السقوط من الطابق 17 أهون من السقوط في ميدان المصداقية!! 

أوردت بعض المنابر الإعلامية خبرا مفاده، أن حزبا الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار قاما بتبادل المصالح بينهما، عبر تقديم كل واحد منهما المساعدة للآخر في طعن بعضهما البعض في نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة، فبعد الطعن الذي قدمه الاتحاد في رئيس جماعة با محمد بتاونات الذي حاز مقعده باسم التجمع الوطني للأحرار، قدمت قيادة الاتحاد في آخر لحظة ما يفيد أن المعني تم قبول استقالته من طرف هياكل الحزب الأمر الذي رفضته قواعد الحزب وغضبت منه، لكن تبين حسب ما تم نشره أن الأمر يتعلق بمعاوضة ومقايضة، حيث سبق للتجمع الوطني للأحرار أن قدم هدية للاتحاد بإدلائه في مرحلة الاستئناف بما أعتق “رقبة” رئيس جماعة الناظور الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط بسبب انتمائه السابق للأحرار. 
العبرة في الحكاية كلها لا تتعلق بكون الحزبين أحدهما في المعارضة والآخر في الأغلبية !!!!
المشكلة أكبر من ذلك وأثرها أعمق !!
الأمر يتعلق بمصداقية الفاعل السياسي، وفي تقديره للمواطنين وأصواتهم، والقضية تتعلق باحترام القانون والمساطر وعدم العبث بها… القضية في عمقها تحمل إساءة بالغة للسياسة وتجهز على ما تبقى من جاذبيتها.. وتجعلنا أضحوكة في العالمين !!!
فما معنى أن تقبل على نفسك رشوة، عبارة عن مقعد كان  سيسقطه القانون الذي ساهمت أنت بما قدمت يداك في إقراره !!!
ما فائدة القانون إذا كان سيصير ألعوبة في يد السياسيين يتلاعبون به حسب مصالحهم.. يعطلونه متى شاءوا ويطبقونه متى “رشقات ليهم” !!؟؟ وكيف سنقنع أحدا بأننا نعيش في دولة الحق والقانون، إذا كان السياسيون وواضعو القانون أول من ينكل به ويعبث به من باب “لي حرث جمل دكو”؟؟؟
ثم ما هو موقع المواطنين من كل هذا، وهم الذين عبروا بأصواتهم عن إرادتهم التي يجب أن يحميها القانون، ويصونها السياسيون لا أن يتحولوا إلى متاجرين بالقانون وبإرادات الناس؟؟
من سيصدق معارضة تقبل على نفسها مثل هذه الرشاوي؟ وما ذا تبقى لها لكي تعارضه؟ وهي تخذل مناضليها بهذا الشكل المهين قبل أن تخذل من سيراهن عليها كمعارضة من عموم الشعب !!!
لهذا قلنا في العدالة والتنمية إن  البعض “مرمد السياسة ” في هذا البلد، وعوض تدبيج افتتاحيات في حجم المعلقات وتنتميق القول فيمن “سقط على رأسه من الطابق السابع عشر”، كان الأولى على  البعض أن يتفحص وجهه في المرآة جيدا، حتى يتأكد ماذا تبقى له من ذلك التاريخ المجيد، الذي يتم إشهاره بمناسبة وغير مناسبة لمصادرة الحق في النقاش والانتقاد  !!!!
وحُق لحزب العدالة والتنمية أن يفتخر، وهو يرد رشوة في حجم ثلاث مقاعد لأنها ببساطة ليست له ولا يستحقها بمنطق السياسة النبيل.. ولأنها رشوة فاقعةُ اللون نثنةُ الرائحة.. تسيء للسياسة وتضرب المصداقية في مقتل وتطعن في شرف من يمارسها.. اليوم هذا البعض الذي قبل بالأمس بمنطق الإكراه والإذعان أن يرأس مجلس النواب، وهو بالكاد وبجهد جهيد استطاع تكوين فريق.. واعتبر الأمر ذكاء سياسيا ولتذهب كل مبادئ علم السياسة إلى الجحيم ومعها أصوات الناس وإرادتهم !!! اليوم ينكشف أمام العالمين أنه مجرد متسول للمقاعد.. وحكايته مع المعارضة ليست إلا من باب حكم المضطر في أكل الجيفة، بعد أن أعياه التسول بباب رئيس الحكومة والعودة بخفي حنين بعد كل “الخدمات والتمرميدات” التي لم تشفع له !!!
صحيح أننا سقطنا من الطابق 17 أو أكثر، ولنا شرف الاعتراف بذلك بكل شجاعة وأن نبحث عن أسباب ذلك في الذات قبل الآخر تحملا للمسؤولية، واحتراما لذكاء المغاربة.. لكن السقوط الذي لا دواء له هو السقوط في معركة نبل السياسة، لأنه سقوط في ميدان المصداقية، والسقوط هنا يعني الموت، وإكرام الميت دفنه !!!  ولله ذر الشاعر العربي حين يقول: 
لكل داء دواء يستطب به                  إلا الحماقة أعيت من يداويها
هامش على المتن الأصلي: 
تفادينا الحديث عن الطرف الثاني من الفضيحة أو قل الجريرة، لسبب بسيط، أن داء العطب فيه قديم، بل إنه العطب فيه أصيل، وبلغة المغاربة ” هو أصلا من الخيمة خرج مايل”

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.