حكومة “واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”

غريب هذا الإصرار المرضي على غلق نوافذ الشفافية التي تنتهجه الحكومة وأغلبيتها، فلا ندري أي مصلحة تحققها بإصرارها على أسلوب الاشتغال وراء الجدر السميكة، ولماذا تتضايق من الصحافة فتغلق أبواب البرلمان أمامها، وتحتمي بصحراء الصمت في وقت البيان ولزومه، وتلوذ بحكمة “وكم حاجة قضيناها بتركها”. 
فأول أمس الثلاثاء تم منع الصحفيين من متابعة أشغال إحدى اللجن البرلمانية في موضوع يهم المغاربة قاطبة ويتعلق بهذا الوباء الخطير “كورونا”الذي يقض مضجع الجميع، وتتناسل بخصوصه الأسئلة والحيرة المولدة للشك والارتياب، ولكن هذا لم يشفع لدى من اتخذ قرار المنع في أن يراجع نفسه وقراراته، وبعد ذلك تسرب عن مكتبي البرلمان أنهما بصدد تشديد إجراءات ولوج الصحفيين للبرلمان ! 
وقبل هذا تراجعت أغلب مجالس الجماعات الترابية التي أفرزتها واقعة الثامن من شتنبر بعلاتها، عن اعتماد آلية البث المباشر لدورات هذه المؤسسات الدستورية الهامة، وهي خطوة تراجعية بكل المقاييس، وارتداد كامل الأوصاف !! 
مما يزكي أننا أمام اختيار إرادي لدى من آل إليه أمر تدبير الشأن العام، يعكس فوبيا مرضية من الصحافة ومن الشفافية بشكل عام، ويجعل هذا التجربة تعاكس التوجهات الدستورية الكبرى المتعلقة بحماية وضمان حق المواطن في المعلومة كما تقتضيه المادة 27 نصا وروحا، وكما تقتضيه روح الدستور عموما ومبادئه العامة، مما يطرح أسئلة كبرى حول مقاصد هذا التوجه؟ وحول السبب الحقيقي وراء هذا الخوف غير المبرر من الشفافية؟ 
إن الخوف من الشفافية قد يستطبن  نزوعات لا ديمقراطية عند أصحابه، تتمظهر في سلوك الاستعلاء واستصغار الآخر، سلوك يعتد بالذات الى درجة مرضية، ويدفع في اتجاه الاستفراد بالقرارات، والتنصل من المقاربة التشاركية التي تقتضي إشراك الآخر والاستماع له. 
وقد يكون الخوف من الشفافية ومن الصحافة علامة على حالة ضعف مزمنة لا تسعف صاحبها في تحمل شمس الشفافية، وتجعله يلوذ إلى ظلام الانكفاء على الذات، ويتهرب من النقاش العام !!
كما يمكن أن يكون هذا السلوك باختصار شديد استمرارا في تجسيد قناعة أصيلة عند أصحابه، مفادها أنهم ليسوا في حاجة لا إلى صحافة ولا إلى المواطن نفسه، فهم كما يقولوا المغاربة يعتبرون أنفسهم “قطعوا الواد وانشفوا رجليهم”، فبعد 8 شتنبر قد انتهت الحاجة لكل هؤلاء، ولن تتجدد هذه الحاجة إلا في موعد انتخابي جديد ! 
وخطورة هذا التوجه تكمن أنه لن يقف عن حد في غلق الأبواب، فعلينا أن ننتظر مع مرور الوقت واستمرار التوجس من الوضوح، أن تفاجئنا الحكومة وأغلبيتها بقرارات أخرى موغلة في تقييد حرية التعبير، والتضييق على عمل الصحافة، وحرمان المواطن من حقه في الحصول على المعلومة وفي تتبع الشأن العام وانتقاد السياسات العمومية، وهذا ينسجم مع طبيعة هذه الأغلبية ذات النزوع الهيمني كما يدل عليه استئثارها بمجالس الجهات بشكل كامل، وكما تدل عليها خرجات بعض وزرائها غير المحسوبة، والاستقواء على الناس وإحصاء الأنفاس  إلى حد التهديد بمعرفة لون “التقاشر”، كل هذا ونحن ما زلنا في البدايات، أما النهايات فالله وحده يعلم أي حضيض ستنزلنا إليه هذه التجربة؟؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.