حتى لا تصير صرخة أبو تريكة شاذة في مواجهة الشذوذ

المحجوب لال

حتى لا تصير صرخة أبو تريكة شاذة في مواجهة الشذوذ
حاولت وسائل إعلام غربية ومنها تلك الناطقة بالعربية، تصوير تصريح محمد أبو تريكة، المحلل بقناة بي إن سبورت القطرية، الخاص برفض الشذوذ، وكأنه حالة شاذة، وأن التضامن مع ما يسمونه بـ “مجتمع الميم” هو حق إنساني وضرورة حضارية.
أبو تريكة الذي شن هجوما الأحد الماضي، على مبادرة البريميرليغ بدعم مجتمع الميم، وعلى المثلية والشذوذ، لقيت كلمته صدى واسعا في العالم كله، عربه وعجمه، جعل منابر عدة تنبري للهجوم عليه، وأخرى للتضامن معه ومساندته وتوجيه عبارات التحية والتقدير له.
وهنا لابد من التذكير أن منطلق أبوتريكة في الموقف المعبر عنه منطلق ثقافي وديني، يرى أن خصوصية الشعوب والأديان واجب احترامها، وأن من حقه، كمسلم، أن يرفض الترويج للشذوذ عن طريق لعبة كرة القدم، بما هي رياضة كونية.
ومن غرائب ما قرأت في الرد على أبو تريكة، أن أحد المحامين المصريين، من المدافعين عن المثلية، وصف “كلام اللاعب المصري بالخطير، وأنه لا مسؤول، وغير صحيح”، وحق للكثير من المساندين للكابتن المصري أن يقولوا إننا في زمن انقلبت فيه الحقائق، وصار الصحيح خطأ والخطأ صوابا، بل في زمن يُفصح فيه أهل الباطل عن رأيهم بكل “بجاحة”، في وقت يخاف من يخالفهم الرأي والموقف من التعبير الواضح، ويبحث عن المناسب من اللفظ والمعتدل من الكلام، أو ربما آثر الصمت لدواعي عدة.
ومما يضيف مزيد غرابة على ما وقع، أن إدارة الدوري الإنجليزي بررت حمل شعار المثليين بأنه مساندة للأقليات، وأن الكرة لا تعترف بالأجناس والميولات، ومكمن الغرابة، أن لا أحد في العالم ينظر للاعبين على أساس انتمائهم العرقي بقدر ما ينظر لأدائهم في الميدان، كما لا يحاسبهم على حياتهم الخاصة، التي هم أحرار فيها، وإنما يهتم بالنتائج والفرجة، فما مكمن التمييز الذي لحق باللاعبين حتى ينبري الاتحاد للتضامن مع مجتمع الميم.
وهنا وجب التذكير بحالات العنصرية التي تم التعامل بها مع عدد من اللاعبين، سواء بسبب انتمائهم الديني أو العرقي أو لون بشرتهم، من طرف جماهير بعض الأندية الأوروبية، فهل التضامن العالمي لمجابهة العنصرية الدينية والعرقية أولى وأحق أم التضامن مع الشواذ؟
إن الرسائل التطبيع مع المثلية، والتي يتم تمريرها من لدن جهات ودوريات ومنظمات وملتقيات ومهرجانات ومنافسات وغيرها، لا تكاد تنتهي، وكأن الإرادة الدولية للقوى المتحكمة في هذه المؤسسات والتعبيرات تشرب من نبع ملوث واحد، عنوانه تغيير الفطرة والعدوان على الإنسان.
وإذا كان أبو تريكة قد عبر عن رأيه انطلاقا من قناعاته الدينية والثقافية والحضارية، فإن الواجب علينا في خضم هذه الأحداث، الوعي الجماعي بخطورة مساعي تنميط العالم والشعوب، والدوس على القيم العليا والأخلاق السامية بأنتن “جزمة”، بل وتصوير الرافضين للشذوذ والمثلية وكأنهم أقلية، غير متسامحة وغير متحضرة.
ورغم كل هذا السحر والدجل الممارس على الشعوب والمجتمعات، بمسميات مختلفة وتحت عناوين براقة، فسنمضي في الدفاع عن حق الإنسان وحريته الشخصية، التي يمارسها بطولها وعرضها في فضاءاته الخاصة والشخصية، وحساب من يؤمن منهم بالله على الله، لكن من واجب كل الأحرار، رفض ما يهدد البشرية وتوازنها واستمرارها، والتعبير الواضح عن الانخراط في هذه المعركة الحقيقية، الراهنة والمستقبلية، معركة اليوم والغد، معركة إنقاذ الإنسانية، ألا وهي معركة التخليق والأخلاق.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.