“الجنس مقابل النقط” أخطر أشكال العنف ضد المرأة!

حسن بويخف

من مفارقات الأقدار أن يتزامن لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يخلد في 25 نونبر من كل سنة، مع قرار الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بسطات، تأجيل التحقيق مع الاساتذة الخمسة المتابعين فيما بات يعرف بملف “الجنس مقابل النقط”. وهو عنوان يلخص بعدا من الأبعاد الخطيرة لمعاناة المرأة مع العنف الممارس ضدها في الجامعة التي كان ولوج المرأة إليها قبل خمسة عقود تقريبا يعد عنوانا دالا على تقدمها وتحررها، ومؤشرا قويا عن انفتاح الطريق في وجه مساواة المرأة بأخيها الرجل في خوض غمار الحياة من باب المعرفة.

لقد كشف البحث الوطني حول العنف ضد النساء والرجال لسنة 2019، الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، أن 22% من التلميذات والطالبات صرحن بتعرضهن للعنف في مؤسسات التعليم والتكوين. وأن العنف الجنسي يمثل 37% من مجموع أشكال العنف المرتكب ضدهن. وحتى لا يساهم سياق هذا المقال في تغذية أية صورة نمطية سلبية ظالمة ضد الأستاذ، لا بد من التنبيه إلى أن العنف الذي تتعرض له الطالبة والتلميذة لا يصدر من الأساتذة وحدهم، بل نجد أن 46٪ من مجموع حالات العنف ضدهن تأتي من طرف زملائهن في الدراسة، و28٪ من طرف الأساتذة و21٪ من طرف أشخاص غرباء عن المؤسسة، حسب نفس المصدر السابق. ورغم الخطورة التي تحمل تلك الأرقام دلالاتها، فلابد أن نستحضر أن قرابة 90% من ضحايا ظاهرة العنف لا يبلغن عنه!

ومع استحضار حجم الامتناع عن التبليغ عنه، فما سبق يؤكد أن العنف الجنسي ضد الطالبات ظاهرة مستشرية، سواء صدر عن زملائهن الطلبة أو صدر عن الأساتذة، وهي تدخل في إطار عام للعنف الجنسي في المجتمع. وبالرجوع إلى معطيات البحث الوطني الأول حول العنف ضد النساء الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2009، والذي أكد أن العنف الجنسي ضد التلميذات والطالبات ينتشر حينها فقط بنسبة 4.4%، ما يعني أنن الظاهرة في استفحال وتفاقم، وقد ساعد وسهل على تفاقمه انتشار تكنلوجيا التواصل الحديثة.

إن العنف الجنسي الذي يمارسه الأستاذ ضد الطالبات فيه نوعين، نوع يدخل ضمن العنف العام الذي يكون بين الجنسين ولا تحضر فيه سلطة المعتدي (مثلا أستاذ ضد طالبة لا يدرسها)، ونوع يمارسه المعتدي باستغلال سلطته، أي النقطة وما تعنيه من حيث النجاح والحصول على الشواهد وغير ذلك. وهذا النوع الأخير هو الذي اصطلح على تسميته إعلاميا عنف “الجنس مقابل النقطة”. وهذا النوع له خاصية تجعله أخطر أنواع العنف الجنسي ضد الطالبات والتلميذات كما سنبين ذلك. في هذا العنف يستغل “الأستاذ” سلطة النقطة، وبالتالي تحكمه في المصير الدراسي للضحية، في إخضاعها لنزواته الجنسية. وهو ما يجعل هذا النوع من الممارسات مفتوحا على عدد من الجرائم قد تصل حد القتل أو تصنيفها في جرائم الاتجار في البشر، كما سنرى ذلك. ورغم خطورة هذا النوع من العنف الجنسي وانتشاره في وسط الجامعة، فهذا النوع من العنف يفتقر إلى دراسة خاصة حوله تميزه عن غيره، وتمكن المهتمين من تحليل حجمه ومختلف عناصره، وتبقى وسائل الإعلام، مع ما تطرحه من صعوبة التأكد من المعلومة، المصدر الرئيسي للمعطيات حول الموضوع المتاح بسهولة.

ويمكن إجمال أهم الخلاصات حول عنف “الجنس مقابل النقطة” التي أتاحها البحث في الموضوع لإعداد هذا المقال فيما يلي:

ـ جميع الجامعات المغربية تقريبا عرفت حالة أو أكثر من هذا النوع من العنف.

ـ عدد مهم من الحالات التي تناولتها وسائل الاعلام لا نجد لها أثرا يؤكد معالجتها من طرف القضاء.

ـ عدد من تصريحات الضحايا تؤكد وجود حالات كثيرة مماثلة يمتنعن عن التبليغ سواء لدى إدارة الجامعة أو لدى النيابة العامة.

ـ عدد من الحالات يتدخل زملاء الجاني من الأساتذة أو من الإدارة لوقف تطورات الملف قبل أن يصل القضاء.

ويمكن ان نقدم نموذجين لحالة تمت معالجتها قضائيا وحالة لم تصل بين يدي العدالة بسبب التدخلات:

النموذج الأول: في شهر ماي 2017 تفجرت قضية “الجنس مقابل النقطة” بطلها أستاذ في كلية العلوم بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان كان يمارس الجنس على طالباته في مكتبه، مقابل تمكينهن من نقط جيدة، وشملت تلك القضية ثلاثة طالبات اعترفن بالأمر فيما نفت الرابعة أية علاقة من ذلك النوع من الأستاذ، وتمت إدانته قضائيا بالسجن والغرامة.

النموذج الثاني: في شهر يوليوز 2017 تفجرت فضيحة مشابهة بالكلية متعددة التخصصات ببني ملال، ويقدم شريط فيديو على يوتوب لإحدى الضحايا، سجلته إحدى الجرائد الالكترونية، شهادة تتضمن مجموعة من المعطيات الخطيرة التي يفترض أن تكون محل تحقيق قضائي، منها أن مصالح الأمن ضبطت في هاتف الأستاذ وحاسوبه الشخصي ما مجموعه 600 مكالمة مع 600 طالبة كن ضحايا لممارساته الابتزازية طيلة 3 سنوات. لكن الملف، حسب نفس الضحية، طوي بعد تنازل المشتكيات نتيجة ضغوطات مختلفة.

لكن من بين جميع الحالات التي تم رصدناها خلال البحث في الموضوع نجد إن نازلتين شكلتا الاستثناء في جميع الحالات المتعلقة بعنف “الجنس مقابل النقطة”، وهما نازلة “الأستاذ القاتل بأكادير” ونازلة “أساتذة سطات”.

النازلة الأولى: تتعلق بما عرف بقضية سناء هادي سنة 2009، وكانت طالبة دكتوراه بكلية العلوم بجامعة ابن زهير بأكادير، انتهى مسلسل ابتزازها الجنسي من طرف الأستاذ المشرف على بحثها بأن قتلها خنقا في مكتبه داحل أسوار الجامعة بعد أن رفضت الخضوع لنزواته، واعترف القاتل بكل التفاصيل المؤلمة التي عاشتها الطالبة (27 سنة) وهي تحاول انتزاع لقبها العلمي كدكتورة في علوم البحار، وكانت تستعد لمناقشة أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بعد شهرين تقريبا. وهذه الحالة تبين أن هذا النوع من العنف قد يفضي ليس فقط إلى القتل المعنوي للطالبة حين تخضع لنزوات أستاذها أو تتحمل رسوبها أو حرمانها من النقطة التي تستحقها، أو تعثر مسارها العلمي أو توقفه، بل قتلها المادي أيضا وما ينتج عنه من أضرار إنسانية واجتماعية كبيرة.

النازلة الثانية: إذا كانت نازلة “جامعة ابن زهر بأكادير 2009” تتميز بكون العنف المبني على “الجنس مقابل النقطة” انتهى بقتل الطالبة الضحية، فإن الذي يميز ملف “أساتذة سطات” عن باقي الحلات التي تيسر رصدها، هو شمول الملف لخمسة أساتذة دفعة واحدة، وشبهة وجود “تفاهم” محتمل بين بعضهم حول موضوع الابتزاز الجنسي للطالبات، ووجود فيديو مصور لممارسة جنسية مع طالبة… وهذا ما يفسر ما تداولته وسائل الاعلام، نقلا عن مصادرها، من كون المشتبه فيهم الخمسة قد يواجهون تهما من بينها تهمة “الاتجار في البشر”، وهي تهمة ثقيلة وخطيرة في الوقت نفسه.

إن خطورة عنف “الجنس مقابل النقطة” تكمن في كونه يتم في فضاء المفروض فيه أن يقود ثورة معرفية ضد ظاهرة العنف. وفي كونه يمارسه أشخاص المفروض فيهم أنهم رُسل القيم النبيلة المحاربة لكل أشكال العنف. وهو نوع يمكن أن يجمع الأنواع الأربعة الرئيسية من العنف ضد المرأة أو أغلبها، كما في حالة “طالبة أكادير”، أي العنف الجسدي، والعنف النفسي، والعنف الجنسي، والعنف الاقتصادي.

إن الرهان الأكثر فاعلية في مواجهة عنف “الجنس مقابل النقطة” هو بث ثقافة التبليغ في أوساط الطالبات وتشجيعهن على ممارسة حقهن في الأمن والكرامة، وأخد شكاياتهن محمل الجد، والتعامل مع قضاياهن بعناية خاصة، ورفض جميع أشكال الوساطات التي تروم وقف إجراءات معالجة الشكايات بناء على ميثاق أخلاقي تعتمده الجامعة يرفض مثل تلك الوساطات.

إن عنف “الجنس مقابل النقطة” وما يمثله من خطورة، قد يؤدي استشراؤها إلى ردود فعل تغذي عزوف الطالبات عن دخول الجامعة، أو عن استكمال مسارهن الدراسي، وهو مجال يفتقر إلى أبحاث ودراسات تساعد على معالجته، لذلك سيكون من الأفيد للجامعة تشجيع بحوث ميدانية حول الظاهرة تعزز مختلف جهود محاصرتها ومحاربتها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.