فاضلي يكتب: الانتخابات الجزئية تعري أخنوش

علي فاضلي

قضى تيار النگافات ليلة “حمراء” احتفاء بنتائج الانتخابات الجزئية بكل من مكناس والحسيمة، احتفاء بلغ مستوى طفوليا بالاهتمام بخسارة العدالة والتنمية أكثر من الفائز بتلك الانتخابات. غير إن هذا الاحتفاء ليس الغرض منه الفرح بقدر التغطية على حقيقة نتائج تلك الانتخابات، والتغطية والتنفيس عن الحالة النفسية الصعبة التي يمر منها هذا التيار، حالة نفسية صعبة جعلت أحدهم يسب المؤسسات الصحافية والصحافيين والفنانين ويبتز ويهين الدولة المغربية (لنا عودة للموضوع) بسبب ما اعتبره عدم التضامن معه ضد حملة السخرية من هذا التيار.

كما أن الهدف هو التغطية على خرجات بنكيران، وهو الكلام الذي يحظى بمتابعة وشعبية جد كبيرين، لدرجة أن جزءا من كلمته الأخيرة في الحسيمة شاهدها في صفحة واحدة في أقل من 24 ساعة أزيد من مليوني شخص وشاركها أزيد من 24 ألف شخص، وبطبيعة الحال فهذه المتابعة الجماهيرية الكبيرة لبنكيران تصيب “القوم” بجلطات سياسية مزمنة.

وأهمية المتابعة الجماهيرية الكبيرة لبنكيران تنبع من كونها تؤكد شعبية الرجل ومكانته، فهي متابعة تأتي بالرغم من كل الحملات الإعلامية الكبيرة والمنسقة المهاجمة لبنكيران، والتي تحمله كل الشرور التي تقع في المغرب. 
وكما اعترف أحدهم قبل مدة فبنكيران هو “درون السياسة في المغرب”.

* لماذا المشاركة؟
السؤال الأهم والأساس الذي ينبغي طرحه، لماذا شارك العدالة والتنمية في تلك الانتخابات بالرغم من علمه بأن حظوظه جد ضعيفة للفوز؟

لا ينبغي هنا استحضار أجوبة مثالية بعيدة عن الواقع الموضوعي الملموس للوطن والحزب، فالهدف من المشاركة هو التأكيد على الخيار الاستراتيجي للحزب القائم على المشاركة، وقد ألمح بنكيران في كلمته في مكناس لهذا الأمر.

إن مشاركة العدالة والتنمية في هذه الانتخابات الجزئية هي جواب سياسي بالغ الأهمية، خصوصا وأن خيار الانسحاب وحتى حل الحزب طرح بقوة بعد  انتخابات 8 شتنبر، وهو خيار بات يدافع عنه جزء معتبر من مناضلي الحزب.
لقد كان معلوما أن حظوظ الحزب جد ضعيفة للفوز في تلك الانتخابات، ومن الطبيعي أن ينزل بنكيران وقادة الحزب لتأطير الحملة وحث الناخبين على التصويت، ومن يفهم في السياسة وفي رهانات الانتخابات الجزئية يعي الأمر، وحتى مناضلو الحزب لم يهتموا بهذه الانتخابات. 

لكنها مشاركة في سياق أزمة غير مسبوقة يمر منها الوطن، أزمة تؤثر بشكل كبير على إيمان المغاربة بأهمية المؤسسات المنتخبة وضرورتها بعد فضائح وكوارث ما بعد 8 شتنبر.

إنها مشاركة من أجل الوطن وفي مواجهة الخطابات العدمية التي باتت تنتشر بشكل غير مسبوق بالاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أكدت لحظة ما بعد 8شتنبر أن العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي ما زال حاضرا سياسيا، في حين أن الحزب الذي يقود الحكومة ومعه بقية أحزاب الأغلبية كأنها تبخرت في الهواء، وهو أمر يحدث في ظل تزايد وحضور ملفتين للخطاب الراديكالي، دون الحديث عن الخطاب المشبوه والموجه من خارج المغرب. 

بالرغم من كل ذلك كان مفهوما أن لا يسمح للعدالة والتنمية بالفوز في تلك الانتخابات، وأول الأسباب هو عودة بنكيران وعدم منحه فوزا في بداية مشواره الجديد، وثانيا هو عدم تناسي قرار الحزب الانسحاب من مجلس المستشارين، وعدم تناسي كلام بنكيران حول المقاعد المسروقة، والأهم هو الطعن السياسي لبنكيران في انتخابات 8 شتنبر.

* ماذا تقول الأرقام؟

خلف الاحتفاء الطفولي والمضلل لتيار النگافات بنتائج العدالة والتنمية يتم التغطية على حقيقة الأرقام التي كشفت عنها تلك النتائج.

وهنا لن أتوقف عند قضية تدخل السلطة والمال في هذه الانتخابات، وعند الخروقات التي تم تسجيلها من قبل العدالة والتنمية، لكن سأتوقف عند الأرقام المعلنة.  

احتفى النگافات بأرقام العدالة والتنمية في مدينة الحسيمة، وهو احتفاء سببه الزيارة السياسية لبنكيران للمنطقة وكلامه هناك، وهي زيارة ولحظة سياسية بامتياز.

 لكن ما فات القوم أن الحسيمة هي دائرة كانت تاريخيا لا تصوت للعدالة والتنمية لظروف عديدة، وهي من الدوائر القليلة التي لم يفز بها الحزب سنة 2016 –كانت اقوى فترة للحزب ذاتيا وموضوعيا- بالرغم من ترشيح نجيب الوزاني، الأمين العام لحزب العهد الديمقراطي (الرئيس الحالي لجماعة الحسيمة)، باسم العدالة والتنمية، ولم يتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب 3700 صوت، أما في انتخابات 8 شتنبر فحصل على 1100 صوتا.

أما في مكناس فحصل العدالة والتنمية في انتخابات 8 شتنبر على 7400 صوتا، أما في الانتخابات الجزئية الأخيرة فحصل على 5700 صوتا، أي أنه تراجع بنسبة ضعيفة في عدد الأصوات في ظل انتخابات جزئية برهاناتها وسياقاتها وتحالفاتها المعروفة لكل فاعل سياسي. 

الآن سنأتي للأهم، وهي نتائج حزب التجمع الوطني للأحرار، وهي الأرقام التي تشكل رسائل جد مهمة يحاول تيار النگافات التغطية عليها بالتركيز على العدالة والتنمية.

حصلت مرشحة الحمامة في الانتخابات الجزئية على 17000 صوتا، لكن عند المقارنة مع انتخابات 8 شتنبر نجد حزب الحماة فقد 11000 صوتا دفعة واحدة في أقل من سنة –نجدد التأكيد أننا نتحدث عن الأرقام المعلنة دون الحديث عن الخروقات التي تمت خلال الانتخابات الجزئية-.

الأهم والأخطر من ذلك وهو ما يمثل انتكاسة لحزب أخنوش وأغلبيته الحكومية أن مرشحة الحمامة حصلت على ذلك الرقم بالرغم من دعم ثلاثة أحزاب أخرى لها (الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والاتحاد الدستوري)، وبالعودة لنتائج هذه الأحزاب في انتخابات 8 شتنبر نجدها حصلت مجتمعة على أزيد من 81000 صوت، ما يعني أن هذا التحالف فقد أزيد من 64000 صوت في أقل من سنة واحدة.

إنها انتكاسة سياسية للأغلبية الحكومة وقائدها أخنوش، أما مشاركة العدالة والتنمية فهي بمنطق “الماكرو” لا “الميكرو”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.