سنة كئيبة!!

سنة كئيبة !!
جرت العادة ونحن على مرمى حجر من الولوج إلى سنة جديدة، أن يكثر الكلام  وتدبج المقالات عن أهم أحداث السنة الماضية، ورجل السنة..وغيرها من العادات أو”البدع الحسنة” التي طبَّع معها الناس، وأصبحت طقسا سنويا تختم به سنة وتستهل بها أخرى. 
هذه السنة التي سنودعها بعد أيام قليلة، اتسمت باستمرار جثم الجائحة على أنفاسنا، مكبلةً حريتنا وهي أعز ما نملك وأعز ما نطلب، ملحقةً أضرارا فادحة باقتصادنا ومعيشنا، ومنعشةً لمواسم الحزن والمآثم على فقدان من نحب من الأهل والأحباب، خصوصا مع موجة دلتا التي عاثت فتكا بالأنفس في الصيف الماضي، ولكن رغم ذلك استطاع بلدنا بفضل الاستراتيجية المتكاملة على المرور من هذا المنعطف بأقل الخسائر الممكنة مقارنة مع دول أخرى. 
هذه السنة كانت سنة انتخابية بامتياز، ولأول مرة في تاريخ المغرب تنظم فيه انتخابات برلمانية وجماعية وجهوية في يوم واحد ويتم تغيير يوم الاقتراع من يوم الجمعة إلى الأربعاء، وهي انتخابات سبقتها خطوات تشريعية تتعلق بتعديل القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات، والتي تميزت بعودة نفَس نكوصي بإقرار قاسم انتخابي غريب، صوتت لصالحه فرق الأغلبية والمعارضة ما عدا العدالة والتنمية، الذي اصطف دفاعا عن الخيار الديمقراطي وعن الدستور، بينما انقلبت أحزاب التحالف التي شكلت معه الحكومة على المشروع التي جاءت به الحكومة وصوتت على التعديل، والذي لم يكن موجودا في أي مذكرة من المذكرات التي قدمتها الأحزاب السياسية إلى وزير الداخلية، مما أثار وسيظل يثير أكثر من سؤال حول الجهة التي هندست لهذا التعديل النكوصي؟ ولأي غاية؟ وكيف استطاعت خلق هذا الحشد لصالح التعديل؟ وهو التعديل الذي يرجع المغرب خطوات إلى الوراء، ويؤشر على وجود مواقع ترافع عن الارتداد والنكوص وتعمل من أجله، وتتحين الفرص لغلق قوس الانتقال نحو الديمقراطي وتعليقه إلى أجل غير مسمى. 
الانتخابات التي جرت في المغرب ستظل تلاحقها عدة أسئلة، تمس سلامة نتائجها ومخرجاتها، فأن لا يتسلم حزب العدالة والتنمية مثلا في الرباط إلا ما يقل عن ثلث المحاضر، هو دليل فاقع على أن هناك أشياء ليست على ما يرام رافقت هذه الانتخابات، بالإضافة إلى تغول استعمال المال وشراء الذمم، والتضييق على المراقبين، والعبث باللوائح الانتخابية من خلال حملة ممنهجة للتشطيب على أسماء منتقاة أو إغراق بعض اللوائح بالأسماء المكررة وغيرها من الخروقات، التي يعضد بعضها بعضا في رسم صورة لا تسر الناظرين بخصوص ممارستنا الديمقراطية وكسبنا فيها، وهي صورة اعتقدنا مع دستور 2011 وما تلاه من محطات، أنها أصبحت من الماضي الذي دفناه بصفة نهائية وشاملة.  
إن أكبر خيبة في السنة التي سنودعها هي هذا الانهزام الشنيع في معركة الديمقراطية، باعتبار الديمقراطية مدخلا أساسيا لكل تقدم يمكن أن يتحقق في أي مجال آخر، فعندما تحدث لنا حادثة سير في ديمقراطيتنا، فمعناه أننا سنصل متأخرين في بقية القطاعات والمجالات وقد لا نصل بالمرة. 
واليوم وبعد مضي ما يزيد على ثلاثة أشهر على الانتخابات، فإننا نرى بأم أعيننا كيف خمدت جذوة السياسة في هذا البلد، وأصبحت اللامبالاة هي العملة الرائجة في الفضاء العام، ولم تعد المؤسسات من برلمان ومجالس الحكومة تستقطب اهتمام المواطن، وبالمقابل ازدادت الاحتقانات وشمل لهيبها مجالات وقطاعات متعددة، وزادتها القرارات الحكومية المتتالية اشتعالا. 
لقد جرت العادة في بداية أي تجربة حكومية أن تكون الآمال في أعلى مستوياتها، وأن يكون التفاؤل والحماس متدفقا وبنسب عالية، إلا أن هذه التجربة للأسف ومنذ بدايتها كانت مولدةً للإحباط، ومنميةً لحالات اللامبالاة والعزوف، فالسياسة بعد هزيمة الديمقراطية بذلك الشكل، وانتصار المال وتلبس المصالح بالسياسة، لم تعد تغر أحد، بل إنها تزيد من أزمة المشهد وتعمق جراحاته وانتكاساته. 
إن الخيار الديمقراطي ليس ترفا في السياسة، أو فتحا بلاغيا يتشدق به الساسة بوجود مناسبة أو بعدم وجودها، الخيار الديمقراطي قدرٌ لا بد أن نسعى له وإليه بعقيدة راسخة، وبإرادات واضحة، وسلوك شفاف، ظاهره كباطنه، وأن لا يكون هذا الخيار مجرد مادة للاستهلاك السياسي والتظليل الإعلامي تسنفذ وجودها بانتفاء الحاجة إليها. 
الخيار الديمقراطي مدخل أساسي لتنمية حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية وتوفر فرص النماء الاقتصادي العادل والمستدام، وبدونه سنكرر تجارب الفشل الذي راكمناه ومنذ أمد بعيد، وإلى إشعار آخر سنطوي هذه السنة ونختم عليها وبإرادة، إنها سنة كئيبة والسلام !!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.