بعد مذكرة نزار بركة.. من يعرقل استعمال اللغة العربية في الإدارة؟

جددت مذكرة وزير التجهيز والماء نزار بركة الموجهة للأجهزة الإدارية والمؤسسات العمومية التابعة لوزارته، حول إلزامية استعمال اللغة العربية في إصدار القرارات وتحرير الوثائق والمراسلات، النقاش حول من يعرقل استعمال اللغة العربية في الإدارة المغربية ويسعى إلى التمكين للفرنسية بدلا عنها؟ !!

فما هي الجهات التي تقف وراء تعطيل المقتضيات الدستورية المتعلقة برسمية اللغة العربية، وأن الدولة تعمل على  حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، كما ينص على ذلك الفصل الخامس من الدستور؟ وما هي السياقات التاريخية التي  تم ضمنها تهميش اللغة العربية في الإدراة والاقتصاد والتمكين للغة الفرنسية بدلا عنها؟

إدارة عصية !!

لقد تم الترحيب بمذكرة نزار بركة، ولقيت تثمينا وتقديرا لدى فئات عريضة من المغاربة، عبرت عنه منصات التواصل الاجتماعي بحفاوة، لكن  السؤال الذي يطرح نفسه بقوة لماذا لم يتم تفعيل منشور رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني رقم 16/2018 والمتعلق بإلزامية استعمال اللغة العربية والأمازيغية والذي صدر قبل أربع سنوات؟

خصوصا وأنه قد سبق للدكتور عبد القادر اعمارة وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء على عهد حكومة العثماني أن أصدر مذكرة مشابهة بنفس المضامين، وذلك بتاريخ 28 يناير 2021 أي قبل سنة من مذكرة بركة.  

ومما جاء في مذكرة اعمارة السالفة الذكر”وحيث لوحظ أن بعض مصالح الوزارة لم تفعل بعد منشور السيد رئيس الحكومة .. يشرفني أن أدعوكم إلى استعمال اللغة العربية في جميع المراسلات والقرارات الإدارية وسائر الوثائق سواء الداخلية أو الخارجية أو الموجهة للعموم، ما لم يتعلق الأمر بمخاطبة جهات أجنبية أو استعمال وثائق تقنية يتعذر ترجمتها إلى اللغة العربية.

فهل أصبحت الإدارة ذاتها عائقا أمام تنزيل إلزامية استعمال اللغة العربية؟

سياق تاريخي حاكم !

الدكتور علي فاضلي باحث في الدراسات السياسية والدولية يرجع هيمنة الفرنسية على التعليم والإدارة والاقتصاد في المغرب لجذور تاريخية واقتصادية، فالمغرب مثل بقية الدول التي مرت من مرحلة الاستعمار خلال القرن الماضي بقيت محتفظة بلغة المستعمر، الذي عمل على تثبيت لغته في الإدارة والاقتصاد لأنه من أدخل الدولة الحديثة ومنتجاتها للدول المستعمرة.

ويرى فاضلي في تصريح خص به موقع PJD ma أن هذا الأمر أنتج طبقة اجتماعية قوية اقتصاديا، وقوتها الاقتصادية منحتها تأثيرا ثقافيا كبيرا، لكن المشكل الأكبر لهذه الطبقة أنها طبقة تبعية وغير مستقلة، فهي مرتبطة عضويا بدولة الاستعمار.

معركة اللغة ..معركة مصالح !

ويضيف فاضلي، أن الصراع/التدافع حول لغة التدريس في المغرب أوجد تناقضا رئيسا بين طرفين، طرف أول تمثله بورجوازية احتكارية ومهيمنة مرتبطة مصلحيا بفرنسا، وهذه البرجوازية التبعية، حسب الباحث ذاته، تهيمن على الاقتصاد المغربي وتبعا لذلك فهي مؤثرة ثقافيا، ودفاعها عن الفرنسية هو دفاع عن مصالحها الاقتصادية، وهذه البرجوازية مسنودة ببرجوازية صغيرة (طبقة متوسطة) مرتبطة هي الأخرى مصلحيا مع فرنسا ومع البرجوازية التبعية.

أما الطرف الثاني في التناقض الرئيس يضيف فاضلي، فهو البرجوازية الصغيرة (طبقة متوسطة) ومعها باقي الطبقات الاجتماعية، وهي التي تدافع عن العربية وترفض الفرنسية، ورفضها هذا يدخل في إطار مناهضة التبعية لفرنسا، وسعيها نحو تحقيق الاستقلال الثقافي واللغوي عن دولة الاستعمار، كما أن رفض جزء منها -هنا تتموقع الحركات الإسلامية والإصلاحية- للفرنسية ودفاعها عن العربية ينبع من منطلقات عقدية.

معركة بموازين قوى مختلة !

في تشريحه لهذه الحرب التي تدور رحاها في مجال اللغة وتجد جذورها في الإدارة والاقتصاد، كما تجد خلفياتها في المصالح والارتباطات المصلحية لكل طرف، يرى فاضلي أن المدافعين على “الاستقلال اللغوي والثقافي”، أن مشكلتهم  أنهم غير مهيمنون اقتصاديا، لكنهم مؤثرون  ثقافيا واجتماعيا، وضمن هذا الطرف يتموقع حزب الاستقلال بتاريخه المشهود في مناهضة الفرنسية والدفاع عن العربية، وهو أمر بدأ منذ لحظة الكفاح الوطني ضد المستعمر الفرنسي وتواصل مع دولة الاستقلال، وهو الوعي الذي تجسد مباشرة بعد الاستقلال مع إقرار المبادئ الأربعة لإصلاح التعليم التي أقرتها اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957 وهي التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر، ومع قرار وزير التعليم عز الدين العراقي سنة 1984 تعريب التعليم في السلك الثانوي.

ويستدرك فاضلي أنه رغم ما تم تحقيقه من تعريب التعليم ولو جزئيا،  فإن الفرنسية استمرت في الهيمنة كلغة للإدارة والاقتصاد، وبالرغم من القرارات التي اتخذها وزراء خلال الفترة السابقة من أجل تعريب الإدارة الواقعة تحت وصايتهم إلا أن الفرنسية استمرت في المهيمنة، وكمثال هو منشور رئيس الحكومة السابق سعد الن العثماني سنة 2018، وقرار وزير التجهيز والنقل السابق عبد القادر عمارة بداية سنة 2021 من أجل حث مختلف الإدارات التابعة للوزارة على استعمال العربية. وبالتالي فليس غريبا أن يقدم الأمين العام لحزب الاستقلال الذي يتولى الإشراف على تدبير وزارة التجهيز والماء على اتخاذ قرار مماثل للوزير السابق اعمارة.

معضلة “الحقيقة القضائية” !!

ولم يفت الفاضلي الانتباه الى ما أثارته مذكرة نزار بركة بخصوص الاجتهاد القضائي،  الذي يقضي بعدم حجية الوثائق المحررة بالفرنسية أو باللغات الأجنبية عموما ويبطل مفعولها، واعتبر الأمر معضلة حقيقية، فلغة القضاء بالمغرب هي اللغة العربية، والقضاء هو عنوان الحقيقة، لأنه يعبر عن حقيقة المجتمع ومشاكله، ومن المستحيل أن تحل لغة أجنبية محل اللغة العربية في المحاكم المغربية، لكن في الإدارة والاقتصاد والتعليم –بعد قانون الفرنسة- تهيمن الفرنسية، وهو أمر غير مقبول ويعيق التنمية في المغرب، فلا تنمية بدون لغة الوطن.

 

 
شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.