الناطق الرسمي “وكذبة” ميثاق الاستثمار

نزار خيرون

طلع علينا الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بيتاس، الأسبوع الماضي، في ندوته الصحفية الأسبوعية، بتصريح عجيب غريب يتعلق بميثاق الاستثمار، حيثُ قال “25 سنة ولم يُحرَّك ميثاق الاستثمار في بلادنا، وهذه الحكومة نجحت وأخرجته في وقت قياسي”، وهو يعلمُ عِلم اليقين أن هذا غير صحيح.
ومن باب إنعاش ذاكرة الناطق الرسمي باسم الحكومة وتعريفه بأن الحكومات المتعاقبة، وتحديداً الحكومتين اللتين ترأسهما حزب العدالة والتنمية، قامتا بمجهودات كبيرة وموثقة لإخراج ميثاق الاستثمار ومناخ الأعمال ولا أدلَّ على هذا التقرير الأخير لوالي بنك المغرب الذي أشاد بنجاعة القرارات المالية والاقتصادية التي اتخذتها حكومة سعد الدين العثماني.
وانطلاقا من الموقع الذي شَغَلْتُهُ، ومما عاينته عن قرب بالاشتغال مع بعض وزراء الحكومة السابقة، من موقع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، ومن موقع رئاسة الحكومة، أؤكد أن ميثاق الاستثمار الذي نسبه الناطق الرسمي لحكومته زوراً وبهتاناً، هو نفسه الميثاق الذي أعدته الحكومة السابقة وقامت بمجهودات طيلة الولاية السابقة وعقدت من أجل إخراجه اجتماعات عدة وهي موثقة وموجودة في الصفحة المؤسساتية لرئيس الحكومة والصفحة الشخصية لرئيس الحكومة السابق الدكتور سعد الدين العثماني.
وللتاريخ فمنذ سنة2017 عَملت حكومة سعد الدين العثماني على إعداد ميثاق جديد للاستثمار، حيثُ تم طلب وتلقي مجموعة من الاقتراحات تهم مشروع الميثاق الجديد للاستثمار من طرف القطاعات الحكومية والهيئات المعنية وتم على إثرها إعداد جذاذة للمقترحات التي تم قبولها، ثم بعد ذلك تم عقد مجموعة من الاجتماعات للتشاور مع وزارة الاقتصاد والمالية بخصوص مشروع الميثاق الجديد للاستثمار (مديرية الميزانية وإدارة الجمارك والمديرية العامة للضرائب)، وهكذا فقد تم إعداد مشروع القانون المتعلق بميثاق الاستثمار.
وحتّى أسهّل على الوزير بيتاس وعلى القراء الكرام، ومن باب التبسيط، سأتطرق على شكل رؤوس أقلام  لبعض المحطات التي مرَّ منها إعداد مشروع القانون الإطار المتعلق بالاستثمار، والعراقيل التي وضعت في طريقه، حيث تم عقد عدد من الاجتماعات و إدراج عدد من الإجراءات في قوانين المالية وكذا إصدار عدد من مشاريع المراسيم، وفق الشكل التالي: 
•    تم تبني إجراءين أساسيين في قانون المالية لسنة 2017، نظام المصدر غير المباشر وضرائب جديدة في المجال الصناعي، 
•    إعداد مشروع المرسوم القاضي بتمديد امتياز الممنوح للتصدير إلى المصدرين غير المباشرين، 
•    اعتماد إجراءات محفزة للمقاولات الناشئة برسم قانون المالية لسنة 2018، كتخفيض الضريبة لفائدة المقاولات التي تمتلك حصصا في رأسمال المقاولات الناشئة المبتكرة في مجال التكنولوجيات الحديثة،
•    إصدار مشروع المرسوم القاضي بتحديد الأنشطة المزاولة من طرف الشركات الصناعية المستفيدة من الإعفاء المؤقت من الضريبة على الشركات المنصوص عليه في المادة 6 (II –باء- °4 ) من المدونة العامة للضرائب والذي تمت المصادقة على مشروع المرسوم بالمجلس الحكومي بتاريخ 1 فبراير 2018.
•    في 25 أكتوبر 2018 صادق المجلس الحكومي، لأول مرة منذ حوالي عشرين سنة، على مشروع مرسوم الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وهو الميثاق الذي يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للمواطن والإدارة والجماعات الترابية والمقاولة، حيث ساعد على توسيع مجال الحرية والسرعة في اتخاذ القرارات وتنفيذ البرامج ومواجهة التحديات والاستجابة لحاجيات المواطنين على الصعيدين الجهوي والإقليمي، وهذا ما استدعى تكييف الميثاق الجديد للاستثمار.
•    تم إعداد نسخة جديدة لمشروع القانون الإطار المتعلق بالاستثمار، وإحالته على الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 23 يناير 2019.
•    تم عقد اجتماع مع القطاعات الوزارية المعنية، كالأمانة العامة للحكومة والمالية والداخلية والسياحة والخارجية والنقل والتجهيز والطاقة والمعادن والتعليم العالي والتكوين المهني والصحة، وذلك بتاريخ 31 يناير 2019 من أجل تقديم الخطوط العريضة للصيغة الجديدة لمشروع القانون الإطار المتعلق بالاستثمار.
•     تم إعداد مصفوفة جديدة تتضمن مجموع الملاحظات حول الصيغة الجديدة لمشروع القانون الإطار المتعلق بالاستثمار من طرف عدد من القطاعات الوزارية، في أفق عقد اجتماع على مستوى الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 04 فبراير 2019 لدراسة هذه الملاحظات، 
•     تم عقد مجموعة من الاجتماعات بمقر الأمانة العامة للحكومة خلال شهر ماي ويونيو ويوليوز من سنة 2019، 
•    في 08 نونبر 2019، تم عقد اجتماع بمقر الأمانة العامة للحكومة خصص لمناقشة مدى ملاءمة مشروع القانون بمثابة ميثاق الاستثمار لمشروع الإصلاح الضريبي
•     في 18 دجنبر 2019، عُقد اجتماع آخر تم فيه التوصل بملاحظات من طرف وزارة الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري حول مشروع القانون بمثابة ميثاق الاستثمار.
•     تم إعداد نسخة جديدة لمشروع القانون بمثابة ميثاق الاستثمار وتم إرسالها إلى القطاعات المعنية لاسيما وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري.
•     بتاريخ 2 مارس 2020، تم التوصل بملاحظات جديدة حول مشروع القانون بمثابة ميثاق الاستثمار من وزارة الاقتصاد والمالية،
•    تم عقد اجتماع مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وتبعا له تم إعداد نسخة جديدة لمشروع القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار وإرساله إلى الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 13 أكتوبر 2020.
وفي 23 فبراير 2021، تم تقديم عرض حول مشروع هذا القانون بالأمانة العامة للحكومة، كما عُقد اجتماع مع كافة الوزارات المعنية بتاريخ 19 مارس 2021، والذي تبعاً له، تم التوصل بملاحظات حول مشروع هذا القانون من طرف وزارة الشغل والإدماج المهني ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والجالية المغربية بالخارج ووزارة الطاقة والمعادن والبيئة.
المفارقة أنه بعد تجاوب هذه الوزارات، لم تُدلِ باقي القطاعات المعنية بملاحظاتها وخصوصاً قطاعي الاقتصاد والمالية والتجارة والصناعة، حيث ظلَّ مشروع القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار في طور الدراسة على مستوى الأمانة العامة للحكومة لإدراج ملاحظات الوزارات المعنية وذلك خلال شهر أبريل 2021.
وهكذا فإن قطاعي الاقتصاد والمالية والتجارة والصناعة، اللذين كانا تحت إشراف حزب الناطق الرسمي الحالي، خصوصا وأنهما المعنيان أكثر بالميثاق وفق الاختصاص، يتحملان مسؤولية تأخر إخراج الميثاق، ربّما حتى لا يُحسب للحكومة التي كان يرأسها حزب العدالة والتنمية، وإذا ظهر السبب بَطُل العجب.
وما يُحاول الناطق الرسمي إخفاءه، منذ ندوته الأولى، أن الحكومة السابقة تركت  رُزنامة من القوانين الجاهزة، بعضها تقوم الحكومة الحالية فقط بوضع توقيعها عليه وإخراجه دون زيادة أو نقصان، والبعض الآخر تقوم بسحبه.

 السياسة أخلاقٌ أولا، و لا تُمارس بنسب مشاريع وإنجازات ومجهودات الغير إلى أنفسنا ذواتنا، ولكن تُمارس بالصدق والوضوح و بالاعتراف بالفضل لأهله، وإن كانوا خصوما مُفترضين، وتمارسُ بالشجاعة لاتخاذ القرارات المناسبة وتحمل مسؤوليتها السياسية، وإن كانت صعبة، وبشرحها للناس، فحكومتي ابن كيران والعثماني كانتا دائماً تُحيلان على الحكومات السابقة فيما تعلق بالإنجازات التي أنجزوها بدون أدنى مركب نقص، ويمكن للمرء العودة إلى تسجيلات الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة بالبرلمان وسيتأكد، وخصوصا وأن عدداً من المشاريع والمنجزات تكون  استراتيجية وعابرة للزمن الحكومي.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.