الغش في الإمتحانات.. فاعلة تربوية تضع اليد على الجرح وتنتقد غياب جرأة حقيقية لمحاصرة الظاهرة

تزامنا مع موعد كل امتحان، يتجدد الحديث عن ظاهرة الغش التي باتت تؤرق جميع الفاعلين في المجال التربوي، وساهم الإنتشار الواسع لهذه الظاهرة في كسبها للشرعية، حيث أصبحت حقا مكتسبا لدى الطالب والتلميذ وحتى لدى الأسرة التي باتت تنزعج لأن الطاقم التربوي منع إبنها من الغش وتحتج أمام إدارة الكلية أو المدرسة، ومما عمق الجراح بعض وسائل الإعلام التي تنقل بكاميراتها النماذج الفاشلة من التلاميذ التي تستعين بالغش لنيل شهادة النجاح في الوقت الذي توجد فيه نماذج ناجحة تعتمد على المذاكرة والنقط بالإستحقاق.
الغش ظاهرة مجتمعية
الفاعلة التربوية وأستاذة الفلسفة بالتعليم الثانوي، حليمة شويكة، قالت إن ظاهرة الغش ظاهرة مجتمعية وكارثة على الجميع أن يتعبأ لمواجهتها، قبل أن تؤكد على أن الجميع تخلى على المدرسة بدء بالفاعلين والأسرة ووصولا إلى السياسات العمومية للدولة، وتم ترك الأسرة التعليمية وبالخصوص المدرسين والأساتذة في مواجهة “نفس إجتماعي” ومخيال اجتماعي الذي قلّص وبخّس دور المدرسة والعملية التربوية ولعل ما يظهر الآن من عنف وغش تعتبر من بين نتائج هذا الأمر تقول المتحدثة. 
وأبرزت الفاعلة التربوية في تصريح لـpjd.ma، أنه اليوم أصبح الغش عند البعض حقا مكتسبا ويدافع عنه، قبل أن تضيف أن هذه الظاهرة المجتمعية يتم تبئيرها داخل المدرسة ولكنها منتشرة في المجتمع ككل وبعدة أشكال، مؤكدة أن التطبيع مع هذه الظاهرة سواء في الإمتحانات أو في مجالات الحياة الأخرى يعتبر نذيرا بانهيار كل القيم المجتمعية.
آليات عاجزة
وترى أن الآليات التي تعتمدها الوزارة المكلفة بالتعليم عاجزة تماما عن الحد من هذه الظاهرة، مضيفة أن المقاربة الجزرية من الصعب أن نذهب فيها لأبعد مدى، لأنه إذا تم تطبيق هذه المقاربة لكل حالة غش ستصبح عندنا كارثة في البكالوريا حيث ستبقى حالات قليلة ستجاز الإمتحان على حد تعبيرها.
ولذلك تعتبر الفاعلة التربوية، أن هذه المقاربة تبقى غير كافية وعاجزة، مردفة” نحن كنساء ورجال التعليم نجد أنفسنا أمام مهمة صعبة وشبه مستحيلة لأن الظاهرة أصبحت عامة وبمنطق الحق المشروع، ويصعب محاربتها، وبالتالي نحاول التأقلم مع الوضع ونحاول المحاربة بما توفرت من إمكانيات”.   
وحول دور الأسرة في هذه الظاهرة، أفادت حليمة شويكة، بأن بعض النماذج “الغشاشة” هم نتاج لتربية معينة داخل أسرة تعتبر الغش حق مشروع ونتائج لفكرة الغش أساس، مشيرة إلى أن الأسرة التي من المفروض أن يتكامل دورها مع المدرسة تعتبر الغش حق مشروع وحق مكتسب، وهذه حالات محدودة ولا يمكن التعميم تضيف المتحدثة.
في مقابل ذلك، تؤكد الفاعلة التربوية، أن هناك أسرا تريد تعليم جيد لأبنائها وتراقبهم ولكن هي قليلة جدا بحسبها، منبهة إلى أن الفئة المتفوقة من التلاميذ عاجزة على التأثير في ثقافة المدرسة وأن المؤثر بشكل كبير في ثقافة المدرسة هم الفئات الأخرى التي بالنسبة إليها المدرسة كأنها استنفذت أغراضها، وكأنها مؤسسة فقط للحصول على الشهادة وتذهب إلى حال سبيلها، أما الأمور الأخرى القيمية والهوياتية فلم تعد من مهام المدرسة.
غياب جرأة حقيقية
وحول معالجة هذه الظاهرة، شددت شويكة، على أن أول خطوة للمعالجة هو الإعتراف بهذا الواقع المر وبهذه الحقيقة، وألا نستمر في لغة الخشب التي تنتهجها الوثائق والمذكرات التي تصدر عن الوزارة المكلفة، مُردفة “يجب أن نعترف على أن هناك واقع يحتاج إلى تشخيص جيد، وأن تكون هناك إرادة حقيقية في تجاوز المشكل”.
وأكدت ضمن التصريح ذاته، على أنه يجب أن نمتلك أولا الجرأة الحقيقية للإعتراف بهذا الواقع المر وعدم إخفائه خلف لغة الخشب، ونتكلم بلغة حقيقية واقعية ونشخص الظاهرة بشكل جيد ومن بعد نضع خطة لمحاربة الظاهرة بشكل تدريجي.
وأقرت بأنه من الصعب جدا أن نحارب الغش في المنظومة التعليمية بمعزل عن مكونات المجتمع ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، قبل أن تؤكد على أنه لا يمكن أن نُعالج ضفة ونترك العدوى تأتي من أطراف أخرى. 
وحول المشاورات التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تحت مُسمى “المشاورات الوطنِية لتجويد المدرسة”، وذلك تحت شعار: “تعليم ذو جودة للجميع”، صرحت المتحدثة ذاتها، أنها لا تف بالغرض وتكرر نفسها، مؤكدة أن هذه المشاورات هي تكرار للمشاورات المنصرمة كـ”مدرسة النجاح” ومنتديات الإصلاح وذلك بدون جدوى، لأننا لا نمتلك بعد جُرأة الاعتراف بالواقع الذي نعيشه ونشخصه تشخيصا حقيقيا ومن بعد نضع خطة العلاج.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.