محمد عصام يكتب: الأغلبية ” المتسلطة”!!

محمد عصام

سيشهد التاريخ أن في عهد هذه الحكومة التي لم يعد سرا أنها أضعف الحكومات من حيث عدم قدرتها على مجابهة التحديات المطروحة أمامها، والأكثر استسلاما للواقع العنيد الذي وجدت نفسها في مواجهته، وأكثرها استهلاكا وإعادة إنتاج للمثل  الذي يقول “وكم حاجة قضيناها بتركها، أنها حولت البرلمان عبر أغلبيتها العريضة إلى مجرد غرفة للتصديق على قرارات الحكومة، وتحولت الجلسات إلى منصة للدفاع عن الحكومة وسياستها، إذ تحول نواب الأغلبية وخصوصا نواب الحزب الأغلبي إلى مدافعين “باش ما جاب الله على الحكومة”، وتحولت الوظيفة الرقابية على الحكومة التي يجب أن يضطلع بها هؤلاء طبقا للدستور، إلى  رقابة على المعارضة ومحاولة لتكميم فمها، فكل الجلسات التي مرت إلى حدود الساعة لا تخطئ فيها العين هذا التحول المريب في الأدوار، وإصرار الحزب الأغلبي على التدخل للرد على المعارضة والدفاع على الحكومة، وكأن  هذه الأخيرة عاجزة عن الدفاع عن نفسها أو أنها مرفوع عنها القلم وجب الحجر عليها دفاعا عن “مصلحتها” !!!! 
أمس الاثنين ولترهيب المعارضة وهي تناقش عجز الحكومة عن فعل ما يلزم للتخفيف من واقع الغلاء الذي وصل حدا لا يطاق خصوصا في مجال المحروقات وأثر ذلك على بقية المواد والخدمات، إسوة بحكومات بقية دول العالم التي تدخلت لخفض الضرائب على المحروقات وإلزام الشركات بخفض أرباحها، وحيث لم تكن وزيرة المالية قادرة على شفاء الغليل، واكتفت بالاسطوانة القديمة إياها حول دعم مهنيي النقل ودعم غاز البوتان، تجشم نائب من الحزب الأغلبي لمداراة “سوءة” هذا العجز، فارتكب “حماقة” غير مسبوقة تكشف مرة أخرى نوعية الكفاءات التي دُفع بها إلى المؤسسات التمثيلية، وادعى أن الحكومة لا تزيد ولا تنقص في الأسعار وأنها غير مسؤولة عما يقع، وأنها مطالبة فقط بتنفيذ ما جاء في البرنامج الحكومي، مدعيا أنه صادق عليه جلالة الملك !!!!!!
الأمر لا يتعلق بنائب أو فريق اختلطت لديهما أدوار البرلمان من الرقابة على الحكومة إلى نوع مقيت ومشين من “التنكافت”، بل يتجاوزه إلى محاولة تهريب النقاش وترهيب المخالفين ومصادرة حقهم في النقد  والانتقاد، بإقحام جلالة الملك في شأن يتعلق بعلاقة البرلمان والحكومة، فالبرنامج الحكومي اختصاص حكومي خاضع لرقابة البرلمان إجازة أو رفضا، وبالتالي لا داعي لإقحام جلالته في هذا الموضوع، ثم إن المصادقة على البرنامج الحكومي لا يعفي الحكومة من مسؤولية حماية القدرة الشرائية للمواطنين والحد من الغلاء، وإبداع الحلول الكفيلة بتخفيف العبء عليهم. أم يريد هؤلاء أن يفهمونا أن البرنامج الحكومي أولى من محاربة الغلاء والتصدي له؟؟ 
في هذه الولاية أيضا تحول مكتب مجلس النواب في سابقة لا مثيل لها في تاريخ هذه المؤسسة بالمغرب، إلى مقبرة للمبادرات الرقابية، فأصبح يبث في طلبات الفرق والمجموعة، كما فعل مؤخرا حين رفضه لطلب المجموعة النيابية للعدالة والتنمية رأي مجلس المنافسة حول الشكوك بخصوص بيع الأوكسجين والغازات الطبية، وكذلك الطلب المتعلق بأسعار بيع الحليب. 
فما الذي يخيف الأغلبية في ممارسة البرلمان لأدواره الرقابية؟ هل تريد هذه الاغلبية أن تدشن عهدا جديدا يصادر فيه حق كل الأصوات التي ترفض الانضمام إلى الجوقة التي تم تشكيلها قبل انتخابات 8 شتنبر من أحزاب ونقابات وجمعيات وإعلام وفنانين؟ 
ألا يعلم من يدفع في هذا الاتجاه أنه يسير بالبلد نحو المجهول، وأن الاحتقان الذي بدأ في التشكل ويتزايد يوما بعد يوم، يمكن لا قدر الله أن يذهب بنا نحو ما لا تحمد عقباه، فعندما يصر البعض على تنميط وإسكات كل الأصوات المعارضة، وإفراغ المؤسسات من مضمونها الدستوري في الرقابة وتحويلها إلى مجرد مكاتب للتسجيل والمصادقة، وحينما يتم إسكات الإعلام والنقابات والجمعيات بالطرق التي لا يعرف سراديبها إلا الراسخون في شراء الذمم والولاءات، فإن الانفجار آت لا ريب فيه، ذلك أن حين تغلق كل القنوات الطبيعية لتصريف الغضب والانتقاد، فأكيد أنه ستفتح أخرى لا أحد يمكن أن يدعي لنفسه أنه يملك مفاتيح إغلاقها.. فقليلا من التعقل رحمكم الله قبل فوات الأوان !!!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.