هل تجد صرخة “غوتيريش” لمواجهة جشع شركات المحروقات صدى لها في المغرب؟

قال الناشط السياسي والباحث الأكاديمي عبد الكريم الكعداوي، إن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حول تحقيق شركات النفط والغاز أرباحا “مفرطة” “وقياسية” و”غير أخلاقية”، يشكل إنذارا مدويا من أعلى مسؤول أممي، لارتباطه بالسلم الاجتماعي الوطني والأمن الإقليمي والدولي. 
وأضاف في تصريح لـpjd.ma، أنه رغم أن سياق التصريح يرتبط بأزمة الطاقة التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا، إلا أن تلك الأرباح، يؤكد المسؤول الأممي، جاءت على حساب الأشخاص الأكثر ضعفا والمجتمعات الأكثر فقرا، وهو توصيف بحسبه دقيق يتقاطع مع معطيات واقع الغلاء الفاحش للمحروقات بالمغرب حد التطابق.
حماية المصالح الشخصية
وأوضح أنه أمام جميع المؤشرات التي تبرز تعنتا غير مسبوق في الفتك بالقدرة الشرائية للمواطنين، وتهديد الاستقرار الاجتماعي، ومواصلة حماية المصالح الخاصة وجني الأرباح الشخصية، بل والاغتناء من الأموال العامة عن سبق إصرار وترصد، بعد سحب قانون تجريم الإثراء غير المشروع، وتوقيف برامج محاربة الفساد، تبدو توصيات “غوتيريش” في مواجهة جشع شركات المحروقات عصية على التطبيق في الواقع المغربي، على أن الأمل في نفوس المغاربة، قائم بأن تتحقق بسرعة وفعالية توجيهات خطاب العرش بخصوص الوقوف، بكل حزم ومسؤولية، في وجه تضارب المصالح الذي يشكل أكبر تهديد للبلاد وتنميتها.
وأشار الكعداوي إلى أنه سبق للخبراء والمراقبين أن قدموا توصيفات متطابقة بشأن الأرباح التي يجنيها قطاع المحروقات بالمغرب، وتم تصنيفها في خانة الأرباح غير الأخلاقية، لاسيما وأن بعض التحليلات الحسابية حددت هامش ربح غير قانوني يصل لخمسة (05) دراهم عن كل لتر واحد، دون احتساب التلاعبات المحتملة في الفواتير بسبب السوق السوداء في مناطق الحروب، أو استغلال مخزون العقود الآجلة المقتناة بأثمان رمزية خلال ذروة الجائحة. 
بل إن الشركات الفاعلة، يضيف الكعداوي، تبادلت الاتهامات حول تحقيق أرباح فاحشة ومضاعفتها، بعد تقرير لجريدة “لوموند” الذي اتهم رئيس الحكومة (عزيز أخنوش) بالوقوع في تضارب المصالح إثر الارتفاع المتصاعد لسعر المحروقات، ولجوء أعضاء من الحكومة للتبرير بواقع الحرب أو ارتفاع الدولار أو استيراد المواد المكررة مع استمرار تعطيل مصفاة “لاسمير”، وهو ما عكس في حينه غياب الشفافية والوضوح والتواصل، قبل أن يؤشر عليها والي بنك المغرب في تقريره السنوي أمام جلالة الملك.
غياب إرادة سياسية
وحول حض “غوتيريش” كل الحكومات على فرض ضرائب على الأرباح المفرطة، واستخدامها لدعم الأشخاص المتضررين من الظروف الصعبة، شدد المتحدث ذاته، أن الحالة المغربية، في ظل ترأس الحكومة من قبل أبرز فاعل في مجال المحروقات، يجعل تفعيل هذه التوصية بعيد المنال، لاسيما وأن التوجه الحكومي المعبر عنه يقوم على تعويم “الضرائب التضامنية” على القطاعات التي تحقق “رقم معاملات كبير”، وليس تلك التي حققت ربحا أكبر في ظل الأزمة، وحتى من دون تحديد حجم رقم المعاملات المقصود، وهو ما يترك دار لقمان على حالها.
ولفت في هذا الصدد، إلى أن أرباح كل يوم تشكل ثروة ضخمة غير مشروعة تجنيها الشركات المهيمنة عل سوق المواد الأساسية، وفي طليعتها المحروقات. وهو ما يكشف، مرة أخرى، غياب الإرادة السياسية للتخفيف من المعاناة المتواصلة للمغاربة منذ شهور، بل هيمنة إرادة مستفزة للشعور العام، ومعاكسة لكل المعطيات الواقعية حول سعر البترول الذي يواصل هبوطه في السوق الدولية، دون أن ينعكس على انخفاض ثمن المحروقات في السوق الوطنية، وهو ما لم يكن حدوثه ممكنا لو لم تجد اللوبيات المتواطئة كامل الحماية من الجهاز الحكومي الحالي يؤكد الكعداوي.

تعطيل المنافسة
وأشار الباحث أنه بالرغم  من الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها المغرب في مجال الطاقات البديلة، ووجود وزارة باسم “الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة”، إلا أن الوزيرة المعنية مازالت وفية لخلفيتها الاقتصادية ضمن مجال الطاقات الأحفورية، بل وتكرس واقع تضارب المصالح لفائدة رئيسها من خلال “تعطيل المنافسة من المنبع”، عبر عرقلة إصدار التراخيص النهائية لشركات المحروقات الجديدة، والترويج لعدم حاجة المغرب لمصفاة “لاسامير”، وهو ما أصبح، على كل حال، توجها حكوميا رسميا إثر رفض رئيس الحكومة لمقترحي قانون، الأول بشأن “تنظيم أسعار المحروقات”، وهو ما كان جزءا من برنامج حزب الاستقلال المكون للأغلبية، والثاني حول “تفويت أصول شركة سامير لحساب الدولة”. 
وهي كلها إجراءات يؤكد الكعداوي، تشكل إمعانا في تحصيل مكاسب خاصة وأرباح شخصية على حساب مصالح الوطن والمواطنين، مبرزا أن المشاركة الواسعة لمهنيي النقل في تحويل الحملة الافتراضية ضد أخنوش إلى أرض الواقع، تمثل أكبر تعبير عن فشل الدعم المزعوم لوسائل النقل، وتوجيه النسبة الكبيرة منه لغير المستحقين، في تكريس فاضح للاغتناء غير المشروع من أموال دافعي الضرائب.
وفي ظل كفاح فئات واسعة من أجل التعافي من جائحة الكوفيد، واستمرار شركات المحروقات في جني الأرباح بشكل غير أخلاقي، لفت “غوتيريش” إلى وجود “إشارات تحذيرية لموجة من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي لن يكون أي بلد بمنأى عنها”. وبشكل استباقي، كان وزير الداخلية قد عقد لقاء مع “تجمع النفطيين المغربي” أكد من خلاله على السلم الاجتماعي عبر تقليص هامش الأرباح، ومراعاة الظرفية التي تحتم وضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح، وهو ما يشكل تململا اضطراريا، بعيدا عن حسابات رئيس الحكومة، أملته التهديدات المرصودة للأمن والاستقرار الاجتماعي بسبب تواصل الضغط على المواطنين، واستمرار التعبير المجتمعي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن مطالبة أخنوش بالرحيل، كتجسيد للوعي العام بخطورة الجمع بين المال والسلطة على تحقيق التنمية المستدامة، لاسيما في ظل تظافر عوامل الجفاف وتضرر المناطق القروية، وبروز أزمة الماء بسبب الاختيارات السيئة للمخطط الأخضر، التي لم يكن سوى أخنوش نفسه المسؤول عنها ولسنوات.
هذا وذكر المتحدث، إلى أنه برزت تهديدات جدية بعد فرض الهيمنة على الحقل السياسي والتحكم في المؤسسات، والانتهاك المتواصل للدستور والقانون من خلال التضييق على الاختصاصات الرقابية لمجلس النواب، وهروب رئيس الحكومة من المساءلة الشهرية، وتعطيل مجلس المنافسة، وحماية اللوبيات المضاربة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.