر توفير المزيد من الإمكانات المالية للقطاع، وتحسين بنيات الاستقبال، وتوفير مستشفى جامعي في كل جهة، كما يتطلب الاهتمام بالإنسان توسيع التغطية الصحية، لأن خطواتنا فيها ما تزال بطيئة ومتعثرة، هذه التغطية هي شبكة أمان اجتماعي أساسية، عبرها يمكن امتصاص التقلبات والأزمات، ولذلك على قانون المالية التعديلي أن يأتي بتدابير واضحة في هذا الملف.

ومن أهم الأشياء التي يجب التفكير فيها من خلال قانون المالية التعديلي، ما يتعلق بالتحول الرقمي، ذلك أن الكثير من التكاليف والإشكالات والتعقيدات يمكن تجاوزها برقمنة المساطر والمعاملات والخدمات، وهو ما سيمكن من ربح في الوقت والكلفة وتعزيز الشفافية.

كما تقتضي الرقمنة توسيع هذا البعد في التعليم وخاصة في التعليم العالي، والذي يمكن أن نحقق فيه خطوات مهمة خلال المرحلة المقبلة، إضافة إلى عدد من الخدمات المقدمة من الجماعات الترابية، والتي تحتاج إلى الإطار القانوني المساعد، وإلى تكوين الكفاءات والعنصر البشري.

ومن أهم المرتكزات التي يجب أن يعمل قانون المالية التعديلي على تحقيقها، ما يتعلق بتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، ذلك أن لدينا جهات تستقطب إمكانات استثمارية كبيرة، وتخلق الثروة ومناصب الشغل، مقابل جهات تخلق قيمة مضافة أقل، فإشكال تمركز الثروة، يخلق إشكالية حقيقية تتعلق بالفرص المتاحة أمام أبناء الوطن الواحد. ولابد من الوضوح على مستوى حكامة المخططات القائمة، فضلا عن مجابهة الفوارق بين المجالين الحضري والقروي، والتي أنتجت الكثير من الظواهر السلبية.

ثالثا، ما هي أبرز معالم وعناصر رؤية حزب العدالة والتنمية للنهوض الاقتصادي ما بعد كورونا؟

أعتقد أنّ مرحلة جائحة كورونا هي مرحلة غنية، ولذلك يرى الحزب أن تعديل قانون المالية لن يكون مجرد تعديل تقني، ولكنه تعديل بطابع سياسي واقتصادي، يقتضي التقاط دروس الجائحة والإنصات إلى نبض المجتمع وانتظارات الفاعل الاقتصادي، وإعطاء إشارات واضحة على أننا استفدنا حقيقة من هذه الأزمة.

الأمر الثاني، يرى حزب العدالة والتنمية أن هناك جملة من السياسات العمومية التي هي بحاجة إلى مراجعة، ومنها ما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي، وخاصة فيما بتعلق بالحبوب والسكر والقطاني، فضلا عن تصحيح الاختلالات القائمة على مستوى استيراد الحاجيات الأساسية للمغاربة، بما يسمح بدعم الإنتاج المحلي الموجه للاستهلاك، وليس فقط الموجه للتصدير، وهنا لابد من الانتباه إلى أهمية الاعتماد على الذات، سيما وأن العالم يعرف أزمات اقتصاد مفاجئة، ويشهد تغيرا وتقلبا في الأسعار بالسوق الدولية.

من جانب آخر، يرى الحزب أنه من الضروري إعادة النظر في طبيعة السياسة النقدية التي يجب أن نتبعها في المرحلة المقبلة، ونعتقد أن إتباع سياسة نقدية توسعية، تمكن من تعزيز النمو الاقتصادي، ومعالجة تبعات الركود الذي عشناه منذ بدء الجائحة، سياسة تدعم التشغيل والعرض والطلب، عبر تخفيف أسعار الفائدة المرجعية، وتقليص هامش ربح الأبناك، مما سيسهل الحصول على القروض بكلفة منخفضة ويعجل دوران العجلة الاقتصادية، وتوفير الزيادة في العرض على مستوى الكتلة النقدية، رغم ما قد يكون لهذا الاختيار من كلفة على مستوى التضخم.

ومن الأمور الأساسية في نظر الحزب أيضا، الاستمرار في الإصلاحات الكبرى، وذلك حتى لا تكون الجائحة عنوان التراجع عن الإصلاحات، من قبيل الإصلاح الضريبي، والتسريع بقانون الإطار الخاص به، بما يحقق توصيات المناظرة الضريبية، ويخفف العبء الضريبي عن المقاولة. كما يجب ترتيب أولويات الاستثمار العمومي، وذلك بتوجيهه إلى المجالات الأكثر خلقا لفرض الشغل والإنتاج، ولنا في الحزب مقترحات عدة في هذا الجانب.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.