محمد عصام يكتب: الحكومة الصامتة.. محاولة للفهم !

محمد عصام

الكل اليوم مجمع على أن هذه الحكومة هي أغرب حكومة في تاريخ المغرب، فهي بلعت لسانها بمجرد تعيينها ولم يعد المغاربة يسمعون لها ركزا، فلا رئيسها ولا الناطق الرسمي باسمها ولا بقية وزرائها يمتلكون الشجاعة لمواجهة المواطنين والخروج إليهم والتواصل معهم، فبعد القرارات المتسرعة ها هو المغرب يغلي من شماله إلى جنوبه، ورويدا رويدا تتدحرج المطالب من مجرد احتجاج على قرار إلزامية جواز التلقيح، إلى مطالب سياسية وصلت درجة المطالبة برحيل الحكومة التي لم تكمل شهرها الأول بعد، زاد من شرارة ذلك الزيادات المتتالية في الأسعار وتداعيات الجائحة على كثير من القطاعات، ورغم ذلك فمازال الصمت “غير الحكيم” هو سيد الموقف، وترك الشارع في مواجهة مباشرة مع الأجهزة الأمنية في غياب تام لمن يمكنه أن يلعب صمام صدمات “بارشوك” في مواجهة هذا الغضب،

لكن أغرب ما في المشهد هو غياب مناضلي ومتعاطفي الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي بشكل غير مفهوم، حيث أصبحت ساحات التدافع في منصات اتواصل الاجتماعي وفي فضاءات النقاش العمومي بشكل عام خالية من وجود هؤلاء، مما يطرح سؤال أين تبخرت الكتلة الناخبة لتلك الأحزاب؟ وهل فعلا كانت كتلة حقيقية أم كانت مصطنعة؟

 الجواب يعرفه الجميع لأن الجميع كان شاهدا على ما وقع وكيف وقع !!! .. لكن النتيجة هي أن هذه الحكومة تعرت بشكل سريع وظهرت وكأنها بدون حاضنة مجتمعية، وأصبحت تعيش عزلة شعبية بادية للعيان، فلا أحد كلف نفسه ولا أظن أن أحدا سيكلف نفسه الدفاع عن هذه الحكومة وعن قراراتها، ولا يبدو أيضا أنها أي الحكومة مهتمة بمعالجة عجزها التواصلي، وحتى المؤلفة “بطونهم” من الذين تم حشدهم في معركة كسر عظام “العدالة والتنمية” والتطبيل ل”تستاهل أحسن” بدأ الكلل يتسلل لهم وتفتر قواهم، وربما بعضهم وجد نفسه في معركة خاسرة وبدا يلوح بالانسحاب مبكرا.

لقد توهم البعض أنه بإمكانه أن ينشئ حزبا ويوجد مناضلين ويخلق أذرعا شبابية ونسوية وفئوية متعددة في “خمسة أيام وبدون معلم”، لكن الواقع أصدق إنباء من الأوهام، وهي الحقيقة التي سيستفيق عليه القوم رويدا رويدا، وأن كل ما بنوه لا يعدو أن يكون قصورا من الرمال سرعان ما ستتهاوى أمام رياح السياسة العاتية الي لا تبقي ولا تذر،  

البعض دخل السياسة بمنطق المقاولة واعتقد أن كل شيء يباع ويشترى ويخضع لمنطق السوق في العرض والطلب، وراهنوا على” النضال بالمناولة”، وهنا بالضبط يكمن الإشكال، فالسياسة فكرة وليست أبدا بضاعة، والنضال عقيدة ولن يكون أبدا وظيفة أو مهنة تؤدى لمن يدفع أكثر، والأحزاب لا يمكن أن تتحول إلى مقاولات، بل هي مشاتل للتنشئة السياسية الطويلة الأمد، والتي تتعهد المناضلين بالأفكار وتسقيهم بالعقائد وتوحدهم في توجهات وتبنى سلوكهم السياسي وفق تصورات محددة ورؤية ناظمة، يعيشون معها ولأجلها، ويناضلون في سبيلها ومن كل المواقع وبلا مقابل.

قد يعتقد المقاول “الحزبي” أنه ليس أصلا في حاجة للتواصل، فالشعب بالنسبة له مجرد أصوات وأرقام في صناديق الاقتراع يحتاجها فقط في المحطة الانتخابية، وهذا يفسر هذا العزوف المرضي عن التواصل الذي نعيشه اليوم، وهو ما  يستبطن احتقارا كبيرا للشعب، فالمقاول يعتقد أنه يمكن أن يعود لاستجداء أصوات الشعب متى شاء أو متى دعت ضرورة انتخابية لذلك،  وأن ذاكرة الناس قصيرة ومثقوبة، وأن بإمكانه خلق سرديات جديدة لاستدرار عطف الناس وأصواتهم بسهولة.. وأن لكل مقام مقال أما الآن فقد قضي الأمر.   

يمكن للحزب /  المقاولة أن يسحر أعين الناس ولكن إلى حين، لكنه لن يكون قادرا دوما على ذلك، والدليل كم من الأحزاب مرت في تاريخ المغرب وأين مصيرها اليوم، في وقت بقيت الأحزاب الحقيقية صامدة رغم صروف السياسة الصعبة، فالأحزاب الحقيقية هي التي كانت تعبيرا عن رغبة مجتمعية حقيقية.. أحزاب نبتت من رحم الشعب واحتضنت أماله.. أحزاب كانت دائما جزء من الشعب وليست حالة مصطنعة.. فالتاريخ كفيل بأن يكشف أحزاب الزيف ويقذفها في غياهب  النسيان.  

 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.