“الجنس مقابل النقط”.. قراءة سوسيولوجية

أعادت ” قضية الجنس مقابل النقط” التي تفجرت  وقائعها من داخل “الحرم الجامعي” بسطات، النقاش حول ظاهرة التحرش  والاستغلال الجنسي في الفضاءات العامة، ولتجلية جوانب مرتبطة بالبنية الاجتماعية ومنظومة القيم، أكد علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، أن الأساتذة الذين يتحرشون بالطالبات هم أشخاص يعانون من انحلال أخلاقي، وهو انحلال ليس وليد اشتغالهم بالجامعة بل توجد جذوره فيهم قبل ولوجهم للجامعة ومناقشتهم لأطروحاتهم، وهم عادة من الذين حصلوا على شواهدهم بطرق لا علاقة لها بالأعراف الجامعية والصرامة الأكاديمية.
وأضاف الشعباني في حديث لـ pjd.ma، أن هذا النوع من الأساتذة يفتقدون للوعي والثقافة والأخلاق والكرامة، فهم قد ألفوا التملق للوصول إلى مآربهم الشخصية، وينتظرون تملق الآخرين لهم لتمكينهم من أشياء تحت أيديهم أو مشمولة بسلطتهم، فكيف ننتظر منهم أن يكونوا في المستوى المنتظر منهم، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه، يقول المتحدث ذاته.
ووصف الأستاذ الجامعي تسرب هذه الممارسات إلى الحياة الجامعية بالأمر الخطير، مشيرا إلى أن من ضمنها المساومة على النقط أو النجاح أو التوسط لأشياء معينة مقابل الجنس، وهذا الأمر مخجل جدا، وما يظهر منه وفق الشعباني، ما هو إلا قليل من كثير وغيض من فيض، في غياب إرادة رسمية حقيقية لمحاربة هذه الممارسات من جذورها.
ضحايا أم مشاركات..
واعتبر الشعباني أن الطلبات لسن دائما في موقع الضحية، بل إن بعض الطالبات، يستغلن مجال الحرية والبعد عن العائلة والأهل، وغياب العيون التي تراقبهن، فيقعن في نوع من الانفلات الأخلاقي، الناتج عن استغلال هذه الحرية استغلالا سيئا.
واسترسل، عدد من الطالبات يلجأن إلى عرض أنفسهن بشكل أو بآخر، في محاولة منهن للتكيف مع متطلبات المدينة، سواء من حيث مستوى العيش أو اللباس، فيقعن في فخ عصابات الدعارة، نتيجة الخصاص الذي يعانين منه ماديا، لاسيما وأنهن قادمات من أوساط فقيرة أو من البادية.
الطلبة يتحرشون أيضا..
وأردف الشعباني، هناك أيضا نمط آخر من التحرش الجامعي لم يعد يقلق أحدا أو يخجل منه أحد، وهو تحرش الطلبة بالطالبات، فضلا عن الذين يقفون بدراجاتهم وسياراتهم الفارهة أمام بوابات الجامعات للتحرش بالطالبات أمام مرآى ومسمع الجميع، دون تدخل أي جهة من الجهات الأمنية الموكول لها حفظ الأمن العام.
تخريب المجتمع وإصلاحه..
قال الشعباني إن الواقع الذي نعيشه، بكل سلبياته، هو نتيجة لاختيارات سياسية واستراتيجية دامت لعشرات السنين، وخاصة منذ سبعينيات القرن الماضي، واليوم نحن نقطف الثمار المُرة للغرس الذي كان، وإن أردنا أن نغير الواقع، فهذا لن يتم بين عشية وضحاها، بل يحتاج إلى وقت، ويحتاج قبل ذلك إلى إرادة سياسية ومجتمعية تقول كفى، وتبدأ في إصلاح ما يمكن إصلاحه.. إصلاحا حقيقيا يقطع مع الممارسات التي ننتقدها اليوم، أو على الأقل يخفف منها إلى أبعد المستويات.
وأكد الشعباني أننا اليوم وصلنا إلى مرحلة الهدم، وأن البناء المطلوب، يستلزم الاشتغال على البعد الأخلاقي والثقافي والاجتماعي والسياسي والعلائقي، لمواجهة الانحراف، لكن، يستدرك الأستاذ الجامعي بكل أسف، ما نراه اليوم في السينما والإعلام والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجهات المتحكمة أو الممولة أو المالكة، لا ينذر بأنها تريد الإصلاح أو التغيير، أو تهتم لهذه المظاهر المهددة للمجتمع.
وتابع، هذه الجهات المالكة للقوة المادية والجاه والنفوذ، تسربت إلى مراكز القرار، ولا يمكن لها أن تباشر التغيير الإيجابي، بل لابد من الإرادة، وهي فاقدة لها حتما، غير أن وصولنا إلى مرحلة إقرار الدولة بضرورة الإصلاح هو أمر ممكن وليس بالمستحيل، إقرار ينطلق أولا من الاعتراف بالاختلالات والميوعة والانحرافات والمشاكل القائمة على المستوى الاجتماعي، ثم نبدأ في وضع سياسات واستراتيجيات أخرى تعالج ما نعانيه من أعطاب.
دور الأمن..
وخلص المتحدث ذاته إلى التأكيد على أهمية الجهاز الأمني والقضائي في معالجة التحرش بالطلبات واستغلالهن جنسيا، سواء من طرف الأساتذة أو من غيرهم، معبرا عن أسفه لتركيز الأجهزة الأمنية لجزء كبير من اشتغالها على الأمور السياسية وعلى المعارضين، وإهمال هذه القضايا وغيرها، رغم أنها أخطر بكثير، فضلا أنه ليس هناك تعارض أو تناقض بين الانشغال بالقضايا السياسية وبين إيلاء الإشكالات الاجتماعية ما يلزم من حضور ومتابعة وعناية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.