فاضلي يكتب: ابن كيران والتحذير من المستقبل المجهول

تميزت خرجات عبد الإله بنكيران منذ فترة بتحذيره من المستقبل المجهول ومن الوضعية الصعبة التي يمر منها العالم والمغرب وبضرورة الالتحام المجتمعي أكثر من أي وقت مضى خلف جلالة الملك، وقد ازدادت نبرة بنكيران حول التحذير من المجهول بشكل لافت خلال خرجاته الأخيرة، وهو أمر قد يجعل البعض يعتقد أن بنكيران يبالغ في التحذير والتهويل. لكن هل بالفعل يبالغ بنكيران حين حديثه عن صعوبة الوضع والمستقبل المجهول؟
قبل أيام قال هنري كيسنجر الثعلب العجوز للسياسة الخارجية الأمريكية –كما يوصف- في لقاء مع جريدة الصنداي تايمز كلاما صادما أحدث ضجة وقلقا دوليين، وهو أمر طبيعي بالنظر لمكانة الرجل وتاريخه الدبلوماسي والأكاديمي الاستثنائي، حين قال بأن هناك أحداث كبيرة قادمة في الشرق الأوسط وآسيا، وبأن العالم دخل مرحلة حرب باردة بين الصين وأمريكا أخطر من الحرب الباردة الأولى.

وما قاله كيسنجر تعضده الشواهد القادمة من الشرق الأوسط وآسيا، فقبل أيام قامت روسيا لأول مرة بقصف قاعدة للتحالف الدولي بقيادة أمريكا في سوريا، وهو أمر اعتبر أمريكيا تصعيدا خطيرا من جانب روسيا، كما شنت اسرائيل هجوما على مطار دمشق الدولي وقامت بتعطيله، وهو الآخر فعل تقدم عليه اسرائيل لأول مرة.كما سيقوم بايدن بزيارة للشرق الأوسط سيكون الهدف الرئيس منها خلق تحالف اسرائيلي-عربي ضد إيران في سياق الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط للاهتمام بشرق آسيا، مع يعني تكليفا أمريكيا لإسرائيل بالقيام بالمهام الأمينة في الشرق الأوسط، وهو فعل بدأ مع دمج اسرائيل ضمن منطقة القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى “سينتكوم” بعد أن كانت جزءا من القيادة العسكرية الأوروبية “إيوكوم” ما يعني ادماجها جنبا إلى جنب مع الدول العربية في الرشق الأوسط.

لقد بدأ بالفعل تنزيل ما سماه وزير الدفاع لإسرائيلي “الدفاع الجوي للشرق الأوسط” بقيادة أمريكية عبر نشر أنظمة رادارات اسرائيلية في الإمارات والبحرين، ومن اللافت أن يكون العراق من الدول المقترحة لكي تكون جزءا من التحالف الدفاعي، فالعراق بقيادة الكاظمي كان الدولة العربية الوحيدة التي استدعاها باين لقمة الدول الديمقراطية، كما أنه سيكون حاضرا في الاجتماع الذي سيعقده بادين مع زعماء الشرق الأوسط (دول الخليج وامصر والأردن والعراق)، وهو فعل يتزامن مع تقديم أعضاء التيار الصدري في البرلمان العراقي لاستقالاتهم بدعوة من زعيم التيار مقتدى الصدر الرافض لتشكيل حكومة مع حلفاء ايران في العراق، وهي استقالة تفتح باب المجهول بالنسبة للعراق. بالإضافة إلى تصاعد عمليات الاغتيال الاسرائيلي بحق علماء وخبراء إيرانيين.

لكن هذا لا يعني تخلي امريكا عن الاتفاق النووي مع إيران، فهي تعمل على التغطية بالانسحاب من الشرق الأوسط عبر خلق تحالف توازني ضد إيران لضمان مصادر الطاقة وأمن دول الخليج وعبر العودة في الوقت نفسه للاتفاق النووي مع إيران، فالمصلحة الأمريكية هي الحاكم لسياساتها في نهاية المطاف.  

في منطقة المحيطين الهادي والهندي تزداد الأوضاع توترا نتيجة الصراع الصيني الأمريكي، توتر تجلى في تصريح بايدن باستعداد امريكا للدفاع عسكريا عن تايوان ضد أي غزو صيني، وفي تحالف “صداقة ضد الصين”، وفي الصراع الذي ظهر بعد توقيع جزر سلميان لاتفاقية أمنية مع الصين أثارت غضبا وتهديدا أمريكيا-استراليا، وفي سباق التسلح المحموم بين الصين وامريكا، سباق توج بإعلان الصين إدخال حاملة طائرات ثالثة للخدمة قبل أيام.

بالنسبة للأزمة الأوكرانية فهي مرشحة لمزيد من التصعيد ، فلا أفق لحل للأزمة، وهو ما يستشف من حديث الأمين العام لحلف الناتو عن استمرار الحرب لسنوات وعن الدعم الاستثنائي الذي اعلنته أمريكا لأوكرانيا والذي يصل ل40 مليار دولار (يفوق الدعم المخصص لإسرائيل خلال العقد الحالي).
أما تبعات الأزمة الأوكرانية على العالم خصوصا على دول الجنوب فهي كارثية، وستظهر تلك التبعات الخطيرة خلال الأشهر القادمة، وقد بدأت مظاهر الأزمة تظهر في دول مثل مصر وتونس وباكستان وغيره.

المغرب ليس بدعا من دول العالم، فالوضعية المالية جد مقلقة مع سنة جفاف استثنائية، وأزمة في الماء بدأت تلوح في الأفق بشكل مقلق، مع تصاعد للحملات المشبوهة والموجهة ضد المؤسسات الصلبة للدولة، وعجز حكومي واضح عن التعاطي مع الأزمة وتصاعد الغضب الشعبي من التدبير الحكومي ومن كوارث سوء التدبير وتبذير المال العام على التوافه والكماليات حكوميا وفي الجماعات الترابية.

يضاف لهذا، الأزمة المتصاعدة مع الجزائر بسبب الموقف المخزي للنظام الجزائري وعدائه المجاني للمغرب عوض التعاون بين البلدين الشقيقين.
لقد أكد العدالة والتنمية وأمينه العام عبد الإله بنكيران مرة أخرى أن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وبأنها مصلحة تهون في سبيلها كل المصالح، وأنه بالرغم مما وقع في 8 شتنبر إلا ان الحزب يضع مصلحة الوطن فوق كل مصلحة، ولهذا فقد وقف بنكيران الموقف التاريخي من الحملة المطالبة بإعفاء رئيس الحكومة، كما أنه يقف الموقف التاريخي من الدعوات الهدامة للمصالح العليا الوطن ومؤسساته.

إن العدالة والتنمية اليوم بالرغم من موقعه الانتخابي هو الحزب الأكثر تواصلا مع المغاربة والأكثر شرحا لحقيقة الوضع ومواجهة الأوهام والأكاذيب الهدامة للوطن ومؤسساته الرئيسة. لقد طرح خيار الحل الذاتي للحزب بعد انتخابات 8 شتنبر من قبل بعض قياداته، لكن الحزب قرر استكمال مهامه الوطنية والتاريخية، ويكفي التفكير في حال المشهد السياسي الحالي بدون العدالة والتنمية وبدون بنكيران.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.