دعوات رفع التجريم عن “العلاقات الرضائية” .. قراءة في السياق والخلفيات 

بعد سحب مشروع القانون المتعلق بتعديل مجموعة القانون الجنائي، تعالت أصوات معروفة بتوجهاتها “المتضايقة ” من منظومة القيم المجتمعية التي تشكل لحمة الوحدة الوطنية، وعليها تتأسس الهوية المغربية المتعددة الروافد، كما حددها الدستور وضبط الثوابت التي تقوم عليها، مطالبة ًبرفع التجريم عن “العلاقات الرضائية” وإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، هذه الدعوات اتكأ  بعضها على خرجات وزير العدل “غير المفهومة “والملتبسة حول حديثه عن خلفيته “الحداثية” مقابل خلفية “محافظة” في المشروع  الذي دشن ولايته بسحبه من البرلمان.   
فما الذي يجعل هذه الدعوات تعلو في هذا مثل هذه  السياقات بالذات؟ وما هي الخلفيات الحقيقية وراء انتعاش هذه الدعوات؟
استهداف “مؤسسة الأسرة “
رضى بوكمازي المحامي بهيئة آسفي وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، يرى أن هذه الدعوات تحكمها رغبة واضحة في رفع التجريم عن واقعة  “الفساد”  كما سماها المشرع المغربي والتطبيع معها، ورتب عليها عقوبات وجزاءات، وهذه الرغبة حسب بوكمازي، تخفي استهدافا مبطنا لمؤسسة الأسرة باعتبارها مؤسسة للتنشئة الاجتماعية، واستهدافا لأدوارها في إنتاج المواطن الصالح المصلح، خصوصا بعد استقالة بقية المؤسسات أو ضمور فعاليتها في هذا الإطار، حيث إن كثيرا من الأعطاب الاجتماعية التي ترهق المجتمع وتكلفه اقتصاديا واجتماعيا كانتشار تعاطي المخدرات، وتنامي مظاهر الجريمة، واستفحال العنف في الفضاءات العامة وغيرها من الظواهر، يؤكد بوكمازي هي من نتائج ضعف اشتغال مؤسسات التنشئة الاجتماعية أو استقالتها في القيام بأدوارها ووظائفها.  
بوكمازي نبه إلى أنه في بعض الأحيان قد يقع شطط أوتعسف في استعمال مقتضيات الفصل 490 من القانون الجنائي، وقد يقع استغلاله واستثماره في استهداف أشخاص بعينهم كبعض النشطاء أو الإعلاميين أو غيرهم، لكن هذا لا ينهض ليكون مبررا لإلغاء الفصل أو رفع الصفة الجرمية على واقعة “الفساد”، بل هذا يفتح الباب مشرعا نحو الاجتهاد وتجويد النص، لكن شريطة التمييز بين الرغبة في تطوير منظومة محاربة الفساد، وبين الذهاب إلى حد رفع التجريم عن الفساد. 
فالإصلاح الحقيقي حسب المتحدث نفسه يستوجب أن تحكمه أولوية الحفاظ على الأسرة كمؤسسة أساسية للتنشئة الاجتماعية والتربية على القيم والمواطنة الصالحة، وأن يضمن ذلك الإصلاح  شروط عدم الاستخدام المتعسف للمقتضيات القانونية لتصفية الحسابات أو للتوسع في  الشطط في تطبيق القانون. 
 “التوظيف” المشبوه 
بوكمازي وفي جواب عن خلفيات هذه الدعوات وانتعاشها في هذا السياق، نبه إلى أن المغاربة ليس من أولوياتهم الاهتمام بالحياة الخاصة للأفراد، وليست مشكلتهم في ما يفعله البعض في حياته التي لا تخص أحدا غيره ما دام لا يجاهر بها، إنما المشكل الأساس والأولوية الكبرى للمغاربة، تكمن في الفساد المالي، وفي إقران المسؤولية بالمحاسبة، وفي الإثراء غير المشروع، وعدم قدرة المدبرين على تبرير ثرواتهم التي راكموها أثناء تحمل المسؤولية، سواء كانت انتدابية أو إدارية، وفي مضاعفة الثروة نتيجة اقتران السلطة بالمال وزواجهما، فهذه هي أولويات المواطن المغربي والتي يجب أن تنصرف لها المبادرات التشريعية سواء عبر المشاريع أو المقترحات القانونية.
فالخوف أن يتحول هذا التركيز على الحريات الفردية والفصل 490 إلى محاولة لصرف النظر عن هذه القضايا الأساسية يقول بوكمازي، مضيفا إذا كان التبرير المقدم لسحب مشروع تعديل مجموعة القانون الجنائي، هو الإتيان بمنظومة جنائية متكاملة، فيجب أن يكون المشروع الذي سيقدم، إجابة حقيقية عن القضايا الأساسية للشعب المغربي، المتعلقة بالفساد المالي وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الإثراء غير المشروع، وهذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.