حوار.. الحمدواي: القضية الفلسطينية عادت إلى صلب اهتمام الأحرار في العالم

قال محمد الحمداوي، رئيس لجنة الدفاع عن فلسطين لحزب العدالة والتنمية، إن ما تعرضت له فلسطين من اعتداءات وسط صمت دولي رهيب وعجز عربي رسمي مَثل “محطة نوعية في توجيه رصاصة الرحمة لصفقة القرن وكل استحقاقاتها وإلى مسار تهويد القدس ومخطط تهجير من بقي من سكانها خاصة في حي الشيخ جراح المتاخم للمسجد الأقصى”.

وأضاف الحمداوي، في حوار لـ “مجلة العدالة والتنمية” في عددها 29 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، إن هاته الأحداث ساهمت في “عودة القضية الى صلب اهتمام الأحرار في العالم “، مشيرا إلى عودة “التظاهرات المليونية في أهم العواصم الغربية، والمواقف القوية المنحازة إلى الإنسانية في خطاب الأمم المتحدة، وفي تصرفات مشاهير العالم من فنانين ورياضيين وأكاديميين” .
وهذا نص الحوار كاملا:

شهدت القضية الفلسطينية منعطفات تاريخية كبرى، ما هي أبرز هذه التحولات التي رهنت القضية الفلسطينية؟

بسم الله الرحمان الرحيم، أشكركم في” مجلة العدالة والتنمية” على هذه الفرصة التي اتحتموها لي للتواصل مع قرائكم ومع الرأي العام من خلالكم خاصة في هذه الظرفية الدقيقة التي تمر منها أمتنا وفي صلبها القضية الفلسطينية .

ودعونا في البداية نتوقف عند منعطف حاسم شهدته القضية الفلسطينية وأثرت به على العقل السياسي العربي والإسلامي، ذلك أن التأريخ للقضية الفلسطينية حمل كل معاني اليأس ومشاعر الإحباط حتى اتسمت كل المحطات الفاصلة للنضال الفلسطيني والعربي بمسميات النكبة والنكسة والهزيمة في زمن الصراع المسلح وبأسماء الهرولة والتنازل والتخلي عن المقاومة في زمن الاستسلام، ثم التطبيع مرة مقابل الأرض، وثانية مقابل السلام، وثالثة مقابل الرفاه…

بيد أن التحول النوعي والاستراتيجي الذي نقل القضية من الماضي الى المستقبل ومن تاريخ الألم إلى مرحلة الأمل هو بعد الانتفاضات الأولى والثانية والثالثة ثم المقاومة وتبادل القصف والوقف المتزامن لإطلاق النار وصفقات تبادل الأسرى وغيرها..

وهذا المسار ينذر بتحول استراتيجي في مسار القضية التي تريدها الدول الغربية صفقة للقرن تشطب كل الحقوق المشروعة للقضية الفلسطينية وتمكن الكيان الصهيوني من استكمال بناء دولة عنصرية خاصة باليهود، وتهجير ما بقي من أبناء الأرض من بيوتهم .

لكن المقاومة ومعها شعوب الأمة أرادتها معركة القرن حيث تم تعطيل القبة الحديدية وشل قدرات الجيش الذي قيل عن أنه لا يقهر.

غير أن الاحتلال الصهيوني ارتكب قبل أيام مجازر وعدوان غاشم على الفلسطينيين، في ظل السكوت المطبق للفاعلين الدوليين على هذه التجاوزات .

إن هذا الشر الذي تابعناه وسط صمت دولي رهيب وعجز عربي رسمي مَثل محطة نوعية في توجيه رصاصة الرحمة لصفقة القرن وكل استحقاقاتها وإلى مسار تهويد القدس ومخطط تهجير من بقي من سكانها خاصة في حي الشيخ جراح المتاخم للمسجد الأقصى وعودة القضية إلى صلب اهتمام الأحرار في العالم حيث عادت التظاهرات المليونية في أهم العواصم الغربية وعادت المواقف القوية المنحازة إلى الإنسانية في خطاب الأمم المتحدة وفي تصرفات مشاهير العالم من فنانين ورياضيين وأكاديميين .

تميز تحرك الفلسطينيين بالوحدة على جميع المسارات حيث عمت الانتفاضة القدس وأحيائها القديمة وباحات الأقصى كما شملت أراضي الضفة وغزة. كيف تقرؤون التحرك الفلسطيني ضد هذا العدوان الصهيوني الأخير؟

عندما نعود إلى سياق العدوان وما تلاه من دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم نجد جميع الأحداث ترجع إلى سبب واحد وهذا السبب هو القدس والمسجد الأقصى، من خلال إصرار الكيان الصهيوني على اقتحام الأقصى للاحتفال بالنكبة في عز رمضان والاعتداء على المعتكفين فيه والساجدين ومنع تنظيم الانتخابات الفلسطينية في القدس والشروع في تهجير قاطني حي الشيخ جراح والإمعان في أعمال التهويد .

وعندما يجتمع التهويد والاستيطان و حصار غزة وخنق الضفة، فان شروط الانتفاضة تكون قد نضجت، واندلاع موجة مقاومة جديدة قد أزفت .

لذلك فإن دماء المصلين واستنجاد المقدسيين بالمقاومة قد جعل هذه الهبة الفلسطينية، حملت عنوان القدس وتزودت ببركة المكان وهو المسجد الأقصى وأكنافه وبركة الزمان وهو العشر الاواخر من رمضان، مما أضفى على هذه الجولة للمقاومة أبعادا روحية ودلالات إيمانية كان لها دور حاسم في الصمود وفي النصر أيضا،

ومن نتائج ذلك هو عودة التلازم بين غزة والقدس ورجوع النضال الفلسطيني إلى خيار المقاومة وإنهاء الانقسام.

ومن نتائجه أيضا سقوط أوهام السلام ومزاعم التطبيع وانكشاف محدودية اتفاقيات ابرهام الخادعة من ايقاف دم الأطفال والنساء ونسف الابراج السكنية والاعلامية مما جعل مطالب ملاحقة مجرمي الحرب تعود لتتصدر المطالب العالمية.

تفجرت بعد هذا العدوان مواجهة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية خاصة بقطاع غزة، انتهت بوقف إطلاق النار بين الطرفين. أي دلالة يحملها صمود المقاومة لأزيد من 11 يوما من القصف والدمار والمجازر المروعة؟

الصمود له دلالة واحدة هي منع الاحتلال من تحقيق أهدافه من هذا العدوان الآثم، فهو لم يفلح في وقف الصواريخ التي تنعت بالعبثية ولم يستطع الوصول إلى قادة المقاومة ولا الحد من قدراتها الدفاعية والردعية، ولم يفلح في النيل من الحاضنة الشعبية للمقاومة، بل واستعادت حاضنة الأمة بعد سبات طويل ولأول مرة نجد شعوب دول الطوق لا تحفل بالمخاطر وتتحرك لتعبر الحدود للالتحام مع الفلسطينيين، ولأول مرة بعد عشرات السنين نجد النضال الفلسطيني متناغما ومتوازيا  في أحياء القدس وشوارع الضفة الغربية ومدن غزة،  ومنذ مدة طويلة لم نسمع فيها تحرك لإدانة الصهاينة في المؤسسات الأمنية ومطالب بالملاحقات الجنائية لمجرمي الحرب الصهاينة .

على ذكر الموقف الدولي، كيف تنظرون الى مستقبل القضية الفلسطينية في سلم الأولويات والأجندات الدولية؟

إن علامات النصر أيضا تقرأ من خلال مؤشر الموقف الدولي، فكلما وجدنا تلكؤا في الموقف الدولي واستعمالا للفيتو ضد إدانة العدوان وكلما وجدنا تباطؤا في التحرك لإيقاف إطلاق النار، وإصرارا على حضور لغة حق دفاع الكيان الصهيوني عن نفسه أيقنا أن الكفة راجحة لفائدة العدوان ولفائدة هذا الكيان المحتل، لكن وفي المقابل كلما وجدنا تسابقا في المبادرات لإيقاف إطلاق النار وكلما كانت الهرولة في تصدر الوساطات من قبل الدول الداعمة للكيان الصهيوني  نكون على يقين أن المقاومة نجحت في ردع العدوان،  وأن خسائر العدو أكثر بكثير مما تتحدث عنه الصحافة التي تقع تحت هيمنته.

ولذلك فالموقف الدولي سيكون محكوما بالنتائج المحققة وبالمعادلات المفروضة على الأرض، وهي أن العدو الصهيوني لم يعد بمقدوره الذهاب إلى العدوان بنفسية التنزه .

في العالم الإسلامي والمغرب بالخصوص عبرت كل الأطياف سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي هيئات حزبية ومنظمات وتنظيمات مناصرة للقضية عن مساندة قوية للقضية الفلسطينية واستنكارها للعدوان، كيف تابعتم هذا الحراك لنصرة المقدسيين؟

نستطيع أن نقول إن موقف الأمة الرسمي والشعبي كان أفضل من مراحل سابقة، ذلك أن التفاعل الشعبي بالمظاهرات العفوية والشعارات القوية وكذا الدور الحاسم للمقاومة الالكترونية والفاعلية غير المعهودة لمناصري فلسطين في الوسائط الاجتماعية كلها عوامل حسنت بشكل كبير من الأداء العام الذي رفع من سقف التضامن الشعبي والرسمي معا إلى درجة خروج أمير الشبكات الاجتماعية عن حيادها وإعلان تحيزها المعيب الى العدوان الصهيوني بفرض رقابة على حرية للتعبير وعلى المحتوى المناهض لقتل الأطفال والنساء ولقصف أبراج وسائل الاعلام الدولية …

كيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية بعد الأحداث الأخيرة، أي بعد انتصار المقاومة، وبعد تجدد حضور القضية الفلسطينية ضمن أولويات الفاعلين في الساحة الدولية، وتجذرها بشكل متجدد في العمق الشعبي لمجموعة من بلدان العالم؟

دائما كانت الأحداث الكبرى في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس تمثل بداية لمرحلة جديدة في النضال من أجل تحرير فلسطين وكذا في مسيرة الأمة لاستئناف نهضتها واستعادة دورها .

وبإذن الله فالنتائج المحققة في هذه المعركة في السياق الراهن دوليا وإقليميا تحمل بشارات بغد أفضل يكون الحديث الاكثر مصداقية فيه لدى الشعوب هو حديث التحرير وحديث بناء الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس والحديث الأكثر استمالة للشعوب هو الحديث عن حق العودة وإنهاء الاستيطان والتهويد وحماية المدنيين، وحديث التوازن في الخطاب الدولي اتجاه الفلسطينيين، وهو الخطاب الذي سينعش الأمل في موجة جديدة من موجات الخيار الديموقراطي والتحرر الانساني وانحصار خطاب النكوص والاستبداد والاستعمار والاحتلال.

المستقبل إن شاء الله واعد باحتضان أكبر لقضية فلسطين ودعم صمود أهلها وإنهاء الحصار الظالم على غزة وفتح المعابر وإنهاء الانقسام الفلسطيني ونهاية الأساطير المؤسسة لصفقة القرن، هذا هو المستقبل الذي كان البعض يراه بعيدا وساهمت المقاومة بإنجازاتها وأداء قادتها في تقريبه للجميع حتى أصبحنا نراه قريبا بإذن الله.

أسس حزب العدالة والتنمية لجنة مركزية لدعم فلسطين، نريد أن نعرف غايات تأسيسها؟ وكيف تشتغل؟ وما برامجها المستقبلية لنصرة القضية الفلسطينية؟

بعد التوقيع الثلاثي وما تعرض له حزب العدالة والتنمية من اتهام بالتطبيع، ومن خلال النقاش الداخلي، كان لزاما أن يتفاعل الحزب مع هذا الوضع الجديد، بحيث بادر بإحداث لجنة مركزية لدعم فلسطين تحت إشراف الأمانة العامة، والقصد من ذلك هو تنظيم فعاليات تعبر عن الموقف الذي لا يتغير ولن يتغير من القضية الفلسطينية كما صرح بذلك الأمين العام للحزب في مناسبات متعددة، وكما صدر في بيانات الأمانة العامة، والبيان الذي صدر عن المجلس الوطني الذي انعقد بخصوص الموضوع، وبالتالي فإن هذه اللجنة تم تأسيسها لرعاية ذلك الزخم ومكانة القضية الفلسطينية في وجدان أعضاء العدالة والتنمية.

ومن هذا المنطلق، ومنذ بداية الهجوم على حي الشيخ جراح، أصدرت الأمانة العامة توجيها لكل الأعضاء للمشاركة في كل الفعاليات المساندة للقضية الفلسطينية في كل مدن المغرب، وأعطت أيضا انطلاقة عملية التبرع المالي لفائدة بيت مال القدس لدعم وتثبيت المقدسيين وذلك بالمساهمة في ترميم بيوت الفقراء الذين يراد إخراجهم منها، أو دعم المرابطين الذين يتعرضون للاضطهاد والقصف بالقنابل حتى وهم يأدون صلواتهم.

ومع تصاعد الأحداث كانت مجموعة من المهرجانات في كثير من المدن شاركت فيها رموز وقيادات من فلسطين، سواء من رموز صمود المقدسيين أو رموز المقاومة، وكان آخرها نشاط عام هو المهرجان الذي خطط أن يكون من أجل التضامن وإعلان الدعم والتعبئة للفلسطينيين، واذا به تحول الى مهرجان للاحتفاء بالنصر وتقاسم معاني الاعتزاز والفخر بما قدمه الشعب الفلسطيني في هاته الملحمة، حيث خاطب الشعب المغربي رمزين من رموز المقاومة الفلسطينية الاسلامية والمسيحية، وهما السيد خالد مشعل والمطران حنا اللذين تقاسما رؤيتهما للقضية ومعاني النصر مع الشعب المغربي الى جانب قادة حزب العدالة والتنمية.

بالنسبة إلينا في العدالة والتنمية كانت هذه الأحداث امتحانا وفرصة في الآن ذاته، فهي امتحان في إمكان تجسيد ما عبرنا عنه كحزب من ثباتنا على نفس مواقفنا اتجاه فلسطين واتجاه الحقوق الفلسطينية وضد الاختراق الصهيوني، وهو فرصة لنظهر لجميع من تسرع في اتهام الحزب بالتراجع عن ثوابته وخياراته ومبادئه لأسباب تتعلق بالإكراه الحكومي أو بالموقع والمنصب سواء داخل المغرب أو خارجه.

وبخصوص الشق الآخر من السؤال، المتعلق باشتغال اللجنة في المستقبل، فتفاعل اللجنة مع الأحداث الأخيرة التي وقعت يعتبر فقط محطة من محطات اشتغالنا، لكن نحن واعون بعد وقف إطلاق النار، أن اللجنة ستكون أمام تحديات، من بينها وضع برنامج فيه معاني الاستدامة والاستمرارية واليقظة، وأعني بالاستدامة ألا نتوقف عند الفعاليات التي تجسد التعاطف الحماسي، أي نتألم ونغضب عندما يتعرض الفلسطينيون للاعتداء، أو نتقاسم الفرح عندما يسجلون انتصارات، نعم هذا مهم ودليل على حياة القضية، ولكن يجب ألا نقف عند هذا الحد، لأن القضية مستمرة وتحتاج يقظة دائمة للتنبيه إلى كل اشكال الاختراق التطبيعي، من خلال الاستمرار في الإبداع والابتكار في وسائل التضامن والإسناد للشعب الفلسطيني لتحقيق استقلاله، وبناء دولته، دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.