محمد عصام يكتب: العدالة والتنمية منتصرا

محمد عصام

حزب العدالة والتنمية بنجاح مؤتمره الوطني الاستثنائي، يؤكد مرة أخرى أنه حزب حقيقي، حزب يقدم فعلا إضافة نوعية للمشهد السياسي، وأنه جدير أن يكون محط ثقة المغاربة، وأن يناط به ومن موقع الريادة والاستثناء أيضا ضخ جرعات قوية في الارتقاء بالمشهد وبسلوك الفاعلين السياسيين والحفاظ على الروح والمعنى في الممارسة السياسية.

لقد ضاعت السياسة في زمن ارتفعت فيه أسهم التفاهة التي غزت كل الميادين، وأصبحنا أمام مشهد عليل ينتج عقما في المعنى وتفاهة في السلوك وغيابا في الرؤية، وبالتبع يؤبد حالة النفور التي تنامت أسهمها بحدة مما يزرع بذور الشك ويفتح أبواب المجهول.

لقد جاء المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية في سياق صعب جدا، بعد النتائج القاسية التي حصل عليها الحزب في استحقاقات الثامن من شتنبر، وكذلك في ظل أزمة داخلية عاشها الحزب طيلة مرحلة ما بعد إعفاء الأستاذ عبد الاله ابن كيران، وفي بعض الأحيان كانت بعض التعبيرات عن هذه الازمة حادة وتنذر بتصدعات في الصف الداخلي للحزب، لكن حزب العدالة والتنمية كما هي عادته دائما، استطاع أن يعبر هذه المحطة بنجاح كبير، مما ستكون له تداعيات طيبة على الداخل الحزبي وعلى المشهد السياسي برمته، وهو ما سنقرأه من خلال الملاحظات التالية:

  • لقد أبان المؤتمر الاستثنائي على صلابة وقوة المرجعية التي ينطلق منه حزب العدالة والتنمية، وفعلا فقد شكلت هذه المرجعية صمام أمان في كل المحطات الصعبة التي عاشها الحزب بما فيها المرحلة  الأخيرة، وبكل وضوح نقول إنه  لولا هذه المرجعية لتشتت الحزب طرائق قددا، لكنه حافظ على وحدته رغم حدة الخلافات التي اخترقت قواعده وقياداته، فكثيرون كانوا يتوقعون أن يتحول هذا المؤتمر الاستثنائي إلى ميدان معركة تستعمل فيها الصحون والكراسي وربما الأيادي واللكمات، لتصفية خلافات تبقى بمنطق مرجعية الحزب اختلافات في التقدير ليس إلا وتتأرجح بين الصواب والخطأ، ولا يمكن بتاتا أن تكون سببا في خرق السفينة، كما أن ترتيبها في سبورة الأولويات بمنطق المرجعية لا يؤهلها أن تكون بديلا عن المنطلقات الجامعة  والمجمعة.

لقد عانى المشهد السياسي المغربي وما يزال من أزمنة بنيوية لازمته طيلة عقود، تتعلق بظاهرة الانشقاقات، حتى أنه يمكن القول أن تاريخ الأحزاب السياسية المغربية هو في عمقه تاريخ انشقاقات بامتياز، وساهمت محددات متشابكة في ذلك منها ما هو ذاتي، يتعلق بعضها بالبنية التنظيمية ومدى انسياب القرار التنظيمي واتساع الأفق الديمقراطي، وبعضها الآخر متعلق بالمرجعية ذاتها فالأحزاب التي جعلت من التناقض عقيدة لها وعلى أساسه تبنى المواقف والتموقعات غالبا ما عانت من التصدعات الداخلية وكانت ضحية عقيدتها المبنية على الصراع وتنمية التناقضات، ولكن بعضها موضوعي يتعلق بالأيادي الخارجية وتدخلها في القرار الداخلي للأحزاب، وهنا تظهر قيمة استقلالية القرار الحزبي وهو موضوع سنقف عنده لا حقا

وعليه فإن تبادل اللوحة التي كتبت فيها الآية الكريمة “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” التي سبق للأستاذ عبد الإله ابن كيران أن أهداها للدكتور سعد الدين العثماني بعد انتخابه أمينا عاما للحزب في المؤتمر العادي الثامن سنة 2017، وقيام هذا الأخير بإعادتها لابن كيران بعد انتخابه في هذا المؤتمر الاستثنائي، وهي اللوحة التي تسلمها ابن كيران كوصية من مؤسس الحزب الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله، فيه دلالة رمزية كبيرة جدا على مركزية الوحدة والسعي في التوحيد في مرجعية الحزب، وأن هذه المركزية هي التي بنت مواقف الحزب وشكلت أفق تفكيره، سواء تعلق الأمر بتدبير خلافاته الداخلية، أو بتموقعاته السياسية ومواقفه من قضايا مختلفة، مواقفه المترفعة دوما عن الحسابات الأنانية والعائد الذاتي، والتي تتموقع مع الوطن وتتخندق مع قضايا الأمة بغض النظر عن العائد الحزبي أو السياسي.

  • مرة أخرى يؤكد حزب العدالة والتنمية أنه حزب ديمقراطي وبامتياز، وأن الديمقراطية عنده ليست شعارا للاستهلاك السياسي والتنابز الحزبي، بل هي عقيدة مؤطرة، واختيار واع ومسؤول، وسلوك يزكي “ما وقر في القلب وصدقه العمل”،

العدالة والتنمية شامة في المشهد السياسي، لا ينكر ذلك إلا جاحد أو حقود، فمؤتمراته تمر في جو ديمقراطي لا مثيل له، وقياداته تفرز بشكل ديمقراطي يعبر عن إرادة حرة ونزيهة لمناضليه، فلا أحد يمكنه أن يتنبأ بمن سيؤول له زمام القيادة في مؤتمرات الحزب قبل صناديق الاقتراع الشفافة، فحزب العدالة والتنمية ليس من صنف تلك الأحزاب التي تنتخب أمناءها العامين بالتصفيق، أو بتدخل الهواتف المعلومة، أو بالتراشق بالصحون والكراسي، وحزب العدالة والتنمية أيضا ليس من ذلك النوع الذي يسقط عليه أمين عام “بالبارشيط” لأن جهات ما أرادت ذلك أو أنها سعت في ذلك.. العدالة والتنمية يفرز قياداته تطبيقا لمساطر ديمقراطية تقدر وتحترم إرادة المناضلين وتنضبط لقراراتهم وتحمي استقلالية القرار الحزبي من أي تدخل كيفما كان ومن أي جهة كانت، وإسقاط مقترح الأمانة العامة الذي تبناه المجلس الوطني وصادق عليه والقاضي بتحديد المدة الاستثنائية التي ستعقب هذا المؤتمر الاستثنائي في سنة، يدل أن لا إرادة تعلو فوق إرادة المناضلين.

  • “الانتصار الحقيقي هو هذا ماشي الانتصار في الانتخابات” هذا مقتطف من كلمة الأستاذ عبد الإله ابن كيران يعيد من خلاله إعادة تعريف من هو حزب العدالة والتنمية، فهو ليس حزب انتخابات كغيره من الأحزاب التي يطلق عليها المغاربة وهم صادقون في ذلك “دكاكين سياسية”، بل هو فكرة إصلاحية تنحاز بوعي للوطن ومرجعياته وثوابته، وتجذر حقيقي في المجتمع، وتدافع ديمقراطي لترسيخ دولة الحقوق والحريات، وليس حزب “الهموز” والارتقاء على ظهر الشعب، وبيع الوهم في سوق النخاسة السياسة، فهو حزب المعقول بالتعريف الذي ورثناه عن الراحل سي عبد الله بها، المعقول مع الذات أولا قبل الآخر، المعقول في الممارسة والسلوك كما في الشعار والنظرية، المعقول الذي يبدأ بإصلاح الذات وتنقيتها من شوائب الطموح الزائد والرغبات المتفلتة، وجعلها تنقاد طوعا لإرادة الإصلاح في المبتدأ والمنتهى.

ما قاله ابن كيران هو توجيه للبوصلة حتى لا تقف عند حدود نتائج انتخابات الثامن من شتنبر، فهي ليست نهاية العالم، والهزيمة في أي استحقاق انتخابي واردة جدا، فالتجمعات البشرية في نهاية المطاف تبقى متأرجحة بين الصواب والخطأ وبين الهزيمة والانتصار، وأن حزب العدالة والتنمية مدعو لقراءة صفحة الانتخابات الأخيرة وترتيب ما يلزم على خلاصاتها من نتائج بكل تجرد ووعي ومسؤولية، ولكن بمنطق مستشرف وليس بمنطق جلد الذات والاستسلام لمنطق الهزيمة الذي لن يقدم ولن يؤخر.

  • “أنا جندي في حزب العدالة والتنمية ” هذا ما قاله الدكتور سعد الدين العثماني الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، وهو بذلك يكرس نموذجا فريدا ومتميزا للقائد السياسي الذي يؤدي مهمته ويعود الى موقعه الأصلي كفرد في التنظيم، يضع نفسه وإمكانياته ومؤهلاته في خدمة الحزب، وبهذا حق لنا أن نفتخر بقياداتنا عموما وأن نقول وبكل افتخار” العدالة والتنمية مدرسة بل مدرسة كبيرة في السياسة وفي التجرد.

الدكتور سعد الدين العثماني يؤكد مرة أخرى أنه قيادي كبير ومناضل من الطراز الرفيع، فبعد أن قاد الحزب في مرحلة صعبة وكذلك الحكومة، وحقق نتائج وإنجازات كبيرة للوطن هي محط تقدير صاحب الجلالة في خطاب افتتاح الولاية البرلمانية، وحافظ على وحدة الحزب، ها هو اليوم يقطع الشك باليقين، ويرسل رسالة إلى من يهمه الأمر أنه لن يكون أداة للتشويش على الحزب وعلى وحدته، وأنه سيناضل بجنب إخوته من أي موقع ارتضوه له، ولقد سبق للعثماني أن جسد قوله هذا عمليا سنة 2013، إثر التعديل الحكومي الذي بموجبه غادر وزارة الخارجية، وعاد حينها الى وظيفته وعيادته، ورأينا حينها كيف أن الكثيرين اشتغلوا على إشعال نار الشقاق داخل الحزب، ومحاولة دفع العثماني إلى لعب دور “حصان طروادة” في ذلك، لكن جواب العثماني حينذاك كان مخيبا لكل تلك المحاولات حين قال في افتتاح إحدى دورات المجلس الوطني الذي كان يرأسه “الذين ينتظرون انشقاق العدالة والتنمية سينتظرون طويلا”

لكل ما سبق نقول أن حزب العدالة والتنمية خرج منتصرا من منعطف خطير جدا، وفي انتصاره ذاك انتصار للوطن الذي ربح حزبا حقيقيا وانتصار للسياسة بمعناها النبيل، وطبعا سيفرح بهذا الانتصار كل الغيارى على الديمقراطية والمدافعين على حياة سياسية طبيعية في هذا البلد، وسيحزن غيرهم من المنشغلين بقتل السياسة وستطول حسرتهم وخيبتهم !!!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.