حوار.. المُصلي تُعدد منجزات ومكتسبات المرأة المغربية خلال ال 10 سنوات الأخيرة

قالت جميلة المُصلي وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، إن الدولة تضع آليات تعزيز وجود المرأة في مختلف المؤسسات سواء البرلمان أو الجماعات الترابية والعمالات، مضيفة أن الأحزاب السياسية والمؤسسات الوطنية مدعوة لأن تقوي وتدعم هذه الآليات بمزيد من تعزيز وجود المرأة في مراكز القرار، بما يعبر عما يزخر به المغرب من كفاءات نسائية في جميع المجالات منذ القدم.

ونبهت المُصلي، في حوار مع “مجلة العدالة والتنمية” في عددها 26 الصادر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلى أن مؤشرات حضور النساء في وسائل الاعلام لا زال ضعيفا نسبيا، داعية إلى فتح مساحات أكبر للنساء، في المجال الإعلامي وعلى مستوى المؤسسات واللجان والهيئات المتواجدة فيها، لإعطاء رأيها واقتراحاتها في جميع المواضيع، دون حصره فيما هو اجتماعي أو ما هو متعلق بموضوع المرأة.

وأضافت، أن نسبة النساء بالبرلمان في ارتفاع، ليس فقط فيما يتعلق بعدد المقاعد المخصصة عن طريق إجراءات التمييز الإيجابي فقط، وإنما أيضا عن طريق اللوائح المحلية “التي نتمنى أن تعرف حضورا قويا للنساء في ترشيحات الأحزاب السياسية على رأس اللوائح”، معبرة عن أسفها لكون أغلب الأحزاب السياسية في مختلف بقاع العالم لا زالت ذكورية، “ونتيجة لذلك لابد أن نطالب بزيادة نسبة تمثيلية المرأة، وتقوية حضورها في هياكل القرار الحزبي”.

وفيما يلي نص الحوار:

يتزامن يوم 8 مارس لهذه السنة، مع انتهاء العشرية الأولى لإقرار المغرب دستور 2011 الذي أتى بمستجدات هامة لصالح المرأة. إلى أي حد استطاعت هذه المستجدات والترسانة القانونية المرافقة لها، التغيير من واقع المرأة خصوصا على مستويات التمييز في المشاركة السياسية والتهميش والاستغلال في أماكن العمل، ناهيك عن تفشي الأمية في صفوف النساء خصوصا بالعالم القروي؟

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، لا يسعني بداية إلا أن أقدم تحية تقدير وامتنان لكل النساء المغربيات وعلى رأسهن المرأة القروية، وأنوه بالدور الكبير الذي اضطلعن به خلال فترة الحجر الصحي، وإسهامهن في المعركة الدائرة اليوم ضد جائحة “كورونا”، كما أتوجه بالشكر لكل الفاعلات في الحقل الجمعوي اللواتي يقدمن أعمالا جليلة باختيارهن الإسهام في تحقيق التنمية الاجتماعية ببلادنا. كما أغتنمها فرصة لأتوجه بالشكر أيضا للإعلاميات على انخراطهن الايجابي في التحسيس والتعريف والتوعية بكافة البرامج والسياسات العمومية.

لعلنا نتفق جميعا، أن المغرب بفضل التوجيهات السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وجهود جل القطاعات والمؤسسات والهيئات تمكن من قطع أشواط هامة في اتجاه ترسيخ المساواة والنهوض بحقوق المرأة المغربية.

فبلادنا راكمت العديد من الإنجازات في مجال مشاركة النساء، سواء في الحياة السياسية، ناخبة أو مرشحة، أو على الصعيد الاقتصادي، كقوة عاملة، أو رئيسة للمقاولة الإنتاجية أو التعاونية، وهذ ما ساهم فيه وجود الأطر القانونية والتشريعية التي تمنع التمييز وتفتح المجال أمام الجميع، وكذلك أيضا، وجود السياسات والبرامج التي تقودها العديد من القطاعات، في إطار دعم القدرات أو المواكبة أو تمويل المشاريع.

وبالرجوع إلى الوثيقة الدستورية، يحث النص صراحة، على عدم التمييز بين الجنسين، والمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع المجالات، ومنها المشاركة السياسية والاقتصادية، وإضفاء الطابع الدستوري على مفهوم المناصفة، وهو الأمر الذي تدعم من خلال القوانين التنظيمية، سواء للمؤسسة البرلمانية بمجلسيها، أو الجماعات الترابية، أو قانون الأحزاب السياسية، أو قانون الشغل، مع تمكين الدولة للعمل في هذا المجال من خلال القطاعات الوزارية وإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والتي هي بمثابة مرجع مؤسساتي، للاستشارة واليقظة.

وشهد تدعيم النهوض بحقوق المرأة في المغرب مسار متميزا في العقود الأخيرة على كافة المستويات، فيما يخص الإصلاحات التشريعية والانخراط في البرامج والمخططات الأممية، وكذلك العديد من البرامج التي تهدف إلى الحماية الاجتماعية وضمان مشاركة المرأة في الحياة العامة واتخاذ القرار والقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، الذي يعتبر أحد أهم الأوراش الحكومية في هذه العشرية.

فالإصلاحات القانونية والتشريعية، مكنت من تعزيز التمثيلية السياسية للنساء، على المستوى الوطني والترابي، وذلك بإدراج مقتضيات قانونية جديدة في القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلسي النواب والمستشارين وانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بأن أحدث القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بمجلس النواب لسنة 2011 دائرة انتخابية وطنية تتكون من 90 مقعدا، خصص منها 60 مقعدا للنساء و30 مقعدا للشباب، مما رفع من نسبة تمثيلية النساء من 10 % (34 نائبة) سنة 2007 إلى 17 % (67 نائبة ) سنة 2011، وفي الانتخابات التشريعية 2016، تم فتح باب الترشيح برسم الجزء الثاني من لوائح الترشيح الخاصة بالدائرة الانتخابية الوطنية، الذي يضم 30 مقعدا والمخصص حصريا للشبان، أمام ترشيحات الشابات أيضا، مما ساهم في تحقيق تمثيلية نسائية مشجعة تقارب 21 % (81 نائبة)، وهو نفس الأمر بالنسبة للقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، والذي أحث آليتين لدعم تمثيلية النساء، وقد أدت هذه الاجراءات على مستوى انتخاب أعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات، مثلا سنة 2015، إلى انتخاب 6.669 امرأة أي ما يقارب ضعف عدد النساء اللواتي انتخبن بمناسبة الانتخابات الجماعية لسنة 2009.

بالموازاة مع هذا المسار، شهد الإطار القانوني والمؤسساتي لولوج النساء إلى مناصب المسؤولية واتخاد القرار في المغرب تحولا إيجابيا خلال السنوات الأخيرة، ويتجلى ذلك انطلاقا من مقتضيات دستور 2011، ولا سيما من خلال أحكام الفصلين 31و 92اللذان ينصان صراحة على تعزيز مشاركة المرأة في الوظيفة العمومية وخاصة في مناصب المسؤولية. هذا التكريس الدستوري هو امتداد للفصل 19 من الدستور التي ينص على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء.

وفيما يتعلق بمحاربة الأمية في صفوف النساء والفتيات، وضعت الحكومة المغربية رؤية استراتيجية لإصلاح نظام التعليم (2015-2030) في إطار تعاقدي ملزم، من خلال القانون الإطار 51.17، وتم إعداد خارطة طريق للفترة 2014-2020 لمحاربة الأمية في صفوف النساء، كما انخرطت المساجد في برنامج واسع لمحو الأمية، بحيث بلغ عدد المستفيدين من الموسم الدراسي 2007/2008 إلى غاية الموسم الدراسي 2018-2019 ما مجموعه 2.959.501 بلغ عدد النساء منهم 2.533.208 بنسبة 85.60 %.

وبهدف دعم تمدرس الفتيات في العالم القروي تمت استفادتهن من الولوج للمدارس الجماعاتية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية (دار الطالبة) التي توفر التغذية والإيواء، ودروس الدعم والمخيمات الصيفية والأنشطة الثقافية والرياضية، بلغ عدد المستفيدات سنة 2018-2017، 31078 مستفيدة، 51 بنسبة % من العدد الإجمالي للمستفيدين. كما تم إعداد مشروع نموذجي” الارتقاء بدار الطالبة من أجل جودة التربية“عبر توفير خدمات الدعم المدرسي والنفسي والاجتماعي. لمحاربة الهدر المدرسي وتشجيع الانفتاح الذاتي والاجتماعي للفتيات.

وفي إطار تطبيق القانون 14.05، رخصت مؤسسة التعاون الوطني للجمعيات بفتح وتدبير 75 مؤسسة: 49 دور الطالب والطالبة (66%)، و 5 دور الفتاة وإقامة التلميذ (7%)، و 4 مراكز النساء في وضعية صعبة (6%)، وكل هذا يدعم من منظومة الخدمات الموجهة للفئات المهمشة، ومن بينها النساء والفتيات اللواتي يعشن ظروفا صعبة.

وفي إطار التوجه نحو تقديم الخدمات للفئات المهمشة عموما وخاصة في ظروف الجائحة، فقد عملت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة خلال هذه الظروف الاستثنائية، على توفير خدمة الايواء للحالات المستعجلة أو باقي إجراءات الحماية، بتنسيق مع المصالح المحلية، من شرطة ودرك ونيابة عامة…، حيث تم إدماج 6650 شخص في وضعية الشارع ضمن أسرهم، وقد بلغت نسبة النساء اللواتي تم إدماجهن 10%. .

وبادرت الوزارة لإطلاق حملة رقمية توعوية وتحسيسية برسم سنة 2020 انخرط فيها عدد من الفنانين والإعلاميين، حيث ساهمت في بث رسائل تساعد في التغلب على الإكراهات النفسية، والوعي بضرورة استثمار سياق الجائحة لتعزيز قيم العيش المشترك، والمسؤولية المشتركة بين الزوجين ونشر ثقافة السلم والمودة والتواصل والتفاهم داخل الأسرة، وأيضا التذكير بأن العنف تجاه النساء والفتيات مجرم وليس له مبرر في مختلف السياقات.

أقدمت الحكومتان السابقة والحالية على إجراءات نوعية لصالح المرأة المغربية على المستويين القانوني والإجرائي، ما أهم المكتسبات التي استطاعت تحقيقها لصالح المرأة المغربية؟

عرفت مسألة ولوج المرأة المغربية للحقوق، تطورا جد إيجابي على مدى العشرية الأخيرة ساهمت فيه مختلف مكونات المجتمع المغربي وبالخصوص التوجيهات السامية لصاحب الجلالة نصره الله. هذه التطورات مست مجالات التمدرس والتموقع في مراكز القرار السياسي والاقتصادي وكذا التمكين من مجموعة من الحقوق ومن منظومة للحماية متطورة ساهمت في تثبيتها مجموعة من القوانين والأوراش من أهمها، إصلاح مدونة الأسرة التي رسخت المساواة بين الرجل والمرأة، خصوصا من خلال إقرار مبدأ المسؤولية المشتركة للزوجين في تدبير الشأن الأسري، وكذا المساواة في العديد من الحقوق، وإصلاح قانون الجنسية الذي يعطي المرأة، على غرار الرجل، الحق في منح جنسيتها الأصلية لأبنائها المزدادين من أب غير مغربي، وتحسن ولوج النساء لمناصب المسؤولية ومناصب القرار السياسي بفضل القوانين المؤطرة التي أدمجت آليات التمييز الايجابي في مقتضياتها، وتوسيع الاستفادة الاقتصادية للنساء من خلال دعم المقاولة والتعاونيات النسائية وإحداث صناديق موجهة للنساء في وضعية صعبة كالنساء الأرامل والنساء المطلقات…

وليتكرس الاتجاه في السنوات الأخيرة، نحو جيل جديد من القوانين، كالقانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي دخل حيز التنفيذ في 13 شتنبر 2018، وهو إطار قانوني معياري متماسك وواضح تم وضعه وفق المبادئ الأساسية المعتمدة في التصدي لظاهرة العنف ضد النساء، وهي: زجر مرتكبي العنف، والوقاية من العنف، وحماية ضحايا العنف، والتكفل بضحايا العنف، والقانون رقم 12-19 المتعلق بشروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، والقانون رقم 14-27 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر وتعديل القانون رقم 7.037 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، والإصلاحات التي مست قانون الشغل والقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، والقانون رقم 15-65المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، ومشروع القانون رقم 45.18 المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين، والذي هو الآن في مرحلة المصادقة من طرف مجلس النواب بعد أن صادق عليه مجلس المستشارين.

 ما زال التمكين السياسي للمرأة، يواجه صعوبات كثيرة جدا، حيث ما زالت تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة ضعيفة، على الرغم من إحداث آلية الكوطا لصالحها، هل ما زال المغرب بعيدا عن إيصال المرأة للمؤسسات المنتخبة، دون اعتماد هذه الآلية؟

عمل المغرب في مجال التمكين السياسي للنساء ودعم مشاركتهن في الحياة السياسية، على اعتماد عدة إجراءات خاصة للتمييز الإيجابي، وذلك منذ سنة 2002، لنصل إلى محطة إحداث دائرة انتخابية وطنية تتكون من 60 مقعدا برلمانيا للنساء سنة2011، في إطار اللائحة الوطنية كما تم تضمين لوائح الترشيح لعضوية مجلس المستشارين، ترشيحات تتناوب بين الذكور والإناث سنة2015 .

وبالنسبة للائحة الشباب فإنها كانت مخصصة للشباب من الجنسين، أي الإناث والذكور، وقد مكنت هذه اللائحة من ولوج 11 شابة إلى البرلمان، وتمكنت أيضا 10 نساء من الفوز بمقاعد عن طريق اللائحة المحلية، وهو ما شكل في المجموع 81 نائبة برلمانية، تمثل نسبة 20 بالمائة من مجموع النواب.

ولعلنا نعيش اليوم، محطة تاريخية بخصوص دعم المشاركة السياسية للنساء، حيت أن مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي تم التداول فيه بالمجلس الوزاري برئاسة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وصادق عليه المجلس الحكومي، خصص ثلثي الترشيحات للنساء في اللوائح الجهوية المتنافس حولها.

ونص المشروع على أنه “يجب أن تشمل كل لائحة ترشيح مقدمة برسم الدوائر الانتخابية الجهوية أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية”، وتخصص المرتبتان الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء”.

وفي الوقت الذي أعلن فيه مشروع القانون أن اللائحة الجهوية لا تحول دون حق النساء في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية، اشترط أن تكون مرشحتا اللوائح الجهوية الأوليتان من النساء.

إن نسبة النساء بالبرلمان في ارتفاع، ليس فقط فيما يتعلق بعدد المقاعد المخصصة عن طريق إجراءات التمييز الإيجابي فقط، وإنما أيضا عن طريق اللوائح المحلية التي نتمنى أن تعرف حضورا قويا للنساء في ترشيحات الأحزاب السياسية على رأس اللوائح، مع الأمل أن تكون الانتخابات المقبلة محطة تحرز فيها النساء عددا من المقاعد يوازي حضورهن ودورهن في المجتمع المغربي وهذا رهان ينبغي أن تعمل عليه الأحزاب السياسية.

هل استطاع أسلوب الكوطا الرفع من أداء البرلمان والمساهمة حقيقة في التمكين السياسي للمرأة على الأقل خلال الولايتين السابقة والحالية أم أنه ليس سوى وسيلة ريعية توظفها بعض الأحزاب السياسية في إطار منطق الولاءات والترضيات؟

لقد ساهمت آلية التمييز الإيجابي/الكوطا في كل البلدان التي اعتمدتها في المساهمة الفعلية في الرفع من تمثيلية النساء، مما انعكس على حضورهن ومساهمتهن الهامة، سواء في المؤسسات التمثيلة أو على مستوى الفضاء العام من خلال الإسهام في نقاش السياسات العمومية والقوانين، وطرح الإشكاليات والترافع حولها.

وعموما تبقى “الكوطا” آلية مرحلية انتقالية في أفق ضمان شروط مشاركة نسائية وازنة وقوية. وأعتقد أن السياق اليوم يقتضي أن نثمن الإطار العام الذي ضمن للمرأة حضورا وازنا ومشرفا في المشهد السياسي.

للأسف، لازالت أغلب الأحزاب السياسية في مختلف بقاع العالم ذكورية، ونتيجة لذلك لابد أن نطالب بزيادة نسبة تمثيلية المرأة، وتقوية حضورها في هياكل القرار الحزبي.

لقد عزز دستور 2011، مبدأ المناصفة من خلال الفصول 19 و 164 خصوصا من حيث تدعيم المشاركة السياسية للنساء، ودعم التمييز الإيجابي والتشجيع على وجود المرأة في الهيئات والأجهزة العامة المنتخبة. كما كرس المغرب هذا المبدأ في بعض القوانين المتعلقة بولوج النساء لمراكز القرار خاصة السياسي منها.

فالدولة تضع آليات تعزيز وجود المرأة في مختلف المؤسسات سواء البرلمان أو الجماعات الترابية والعمالات. والأحزاب السياسية والمؤسسات الوطنية مدعوة لأن تقوي وتدعم هذه الآليات بمزيد من تعزيز وجود المرأة في مراكز القرار، بما يعبر عما يزخر به المغرب من كفاءات نسائية في جميع المجالات منذ القدم. 

ومن جهة أخرى، وجبت الإشارة، إلى أن مؤشرات حضور النساء في وسائل الاعلام لا زال ضعيفا نسبيا، حيث تشير “بيانات التعددية “للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، أن مجموع مداخلات الشخصيات العمومية النسائية في النشرات والمجلات الإخبارية خلال الفصل الرابع من 2020ما نسبته 19.38% مقارنة مع 16 % خلال الفصل الأول من سنة 2020، والذي عرف مشاركة الفاعلات الجمعويات فيه بنسبة 51% من مجموع المداخلات.

وعلى هذا الأساس فمن المهم، أن تفتح مساحات أكبر للنساء، في المجال الإعلامي وعلى مستوى المؤسسات واللجان والهيئات المتواجدة فيها، لإعطاء رأيها واقتراحاتها في جميع المواضيع، دون حصره فيما هو اجتماعي أو ما هو متعلق بموضوع المرأة.

هناك من يرى أنه على الرغم من إقدام المغرب خلال الثلاثين سنة الأخيرة على إصلاحات قانونية مهمة جدا لصالح المرأة، إلا أن هذه الإصلاحات لا يظهر أثرها بقوة على الواقع خصوصا في العالم القروي، كيف تفسرون هذه المسألة؟

لقد عرف المغرب إصلاحات قانونية مهمة، تتوجه إلى حماية النساء سواء في العالم القروي أو الحضري، يتلاءم مع تعزيز المساواة بين الجنسين وعدم التمييز على أساس النوع الاجتماعي، وانسجاما مع دستور سنة2011، الذي يكرس مبادئ المساواة في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات، ومكافحة كل أشكال التمييز لتحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع.

ومن أجل النهوض بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للنساء وحمايتهن وتدعيمهن، تم إحداث مجموعة من المؤسسات الدستورية، أهمها هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، الذي صدر القانون 79.14 المتعلق بتركيبتها وصلاحياتها وأدوارها، وستتولى الهيئة عدة اختصاصات من بينها، رصد أشكال التمييز ضد النساء.

وبالإضافة إلى ما سبق باشر المغرب جملة من الإصلاحات التشريعية التي تعزز المساواة بين الجنسين، وعلى الخصوص، منها ما ينتمي للجيل الأول من الحقوق، كقانون الجنسية ومدونة الشغل ومدونة الأسرة والقانون الجنائي… وهناك الجيل الثاني من القوانين التي استكملت مسلسل الورش التشريعي، كالقانون المتعلق بتمكين النساء من الأراضي السلالية، والقانون الانتخابي، والقانون 103.13 الخاص بالعنف ضد المرأة.

وقد بينت الحصيلة المرحلية بعد مرور سنتين على تطبيق القانون 103.13،عن نقاط أساسية، تتعلق بصدور مجموعة من الأحكام الإيجابية ذات الصلة بالأوامر الحمائية الاستعجالية من قبيل، منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها، أو التواصل معها بأي وسيلة، والأمر بخضوع المعتدي لعلاج نفسي ملائم لمدة ستة أشهر بمستشفى الصحة النفسية، إرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن المعين له من قبل المحكمة، كما صدرت أحكام قضائية تعاقب على العنف النفسي طبقا لقانون 103.13 ، وإقرار إمكانية الجمع بين أكثر من تدبير للحماية في الأحكام الصادرة في قضايا العنف ضد النساء، كمنع المحكوم عليه في قضية عنف زوجي من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان وجودها أو التواصل معها بأي وسيلة لمدة سنة من تاريخ تبليغه هذا القرار والحكم عليه كذلك بالخضوع خلال مدة سنة لعلاج نفسي ملائم.

كما أصدرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عدة قرارات، تضمنت عقوبات ضد 11 متعهد عام و25 متعهد خاص تتعلق بعدم مراقبة البث، وعدم احترام التدابير المتعلقة بالإعلان، وعدم احترام التعددية السياسية ومبدأ المساواة بين الجنسين، تطبيقا للمقتضيات القانونية في المجال.

ومن الأهمية بمكان، أن نستحضر في هذا السياق، الأثر الذي تحدثه البرامج الاجتماعية المختلفة على المرأة والفتاة وخاصة في العالم القروي، من خلال توفير شبكة لدور الطالبة، وبرنامج «الفرصة الثانية”، و”مليون محفظة”، وبرنامج دعم تمدرس الأطفال “تيسير”، ونظام المساعدة الطبية، وصندوق دعم التماسك الاجتماعي، الذي يتضمن برنامجا لدعم الأرامل الحاضنات لأطفالهن اليتامى والأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم والجمعيات العاملة في المجال، وصندوق التكافل العائلي المخصص لدعم المطلقات، وصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، وبرنامج النهوض بخدمات الوساطة الأسرية، وبرنامج الإرشاد الأسري.

ونظرا لما تكتسيه الحماية الاجتماعية، بمكونيها التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، من أهمية بالغة في النهوض بمستوى عيش الأفراد وحمايتهم من المخاطر المجتمعية، أطلق المغرب ورش “إصلاح وحكامة منظومة الحماية الاجتماعية” واعتبره أولوية استراتيجية من أجل تطوير برامج الدعم والحماية الاجتماعية وإحداث نقلة نوعية في المجال. وقد توج هذا المسار بمصادقة المجلس الوزاري المنعقد يوم 11 فبراير 2021 برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على مشروع قانون -إطار يتعلق بالحماية الاجتماعية.

ويشكل هذا المشروع المجتمعي، ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة.

كيف يمكن تجاوز العراقيل والتحديات التي تعيق التمكين السياسي والاقتصادي والتنموي للمرأة في مجتمعنا المغربي، وتحد من مشاركتها في الحياة العامة ومراكز القرار؟

يقوم المغرب بجهود كبيرة في دعم وتمكين المرأة وإدماج منظور النوع الاجتماعي في التشريعات والسياسات العامة والبرامج خلال العشرين الأخيرة، حققت النساء بالمغرب، مكتسبات أساسية، من حيث تأهيل المنظومة القانونية الوطنية وتكريس مبادئ المساواة في المجالات كافة المدنية والسياسية والاقتصادية والبيئية، ومواكبة الأطر والتشريعات الدولية مثل أجندة التنمية المستدامة 2030، وأجندة الاتحاد الافريقي 2063 التي تجعل المساواة على رأس أولوياتها، ومن حيث تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والتزامات المغرب الخارجية بفضل الإرادة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وقد كان لهذه الديناميكية الوطنية أثر مهم على حضور المرأة في المشهد الوطني وإضفاء الطابع المؤسساتي على قيمة المساواة.

ولتجاوز العديد من الاكراهات، قامت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، باعتماد وتنفيذ الخطة الحكومية للمساواة “إكرام1” و “إكرام 2” /2017-2021، والتي تعززت بإعداد البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء والفتيات في أفق 2030، “مغرب التمكين”، بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وذلك من أجل تعزيز الإطار المؤسساتي وتطوير الفرص الاقتصادية للنساء بناء على رؤية شاملة ومنسجمة تستند على الالتقائية، وعلى التدبير القائم على النتائج والمقاربة التشاركية بتنسيق مع جميع الفاعلين والمتدخلين القطاعيين والترابيين، والمؤسسات الاستشارية وهيآت المجتمع المدني.

ويتضمن هذا البرنامج ثلاثة أهداف استراتيجية يتعين تحقيقها بحلول عام 2030 مواءمة مع أهداف التنمية المستدامة: وهي الوصول إلى 30٪ من معدل توظيف الإناث مقابل 19٪ في 2020، للوصول إلى منتصف معدل عمل الذكور على الأقل. ثم مضاعفة نسبة خريجات التعليم المهني لتكون في نفس مستوى الرجال حاليا 8٪ مقابل 4٪، وكذا تعزيز بيئة ملائمة ومستدامة للتمكين الاقتصادي للنساء وحمايتهن وتعزيز حقوقهن…

وقد عملت الوزارة على مباشرة تفعيل التنزيل الترابي لبرنامج “مغرب التمكين”، بتوقيع 12اتفاقية شراكة مع الجماعات الترابية، بميزانية إجمالية تقدر ب124 مليون درهم. وتهم هذه الاتفاقيات دعم المقاولات والتعاونيات النسائية والتأهيل والتمكين الاقتصادي للنساء في وضعية صعبة، والتأهيل والتمكين الاقتصادي للنساء الحرفيات ودعم التعاونيات الحرفية، والتأهيل والتمكين الاقتصادي للنساء والفتيات المنحدرات من أوساط هشة، ودعم الأنشطة المدرة للدخل والتكوين والادماج المهني في سوق الشغل، لفائدة النساء والفتيات ودعم النساء في وضعية صعبة الممتهنات السابقات للتهريب المعيشي.

وتجدر الإشارة إلى أن موضوع الدورة 65 للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة هو “مشاركة المرأة واتخاذها القرارات في الحياة العامة، والقضاء على العنف”، وسيتم تقديم تقرير المملكة المغربية خلال شهر مارس، وهي مناسبة لإبراز جهود تحقيق التنمية المستدامة وتمكين المرأة في الحياة العامة، ومواصلة الجهود والإنجازات، ومناسبة كذلك لنبين ما بذلته النساء المغربيات من جهد، وعلى دورهن الكبير وتجندهن في الصفوف الأمامية طوال فترة جائحة كورونا، وهو ما يعني أن تواجد النساء في الحياة العامة ضرورة ملحة.

كما أننا واعون بالتحديات المطروحة، حيث نقوم بشكل دوري بتقييم للسياسات والمشاريع المبرمجة، وقد أبان تقييم الخطة الحكومية للمساواة1، والذي انبثقت عليه، الخطة الحكومية للمساواة 2، على مجموعة من التحديات يتمثل أبرزها بتجاوز الاستهداف والبرمجة المقتصرة على الإجراءات والأنشطة، واعتماد برمجة استراتيجية تعتمد الأثر والتخطيط المبني على النتائج، والحاجة إلى تحديد الأولويات الاستراتيجية بمقاربة ترابية، عن طريق  فهم و تملك جماعي ، مع اعتماد خريطة مدققة للتفاوتات  المبنية على النوع، وضرورة ترسيخ ثقافة المساواة ومحاربة الصور النمطية.

 

 

 

 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.