علي فاضلي يكتب: ابن كيران وزيادة أجور الموظفين!!

علي فاضلي

تكفي العودة لحصيلة الأستاذ عبد الإله بنكيران لكي ندرك حقيقة –بعيدا عن أكاذيب جوقة “المازوط”- ماذا قدم للموظفين والعمال خلال رئاسته للحكومة، فبنكيران هو الذي رفع الحد الأدنى للتقاعد إلى 1500 درهم، في وقت كان فيه بعض المتقاعدين لا يحصل إلا على دراهم معدودة، وبنكيران هو الذي قام بحذف السلاليم الدنيا، وهو الذي رفع الحد الدنى للأجر إلى 3000 درهم، وخلاله رئاسته للحكومة قام بتوظيف ما يقارب 120 ألف موظف جديد –أكثر من أي حكومة قبله-، وهو الذي فتح الباب أمام توظيف أزيد من 100 ألف أستاذ حتى اليوم.
يقول الزعيم الوطني المهدي بنبركة “السياسية الحقيقية هي سياسة الحقيقة”، وقد جاءت لحظة كورونا لكي ندرك النتائج الفادحة لعقود من التوافق المغشوش بين بورجوازية ريعية ونقابات انتهازية وسياسيين بدون رؤية، بحيث اكتشفنا أن أزيد من 5 ملايين أسرة وأزيد من 20 مليون مغربي في الحاجة إلى المساعدة والدعم، وهو رقم مهول عرى على عقود من تعطيل التنمية الحقيقية لصالح توافقات لحظية مغشوشة.
وفي تونس فقد جاءت الأزمة الحالية لتفضح سنوات من تعطيل الاتحاد التونسي للشغل للإصلاحات الضرورية لإقلاع تنموي حقيقي يشمل جميع التونسيين، فمنذ ثورة الياسمين –وحتى قبلها- تحول هذا الكيان النقابي الوظيفي لمعرقل لكل إصلاح جاد، وتحولت الدولة التونسية لرهينة لدى هذا الكيان الوظيفي عوض الإقدام على الاصلاحات التنموية الضرورية التي تشمل ملايين التونسيين، واليوم فتونس لا تجد حتى المال الكافي لأداء ثمن استيراد القمح !!!
لم تكن كلمة بنكيران الأخيرة هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن قضية الزيادة في أجور الموظفين، فطالما ردد الكلام نفسه وحتى وهو في موقع رئاسة الحكومة، فكلمة بنكيران يجب الاستماع إليها كاملة، عوض القص المخدوم لها، فهي كلمة تتوافق ومنهج الرجل الواضح، وهو منهج قائم على الاهتمام بالطبقات المسحوقة والكادحة، وهي الطبقات التي تشكل الغالبية الساحقة من المغاربة، وهي طبقات بدون احزاب وبدون نقابات، ولهذا فهي ضحية عقود من التوافق المغشوش. 
انطلاقا من منهج بنكيران فقد اهتم بتخصيص دعم مباشر للأرامل (أزيد من 100 ألف أرملة، وأزيد من 160 ألف يتيم)، وبرنامج تيسير لدعم تمدرس أبناء الطبقات الكادحة، واهتم بالموظفين الصغار برفع الحد الأدنى للأجر إلى 3000 درهم، ورفع الحد الأدنى للتقاعد إلى 1500 درهم، كما قام بأكبر علمية توظيف في تاريخ المغرب، وهو عمل نقل عشرات الآلاف من البطالة إلى صفوف الطبقة المتوسطة.
قد يبدو “تحرج” بعض مناضلي العدالة والتنمية من كلام بنكيران بخصوص أجور الموظفين “تحرجا” مفهوما بحكم تموقع غالبية مناضلي الحزب طبقيا ضمن خانة الطبقة المتوسطة، وهي طبقة مزيفة الوعي عموما، وقد يكون “التحرج” وحتى رفض كلام بنكيران خشية تأثيره على نتائج الحزب انتخابيا في المستقبل وعلى تواجده ضمن الطبقة المتوسطة، لكن ما ينبغي أن يستوعبه مناضلو الحزب ان العدالة والتنمية ليس حزب مواقع ومناصب، وليس حزبا بدون رؤية ومرجعية مؤطرة لاشتغاله، فهو فكرة إصلاحية، والمواقع والمناصب هي وسيلة في خدمة الفكرة الإصلاحية وليست غاية في حد ذاتها، ولماذا يحتاج الحزب أصلا لتلك المواقع والمناصب إذا لم يكن الهدف منها تحقيق الإصلاحات الضرورية للوطن، حتى ولو كانت على حساب شعبية الحزب !!؟؟ ويكفي أن نتعلم من تاريخ الأحزاب التي كانت أكثر تجذرا وشعبية من الحزب كيف تحول حالها نتيجة جعل المواقع والمناصب هي الغاية وليست الوسيلة.
مناضلو العدالة والتنمية مطالبون بوعي حقيقي لوظيفة الحزب، والوعي “بأن السياسية الحقيقية هي سياسية الحقيقة”، وبأن المغاربة يميزون جيدا بين من يريد تحقيق تنمية حقيقية تشمل جميع طبقات المجتمع بالرغم من تكاليفها الآنية، وبين نتائج عقود من التوافق المغشوش على حساب التنمية الحقيقية، ولهذا فقد كان حصول العدالة والتنمية على نتائج غير مسبوقة سنتي 2015 و2016 أمرا محيرا، بل وصادما للكثيرين، بعد أن أقدم بنكيران على إصلاحات تاريخية (المقاصة، التقاعد، مواجهة الريع النقابي والعطل المدفوعة الأجر تحت ستار الحق في الإضراب…).
العدالة والتنمية كحزب إصلاحي لا تهمه النتائج الانتخابية، بقدر ما يهمه ماذا قدم للوطن من إصلاحات ضرورية، ويعلم الله وحده كيف سيكون وضع المغرب اليوم –في ظل أزمات مالية غير مسبوقة تضرب بعض الدول القريبة والبعيدة- لو لم يمتلك بنكيران الوعي والشجاعة  السياسية للإقدام عليها. وكما قال بنكيران في شجاعة سياسية شهورا بعد تعيينه رئيسا للحكومة “لا خير في منصب رئاسة الحكومة ان كان هدفه الحصول على ارتفاع الشعبية لدى المواطنين”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.