تهافت مزاعم “التلاعب” بمؤتمر حزب المصباح

حسن بويخف

ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال، لأنني قررت مؤقتا إغلاق قوس الكتابة في السياسة، وفي الأخير رجحت أن يكون هذا المقال هو ما أغلق به ذلك القوس لأفتح أقواسا أخرى في عوالم أرحب وأوسع، ولأنني عضو في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وفي إدارته العامة، وجدتني معنيا بموضوعه بشكل يفرض علي الواجب الأخلاقي الخوض فيه. 

إن أقل ما يمكن أن توصف به الحلقة الأخيرة من حلقات “ع بالسياسة”، التي يبثها الأخ عبد الصمد بنعباد على اليوتوب تحت عنوان “هكذا تم التلاعب بأعضاء العدالة والتنمية في برلمان الحزب”، هو التهافت. ذلك أن هذا الأخير لم يوفق نهائيا في تحليله وفي حكمه على انعقاد المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في دورة استثنائية يوم السبت 18 شتنبر 2021، ووقع في زلات كثيرة غير مبررة، وفي ظلم كبير للمجلس الوطني وباقي هيئات الحزب وقياداته. 

وإذا كان من حق الأخ عبد الصمد أن يبدأ كلامه بالتهكم من أعضاء المجلس الوطني، وأن يستعمل خطابا لا أخلاقيا في مقاربة مخرجات المجلس الوطني بالحديث عن أنه (مجلس ديال “القوالب”)، وهو بالمناسبة لفظ فاحش بدأ مؤخرا يتسرب إلى التداول العمومي بعد التطبيع المتدرج معه، والذي سنعوضه بلفظة “التلاعب” احتراما للقارئ. وإذا كان له الحق في أن “لا تعجبه” لا مخرجات المجلس الوطني ولا حتى انعقاده، فإنه لا يحق له بالمطلق أن يقدم أعضاء المجلس الوطني في صورة المغفلين الذين لا يفهمون لا في قوانين الحزب ولا في السياسة، وأن يفتري على المجلس الوطني، وأن يقوم بقراءات تعسفية لوقائعه ولمخرجاته. وسمح لنفسه بكيل تهم التآمر لكل هيئات الحزب، من الأمانة العامة، ومكتب المجلس الوطني، والإدارة العامة، وغيرها.

وبما أن العمود الفقري لكلام الأخ عبد الصمد، الذي تحدث كخبير في قوانين الحزب، يدور حول هذه القوانين التي يزعم بوثوقية غريبة أنها انتهكت، والتي لم يستطع أن يعزز مزاعمه الخطيرة ولو بنص واحد منها، وقدم فهما خاصا مخالفا لصريحها، بل وأحال على ما أسماه “المادة 16” دون أن ينسبها لأي قانون من قوانين الحزب، والتي لم أجد لها أثرا لا في النظام الأساسي للحزب ولا في نظامه الداخلي، رغم كل هذا سنكتفي بدحض تلك المزاعم بما له علاقة بتلك القوانين، وخاصة النظام الأساسي للحزب ونظامه الداخلي.

أولا، دحض مزاعم “التلاعب” في استقالة الأمانة العامة والأمين العام:

جزم الأخ عبد الصمد أن استقالة الأمانة العامة والأمين العام لم تحترما أي شيء في قوانين الحزب لأنهما لم تحالا على المجلس الوطني! وتحدث بلغة العارف بما جرى في المجلس الوطني، لكنه قفز على أمر مهم، وهو أن طبيعة استقالة الأمانة العامة تمت مناقشتها في المجلس، وتم التوقف عندها، وأعطيت فيها التوضيحات المؤطرة بالقانون. ما يعني أن ما حاول الأخ عبد الصمد تقديمه في هذه النقطة كأنه “اكتشاف” او “سبق إعلامي” أو غير ذلك، أمر نوقش في المجلس الوطني ولم يأت فيه بجديد. 

وكما قال الأخ عبد الصمد نفسه، فحزب المصباح معروف باحترامه الصارم للقانون. ويعلم أن البعد الشكلي في القوانين هو الذي يحدد، قبل المضمون، مدى قانونية أي إجراء من عدمه. وبالرجوع إلى موضوع الحق في الاستقالة في الحزب نجدها منظمة بشكليات واضحة ودقيقة. 

وللتوضيح نقول: بداية، لا يوجد في قوانين الحزب شيء اسمه “استقالة جماعية”، كما لا توجد في أي قانون، فالقاعدة العامة هي أن تولي المسؤوليات يكون فرديا والاستقالة منها تكون فردية أيضا لحفظ حدود مسؤولية الفرد وتمييزه عن مسؤولية الجماعة، وحماية حريته من أن تخضع لضغط تلك الجماعة. 

ثم إن العضو لا يعتبر مُقالا بمجرد كتابته بيانا للعموم أو إعلانه تصريحا، او كتابته تدوينة… فجميع أشكال الإعلان عن الاستقالة ما لم تترجم إلى الأشكال التي حددها القانون فلا عبرة بها قانونيا إلا ان تعزز بانقطاع مخل يحولها إلى إقالة، والمؤسسات تأخذ علما بطلب الاستقالة عن طريق القنوات القانونية وليس عبر الاعلام أو النميمة. فالمادة 84 من النظام الداخلي تنص على أنه ” تتم الاستقالة من عضوية هيئة في الحزب بتقديم طلب مكتوب إلى رئيس الهيئة المعنية وقبولها له”. وتضيف المادة 85 من النظام الداخلي أنه “تتم الاستقالة من رئاسة هيئة في الحزب برفع طلب مكتوب إلى رئيس الهيئة الأعلى وقبولها له، وفي حالة استقالة الأمين العام أو رئيس المجلس الوطني يرفع الطلب للمجلس الوطني للبت فيه”.

وهنا واضح أنه من الناحية القانونية ما لم تكتب تلك الاستقالة بصفة شخصية منفردة، وتقدم للهيئات المخولة قانونا بالنظر فيها، فلا يترتب عنها أي أثر قانوني. وهذه الشكليات لم تباشر في موضوع استقالة الأمانة العامة ولا الأمين العام، لذلك فالجميع اعتبر “الاستقالة الجماعية” استقالة سياسية. وقد حاول الأخ عبد الصمد القفز على هذا الجانب الشكلي بمحاولة تأويل مفهوم “الإحالة” على المجلس الوطني، واعتبر أن مجرد إعلان الاستقالة في الاعلام، وعبر بلاغ مكتوب ومنشور للعموم، هو “إحالة” على المجلس الوطني ! وحاول الظهور بمظهر الفاهم حين جزم أنه لو كان في المجلس الوطني شخص واحد يعمل من أجل مصلحة الحزب لا لمصلحة فئة فيه، قبل أن يستدرك ليحصر الأمر في الأمانة العامة ومكتب المجلس الوطني، لقدم البلاغ للمجلس! وبغض النظر عن الطعن الواضح في نوايا أعضاء مكتب المجلس الوطني والأمانة العامة وأعضاء المجلس الوطني باستثناء من استثناهم، فإن الأخ عبد الصمد لا يميز بين ما هو قانوني وما هو سياسي، بل يعتبر كل هذا “فدلكة” للتلاعب بالقانون. غير أن هذا الفهم الجديد لمفهوم “الإحالة القانونية” ولا هذا الاجتهاد لم يعززهما بأي نص من قوانين الحزب، وكل ما حاوله هو دعم رأيه بادعاء وجود واقعة عضو في “دوار” يكتب تدوينة في فايسبوك يعلن فيها استقالته، فتنعقد هيئة لتعتبرها استقالة قانونية، وترفعها لهيئة أعلى للمصادقة عليها! وهذا حتى إن افترضنا وقوعه جدلا، فهو لا يصلح كحجة ولا كقرينة في ما نحن بصدد مناقشته. إذ الأمر يتعلق بالأمانة العامة للحزب وبرلمانه، وهما هيئتان تضمان ما في الحزب من خبراء القانون والتنظيم، بل إن الحالة المشار إليها إن وقعت فعلا فهي حالة مناقضة لمقتضى المادة 84 المشار إليها أعلاه، ولا يُعذر أحد بجهله للقانون. 

ومن حق الأخ عبد الصمد أن يدلي بآرائه الحرة في قوانين الحزب، لكن ليس له أن يحدث قواعد ليست فيها ويوهم مستمعيه أنها منه، ولا حتى أن يفسرها، ذلك أن تفسير النظام الأساسي للحزب (المادة 105) وتفسير نظامه الداخلي (المادة 109) موكولان حصريا للأمانة العامة للحزب بحكم تلك القوانين نفسه، وهو إجراء قديم في قوانين الحزب. 

فعلى أي سند قانوني اعتمد الأخ عبد الصمد لاعتبار بلاغ الأمانة العامة “إحالة” لاستقالتها على المجلس الوطني؟ إننا أمام مجرد رأي ليس له أساس قانوني.

ومن جهة أخرى، وخلاف ما ذهب إليه الأخ عبد الصمد، فالمجلس الوطني ليس من اختصاصاته قانونا النظر في استقالة أعضاء الأمانة العامة، وإنما ينظر في استقالة الأمين العام وحدها إذا أحيلت عليه وفق الشكليات المحددة بالقانون. ومثل هذه الزلات تؤكد جهل الأخ عبد الصمد بقوانين الحزب التي يحاكم الناس إليها.

والخلاصة أن المجلس الوطني لم تكن في جدول أعماله مناقشة استقالة لم تُحَل عليه وفق المقتضيات القانونية. لذلك لم يناقشها المجلس من الناحية التنظيمية المنظمة بالقانون لأنها لم تكن تنظيمية ولا مطروحة عليه، ولكن ناقشها وقيمها سياسيا، والتوضيحات التي أعطيت في هذا الشأن أكدت أن الأمر لا يتعلق باستقالة تنظيمية. وهذا التمييز بين الشكلين، السياسي والتنظيمي، مهم جدا، ومحاولة إقامة التناقض بينهما لا ينبني على أي أساس، لا قانوني ولا سياسي. لكن الأخ عبد الصمد يتعسف على قوانين الحزب وعلى المجلس الوطني ويفرض عليه مناقشة استقالة الأمين العام دون أن يكتبها هذا الأخير ودون أن يحيلها على مكتب المجلس!

إن الأمانة العامة قدرت أن تعلن استقالتها الجماعية كشكل سياسي للتعبير عن موقفها مما حصل في الانتخابات وتحملا لمسؤوليتها السياسية، وقدرت أيضا أن لا تباشرها تنظيميا وأن تدعو مقابل لذلك إلى مؤتمر استثنائي لاختيار قيادة جديدة، وقد فشل الأخ عبد الصمد في أن يبين لنا أين وكيف خالفت الأمانة العامة قوانين الحزب في هذا التقدير السياسي والتنظيمي. 

وبالطبع أخلاقيا، لا يمكن أن تعلن استقالتك السياسة وتستمر في ممارسة مهامك كأن شيئا لم يقع. وفي المقابل لا يمكن لأحد، وفق قانون بلدنا ووفق قوانين الحزب، مطالبة الأمانة العامة بمباشرة إجراءات الاستقالة التنظيمية. لذلك وجب على الأمانة العامة اتخاد إجراء يرفع هذا اللبس. وهنا ليس أمامها في التقدير، سوى خياران قانونيان، إما أن تقدم استقالتها وفق الشكليات المحددة بالقانون، وإما أن تدعو لعقد مؤتمر وطني استثنائي لانتخاب قيادة جديدة، وهو ما تم. والخلاصة أن وضعية الأمانة العامة وضعية قانونية سليمة، ومحاولة خلق تناقض بين هذا الوضع القانوني السليم وإعلانها استقالتها سياسيا، محاولة تتجاهل دعوتها لعقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة، علما أن هذا المؤتمر حددت له آجال قريبة جدا لا تتجاوز نهاية شهر أكتوبر 2021، مما يعني أننا في وضعية معقولة لا يمكن الحديث فيها عن “التلاعب” بلغة غير مقبولة. ونتيجة لذلك فكل الكلام الذي قاله الأخ عبد الصمد في هذه النقطة لا يقوم على أساس وهو مجرد رأي يحترم، رغم أنه يخالف قوانين الحزب.

ثانيا، دحض مزاعم “التلاعب” بالتهرب من المحاسبة: 

هنا قام الأخ عبد الصمد بجهد كبير في محاولة تفسير عدم استقالة الأمانة العامة تنظيميا على أنه “تلاعب” وأن هدفها من ذلك هو التهرب من المحاسبة، بل ومن “المحاكمة”، ورغم أنه ارتبك في الحديث عن التصويت على استقالة الأمانة العامة تارة بالقول ن لتجنب خروج الأمانة العامة بصفر صوت على استقالتها، ما يعني عدم قبولها، وتارة بالقول إن المجلس لو أتيحت له الفرصة لأقالها، ولما صوت لصالح بقائها أزيد من 5 أعضاء! وهذا الاستنتاج الأخير كاف لدحض كل مزاعم التي تدعي مخالفة القوانين، إذ لو كان المجلس الوطني رافضا للأمانة العامة بذلك الشكل، وكانت هناك مخالفة للقانون لانفجر المجلس ولرفض أن يستمر في جدول أعمال مخالف للقانون، لكن الأخ عبد الصمد يقدم لنا أعضاء المجلس في صورة مغفلين يفهم وحده من قوانين الحزب ما لا يفهمون. 

وقد بينا سابقا أن المجلس الوطني، بحكم القانون، ليس من صلاحيته مناقشة استقالة لم تحل عليه بشكل قانوني. والغريب أن الأخ عبد الصمد، يتخيل حلولا مستغربة، حين تحدث عن أن بلاغ الاستقالة الجماعية للأمانة العامة، لو وجد من يطرحه من أعضاء مكتب المجلس الوطني، الذي اتهم جميع أعضائه كلهم بالتواطؤ، لوجدت طريقها إلى المناقشة، وهو جهل بالقانون كبير. فاستقالة شخص لا يمكن أن يقدمها أي شخص آخر، وبأي شكل من الأشكال، نيابة عنه، فهو الوحيد الذي عليه أن يقدمها ما دامت استقالة وليست إقالة، وهو ما لم يتم، فهل المطلوب إرغام الأمين العام على كتابة نص الاستقالة، وتقديمها لرئيس المجلس الوطني، كي يتم ما تخيله الأخ عبد الصمد من مشاهد التصويت العقابي والمحاكمة؟

وكلمة “المحاسبة / المحاكمة” يقدمها الأخ عبد الصمد وكأنها شيء يختلف عن تعبير أعضاء المجلس الوطني عن مواقفهم الحرة مما جرى. وقفز على معطيين مهمين، الأول هو أن الأمانة العامة، التي دعت إلى انعقاد دورة استثنائية للمجلس الوطني، هي التي حددت أن يكون في جدول أعماله ” تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة”! فهل هذا تهرب؟ الثاني أن المجلس الوطني أدرج فعلا في جدول أعماله تلك النقطة، وقام فعلا بتقييم عام لما حدث، وأن أزيد من 170 عضوا تناوبوا على أخد الكلمة والتعبير عن مواقفهم بكل حرية، فهل هذه ليست محاسبة؟ وهل الأخ عبد الصمد أفطن من هؤلاء كلهم، وأنه ينفرد بذلك الفهم الخاص لقوانين الحزب؟  وبالطبع الأخ عبد الصمد تسلح ببلاغ المجلس الوطني، والذي لم يحاسب الأمانة العامة، ونسي أن تقييم الانتخابات لم يستبعد مسؤولية الأمانة العامة، لكن لم يجعلها الوحيدة والحاسمة، بل هناك عوامل موضوعية تم التفصيل فيها كانت حاضرة بقوة، وأن التوجه الغالب في النقاش هو ما العمل من أجل مستقبل أفضل للحزب؟ وهل نفهم من موقف الأخ عبد الصمد من الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني حين لم “تعجبه” أنه كان ينتظر “سلخ” الأمانة العامة في بلاغها الموجه للرأي العام؟ 

ثالثا، دحض مزاعم “التلاعب” المتعلق بوضع جدول أعمال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني والمؤتمر الاستثنائي.

لم يتقبل الأخ عبد الصمد أن تكون الأمانة العامة هي من وضعت جدول أعمال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني، والمؤتمر الوطني الاستثنائي، واعتبر ذلك دليل تلاعبها بالهيئتين الوطنيتين، بل وتحكمها فيهما، وبنى على ذلك الاستنتاج غير الصحيح تصورا حول تحكمها حتى في القيادة المقبلة بتحديد وظيفتها ودورها!

وقبل معالجة مسألة جدول الأعمال، دعونا أولا نعالج مسألة من له الحق في الدعوة إلى الانعقاد الاستثنائي للهيئتين، وهذه المسألة عالجتها المادة 24 و 42 من النظام الأساسي للحزب، ونصت الأولى بشكل واضح على أنه “ينعقد المؤتمر الوطني بصفة عادية مرة كل أربع سنوات وبصفة استثنائية بقرار من المجس الوطني أو بقرار من الأمانة العامة بأغلبية ثلثي أعضائها”. وبالنسبة للدورة الاستثنائية للمجلس الوطني نجد المادة 42 من النظام الأساسي واضحة أيضا، وتنص على أنه “ينعقد المجلس الوطني بصفة عادية مرة في السنة وبصفة استثنائية بقرار من الأمانة العامة أو بدعوة من مكتبه أو بناء على طلب ثلث أعضاء المجلس على الأقل”   

وهذه المواد حصرت الدعوة إلى انعقاد الدورة الاستثنائية للمؤتمر الوطني في هيئتين، هما المجلس الوطني، والأمانة العامة بقرار من ثلثي أعضائها. وانعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني في ثلاثة جهات هي الأمانة العامة، ومكتب المجلس، وثلثي أعضاء المجلس الوطني. والحالة التي نناقشها اليوم تتعلق بدعوة الأمانة العامة للحزب بإجماع أعضائها (25 عضوا الذين حضروا الاجتماع من أصل 30 عضوا) إلى انعقاد المؤتمر الاستثنائي والدورة الاستثنائية للمجلس الوطني. مما يدل على أن الأمانة العامة مارست حقها بشكل قانوني لا غبار عليه، وبقوة القانون لا يمكن لأية جهة الاعتراض على ذلك الحق. لذلك لم يكن ممكنا بالمطلق مناقشة قرار الأمانة العامة بعقد الهيئتين بشكل استثنائي والحسم فيهما داخل الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني، وخلاف ما يدعيه الأخ عبد الصمد، فعرض انعقاد المؤتمر الوطني الاستثنائي للمصادقة على المجلس الوطني غير قانوني، وإلا فما عليه سوى أن يأتي بما يفيد عكس ذلك في قوانين الحزب.

أما فيما يتعلق بوضع جدول أعمال الانعقاد الاستثنائي للهيئات، كيفما كانت، فالقاعدة القانونية العامة التي لا تخص قوانين حزب المصباح، ونجدها تحكم الانعقاد الاستثنائي لأي هيئة تحترم أبجديات التنظيم حتى على المستوى الدولي، هي أن الجهة التي تدعو إلى الانعقاد الاستثنائي لهيئة معينة هي من تقترح جدول أعمالها. 

وقد ركز الأخ عبد الصمد على جدول أعمال المؤتمر الاستثنائي، وزعم أن المجلس الوطني هو من يجب أن يضعه، وبالرجوع إلى النظام الداخلي للحزب، وبالضبط الفقرة 2 من المادة 28، نجدها تنص على ما يلي: ” َّيحدد جدول أعمال الدورة الاستثنائية للمؤتمر الوطني بقرار من الهيئة التي دعت إليها”. وهي مادة صريحة تؤكد أن الأمانة العامة التي دعت إلى انعقاد المؤتمر الاستثنائي هي المخولة قانونا بوضع جدول أعماله. وبناء على هذا لم يكن من الممكن قانونيا أن يدرج المجلس الوطني في جدول أعماله مناقشة جدول أعمال المؤتمر الوطني الاستثنائي.

فعن أي تلاعب يتحدث الأخ عبد الصمد، في مسألة وضع جدول أعمال المؤتمر الاستثنائي؟

رابعا، دحض مزاعم “التلاعب” المتعلقة بانتخاب لجنة رئاسة المؤتمر: 

ضدا على صريح النظام الداخلي للحزب يزعم الأخ عبد الصمد أن لجنة رئاسة المؤتمر تستمر مهامها بعد انتهاء أشغال المؤتمر الوطني العادي في جميع المؤتمرات الاستثنائية التي تأتي بعده إلى أن ينعقد المؤتمر العادي الموالي. ويتحدث بوثوقية غريبة عن أن النص في هذه المسألة واضح ولا يقبل التأويل، وغير ذلك من التعابير التي انغمس بها عميقا في أوحال الأوهام والخطأ، دون ان يقدم أي نص في الأمر أو يحيل عليه. وهذا زعم باطل تضحه المادة 34 من النظام الداخلي الواضحة فعلا والتي لا تقبل التأويل، والتي تؤكد بصريح العبارة أنه” تنتهي صلاحيات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني بانعقاده، وتنتهي صلاحيات لجنة رئاسة المؤتمر بانتهاء أشغاله”. وواضح من منطوق المادة أن صلاحيات لجنة رئاسة المؤتمر انتهت بانتهاء أشغاله، وبناء عليها انتخب المجلس لجنة رئاسة المؤتمر الاستثنائي. لكن الأخ عبد الصمد، وإمعانا في الخطأ، اعتبر أن انتخاب نفس أعضاء اللجنة السابقة “فضيحة” دون أن يبين وجه ذلك! وإذا ظهر السبب بطل العجب، فالأخ عبد الصمد يتحدث في الشأن القانوني للحزب من “عندياته” كما يقال، لذلك في هذه النقطة حاول أن يستخرج من قبعة أخطائه أرانب يسحر بها العقول بإيهام جمهوره أن هذا دليل آخر على تحكم الأمانة العامة واستخفافها بالمجلس الوطني! والواقع أنه لم يطلع على قوانين الحزب في جميع مزاعمه التي جعلها موضوع الحلقة الأخيرة من حلقات “ع بالسياسة” ويستخف بذلك بعقول جمهوره. فبماذا يمكن وصف الجرأة التي تحدث بها في هذه النقطة جازما أنها تخالف القانون؟ أليست أيضا “فضيحة” إذا ما قارناها بحجم وطبيعة الاتهامات التي كالها للأمانة العامة ومكتب المجلس الوطني والإدارة العامة للحزب بناء على فهمه الخاطئ؟

خامسا، دحض مزاعم “التلاعب” بالتحكم في القيادة المقبلة:

هنا لم يستوعب الأخ عبد الصمد أن المؤتمر الاستثنائي ليس بديلا عن المؤتمر العادي، والذي تحكمه آجال قانونية لا يمكن تمطيطها زيادة عن حد معقول. كما لم يستوعب أن المؤتمر الاستثنائي لديه نقطة واحدة ووحيدة في جدول أعماله، وفق ما بيناه من الناحية القانونية سابقا، وهي انتخاب قيادة جديدة. وبين حضور المؤتمر الوطني العادي في أجندة الحزب في إطار زمني محدد، وضرورة انتخاب قيادة جديدة، فهذه الأخيرة لن يكون بوسعها سوى الإعداد للمؤتمر الوطني العادي، في المدة الضرورية والكافية لذلك، وصيانة وتعزيز الصف الداخلي. وبالطبع فهي ستكون قيادة كاملة الصلاحية التي تعطيها لها قوانين الحزب، ولا أحد يمكنه الحد من تلك الصلاحيات، بما فيها صلاحية اقتراح التاريخ الذي سيتم تحديده لعقد المؤتمر الوطني العادي. فعن أي “تلاعب” يمكن للأخ عبد الصمد الحديث عنه؟ وماذا يقترح للقيادة الجديدة المقبلة غير الاعداد للمؤتمر الوطني العادي، وصيانة الصف الداخلي؟ وأين يخالف كل هذا قوانين الحزب؟ 

سادسا دحض مزاعم التلاعب بإصدار البيان الختامي:

في هذه النقطة ينكشف سوء اطلاع الأخ عبد الصمد على مجريات النقاش في المجلس الوطني، فهو يزعم أن الأمانة العامة دفعت المجلس الوطني إلى إصدار بيان يعلن فيه موقفه نيابة عنها ولتتجنب هي إعلان الموقف من الانتخابات، بل اتهمها بأن سربت المواقف التي تريدها هي من خلال البيان، وأظهر أعضاء المجلس الوطني وكأنهم مجرد دمى ترفع الأيادي عند إشارة الأمين العام. وهذا افتراء فظيع يخالف مجريات الأمور، أولا، لأن الأمانة العامة أصدرت موقفها السياسي من الانتخابات في البلاغ الذي أعلنت فيه استقالتها الجماعية يوم 9 شتنبر. ثانيا، جدول أعمال المجلس الوطني الذي اقترحته الأمانة العامة لا يتضمن إصدار أي بيان أو بلاغ، وأن أعضاء المجلس الوطني من خلال نقط نظام هم من طالبوا بإدراج نقطة إصدار بيان ختامي للمجلس باعتباره يدخل ضمن أعرافه وأدبياته، وأنه لا يعقل أن تنعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني ولا تخرج ببيان ختامي، ووقع خلاف كبير حول هذه النقطة، وحسم الخلاف بالتصويت بالأغلبية لصالح إصدار المجلس بيانا ختاميا، وكانت غالبية أعضاء الأمانة العامة ضد إصدار ذلك البيان الختامي. وصادق المجلس على لجنة إعداد مشروع البيان، وأصدر المجلس بيانه الختامي. 

ومضمون البيان، مهما حاول الأخ عبد الصمد الطعن فيه، هو بيان المجلس الوطني الذي صادق عليه بنفس المنهجية التي يعتمد بها بياناته الختامية، فهو بيانه وليس بيان الأمانة العامة. ولا ينبغي أن يعمينا الاختلاف مع مضمون البيان على التشكيك في مشروعيته، واعتباره وليد مؤامرة.

التحليل التآمري الذي انغمس فيه الأخ عبد الصمد في التعامل مع الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني، أسقطه مع الأسف الشديد في زلات كثيرة تتجاوز الافتراء على قوانين الحزب إلى تزوير الحقائق والوقائع، ولي رؤوس الأحداث للخروج بما يفيد وجود مآمرة دبرتها الأمانة العامة ضد المجلس الوطني بمباركة مكتبه والادارة العامة للحزب.

وختاما فإن مزاعم “التلاعب” التي عالجناها سابقا، وبينا كيف أنها لا تقوم على أساس، وأنها مجرد تحليل يفتقد الموضوعية والدقة، تكشف أن الأخ عبد الصمد لم يراجع القوانين المؤطرة لعمل الحزب كحد أدنى ضروري للحديث عن قانونية أي شيء قبل إبداء الرأي فيه، وأنه ربما اعتمد على مصادر شفهية أو أنه اعتمد على ذاكرته. وعلى كل حال فحجم الخطأ هنا فظيع، والاستنتاجات التي بنيت عليه خطيرة وتفرض عليه الاعتذار للحزب ولأعضاء المجلس الوطني، ولجميع أعضاء الحزب، ولجميع متتبعي قناة “غير بالسياسة”، لأن الأمر هنا يتعلق قبل كل شيء بحفظ كرامة الأشخاص، ماديين ومعنويين، وبحق الجمهور في المعلومة الدقيقة والموضوعية، قبل إبداء الرأي، وحقهم في عدم التلاعب بعقولهم بوضع حواجز عاطفية بينهم وبين الوصول إلى المعلومة بشكل موضوعي حر. 

نعم لقد نجح المجلس الوطني في دورته الاستثنائية بكل المقاييس التي تفرضها المرحلة الحساسة التي يمر منها حزب العدالة والتنمية، لأنه وضع لبنة أساسية في مسار استعادة الحزب لعافيته، بعقد مؤتمر استثنائي يختار قيادة جديدة تقود مرحلة انتقالية يتم فيها الاعداد الجيد للمؤتمر الوطني العادي. وهذا الأمر بالطبع أغاض كثيرين ممن ينتظرون أن ينفجر الحزب على وقع النتيجة التي فرضت عليه في انتخابات 8 شتنبر.

لكن لابد أن نهمس في أذن الأخ عبد الصمد، الذي ختم حلقته بالدعوة إلى فهم ما وقع وان يتم توضيحه للناس، أن الفهم السليم ينبني أولا وأخيرا على حقائق وليس على أوهام وافتراءات ومغالطات، وأن هذا بالضبط هو ما يميز الوعي الحقيقي والوعي المزيف. ونسأله: ما هي المشكلة التي عالجها بخطاب غيَّر الحقائق، وأول الوقائع بشكل اتهامي، وخرج باستنتاجات يوهم فيها الرأي العام أن جميع قيادات الحزب “تتلاعب” بقواعد الحزب وبمصيره؟.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.