علي فاضلي يكتب عن الوعي “الزائف” للطبقة المتوسطة 

علي فاضلي

في تونس الشقيقة أصبحت سفن الحبوب القادمة للبلاد ترجع من الموانئ بسبب عدم قدرة الدولة على دفع الثمن للمصدرين، في وضع ينذر بأزمة خطيرة قد تقضي لا قدر الله على استقرار البلد وتعصف به، في ظل أزمة غير مسبوقة لانعدام المواد الأساسية، وفي ظل عجز الدولة حتى عن أداء أجور الموظفين!!!
إنها أزمة غير مسبوقة، لكنها تعطي مثالا جيدا على الوعي المثقوب والزائف لدى الطبقة المتوسطة، بحيث قامت نقابة الاتحاد التونسي للشغل منذ ثورة 2011 بدور تخريبي وتعطيلي لكل الإجراءات الإصلاحية التي كانت تريد قوى الثوة القيام بها، ويمكن الرجوع لشهادة الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي حول الأمر، كما يمكن الرجوع لكتابات مفكرين يساريين حذروا من الدور التخريبي الذي يقوم به الاتحاد التونسي للشغل.
وعوض أن تقوم تونس بالإصلاحات الضرورية للقيام بتنمية اقتصادية بعد الثورة، تنمية تشمل جميع التونسيين، كانت الطبقة المتوسطة الفاقدة للوعي تقوم بعرقلة ذلك خوفا على الامتيازات الآنية التي تتمتع بها، وهكذا كان يتم التواطؤ على التضحية بالإصلاح “برشوة” تلك الطبقة في مقابل استمرار معاناة الطبقات الفقيرة والكادحة التي لم تكن تجد من يمتلك القوة للدفاع عنها، فهي بدون نقابات وحتى بدون أحزاب. لكن اليوم فحتى تلك الامتيازات التي كانت تعتبر أساسية مثل الأجر أصبحت مهددة، وستتم مراجعتها لأن المؤسسات الدولية تفرض شروطها لتقديم القروض والمنح، وهكذا عوض أن تسهم تلك الطبقة المتوسطة ببعض الامتيازات من أجل تنمية تشمل الجميع فهي اليوم مهددة بأن تصبح جزءا من الطبقة الفقيرة، لأن أي إجراءات من قبيل التقويم الهيكلي لن تضر البورجوازية الكبيرة بل ستكون الطبقة المتوسطة والفقيرة من ضحاياه الأساسيين!!!
في المغرب لأن وعي الطبقة المتوسطة هو وعي مزيف -وهذا من سمات الطبقة المتوسطة عموما- فتجدها تناضل وتحتج على تراجع بعض الامتيازات اللحظية في مقابل عدم نضالها على الحقوق الرئيسة والأساسية.
وكمثال فالطبقة المتوسطة تحتج مثلا على ارتفاع أسعار المحروقات وتطالب الدولة بالتدخل لدعم المحروقات -وهو مطلب غير عادل وظالم لملايين المغاربة الفقراء والمعدمين- في حين أنها لا تناضل من أجل مدرسة عمومية في المستوى تليق بأبناء المغاربة من جميع طبقاتهم وفئاتهم الاجتماعية، وهكذا فقد تستفيد الطبقة المتوسطة من دراهم معدودة في دعم المحروقات لكنها تؤدي آلاف الدراهم شهريا من أجل تدريس أبنائها!!!
لقد كان قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي اتخذه ابن كيران أهم قرار إصلاحي، لأنه أوقف أحد أكبر مظاهر الريع غير المشروع في المغرب، ووجه أمواله نحو دعم الفئات الضعيفة مثل الأرامل ونحو تأهيل البنية التحتية وتوفير نقل يليق بكرامة المغاربة (سيارات الأجرة الجديدة، حافلات في المستوى، توسيع شبكة ترامواي، تحسين جودة القطارات…).
أما بالنسبة لدعم المدرسة العمومية، فبفضل ذلك الإصلاح استطاع المغرب توظيف أزيد من 100 ألف أستاذ، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المغرب. صحيح أن الطبقة المتوسطة في جزء كبير منها لا تهتم بمثل هذا الأمر، لأنها تدرس أبناءها في المدارس الخاصة، لكن الطبقات الفقيرة والمعدمة في المدن والبوادي تدرك حقيقة الأمر، بعد أن أصبح أبناؤها يحصلون على الأقل على مستوى معين من التعليم.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.