حوار.. البقالي: الأسرة المغربية بدأت في التفكك بسبب ارتفاع حالات الطلاق.. وهذا ما يجب القيام به لمعالجة الظاهرة

حاوره المحجوب لال

أكد المحامي محمد نجيب البقالي، أن المحاكم المغربية تصدر أكثر من 100 ألف حكم بالطلاق بشكل سنوي، أي ما يفوق 30 بالمائة من عدد حالات الزواج السنوية، مشددا أن هذا الرقم يهدد الأسرة المغربية، ويؤكد أنها بدأت بالتفكيك.
وتوقف البقالي في حوار مع pjd.ma عند أهم الأسباب والعوامل التي أدت إلى بروز هذه الظاهرة السلبية، وكذا المداخل الممكن استثمارها لحماية الأسرة وإيقاف النزيف الذي تعانيه بسبب ارتفاع حالات الطلاق.

وهذا نص الحوار كاملا:
س: كفاعل في الميدان، ما أرقام الطلاق المسجلة في المغرب، وأي تقييم يمكن إطلاقه عليها؟
ج:
كمتتبعين وممارسين لمهن العدالة داخل المحاكم لمغرب، ما فتئنا نسجل ارتفاعا كبيرا في حالات الطلاق، منذ السنوات الأولى لتطبيق مدونة الأسرة ودخولها حيز التنفيذ، ولاسيما المسطرة الجديدة للتطليق وهي الطلاق للشقاق.
ففي الماضي، كنا نسجل حوالي 10 آلاف حالة طلاق سنوية، ثم ارتفع الرقم إلى 30 ألف حالة طلاق سنة 2010، وصولا إلى 50 ألف حالة سنة 2017، وبدأ الرقم يصبح مخيفا أكثر ما بعد 2017، إذ أن طلبات الطلاق بلغت 100 ألف حالة.
هذا الارتفاع الكبير لا يتلاءم مع ارتفاع عدد السكان، فقد كنا في 2004 حوالي 30 مليون نسمة، ولم يرتفع العدد في 2014 إلا بخمسة ملايين نسمة، في حين، لا تعرف نسبة الطلاق نفس الارتفاع بل بشكل مضاعف وكبير، حيث أن نسبة الزواج 2021 بلغت 308 آلاف إذن زواج، مقابل 121 طلب طلاق، وعلى فرض أن 10 بالمائة يتم حلها عبر مسطرة الصلح، فالباقي، أي أكثر من 100 ألف حالة، هو رقم كبير.

س: ما الأسباب والعوامل التي أدت إلى تسجيل هذا الارتفاع الكبير في عدد حالات الطلاق بالمغرب؟
ج:
أعتقد أن الأمر يتعلق بانتقال وتحولات اجتماعية واقتصادية عرفها المغرب خلال الثلاثين سنة الأخيرة، عنوانها أننا لم نحسن تدبير الانتقال الديمغرافي والاجتماعي الذي نعيشه، بحيث انتصرت علينا قيم الفردانية والقيم الحديثة، ومن ذلك ما أشار إليه تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط.
هذا التقرير، تحدث عن تحول وانتقال كبير على مستوى القيم ومفهوم الأسرة والمجتمع الاستهلاكي، بحيث أنه وقع انتقال عنيف من مجتمع تقليدي محافظ إلى مجتمع حديث فيه الكثير من التكسير للقيم الأصيلة والتقليدية للمجتمع المغربي، ولذلك أعتقد أن هذا الأمر رفع من نسبة الطلاق.
كذلك ما ورد في مدونة الأسرة، والتي سمحت للمرأة بأن تسلك مسطرة التطليق للشقاق، ولذلك نجد أن 80 بالمائة من طلبات الطلاق تأتي من النساء. فضلا أننا انتقلنا في علاقاتنا الزوجية والأسرية من علاقة قائمة على المودة والرحمة إلى منطق قائم على الندية والصراع.
من جانب آخر، فمؤسسة الأسرة تعرف تحديات كبيرة مرتبطة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، تتعلق بصعوبات الحياة وبناء أسرة مستقرة، إذ أن جائحة كورونا خلفت أضرارا اقتصادية واجتماعية على الأسرة، كما خلفت احتقانا داخل المجتمع المغربي، وما بعد كورونا ليس كما قبله في عدد حالات الطلاق من حيث الارتفاع والزيادة.
فما نعيشه اليوم، وأقول هذا بكل حسرة وألم، هي لحظة من لحظات تفكك أهم بنيات المجتمع وهي الأسرة، إذ أن أزيد من 30 بالمائة من حالات الزواج ينتهي بها المطاف إلى الطلاق، وهذا أمر يدعو لمعالجة سريعة وإصلاح حقيقي، على المستوى الثقافي والاجتماعي والقانوني والاقتصادي.

س: ما دمت تحدثت عن الإصلاح والعلاج، ما الحلول المكنة لأجل إيقاف هذا النزيف الذي تعاني منه الأسرة المغربية؟
ج:
أولا علينا الإقرار بأن الطلاق هو ظاهرة دخيلة وغريبة على المجتمع، خاصة وأن الإسلام والدستور يعتبران أن الأسرة هي المؤسسة الأولى للمجتمع، وهي المحضن الأول للتربية على القيم الأصيلة والتنشئة الاجتماعية للأطفال وحمايتهم من الانحراف والخطر، الذي يسببه الطلاق، والذي يؤدي إلى تهديد انسجام المجتمع وتآلفه.
كما أن الخطاب الملكي الأخيرة فتح الباب من جديد لمناقشة 20 سنة من تطبيق مدونة الأسرة، وأثرها على المستوى الاجتماعي والقانوني، الأمر الذي يستوجب فتح نقاش عمومي وعلمي حول ظاهرة الطلاق، بعيدا عن الصراع الأيديولوجي الحاد، أو الوصول إلى توافقات قد تكون بعيدة أو مضرة بالأسرة المغربية.
كما يجب إعادة النظر في نظرتنا لمؤسسة الزواج، فلا يعقل أن هذه المؤسسة وإلى الآن، تظل دون مواكبة أو دعم اجتماعي حقيقي من المؤسسات الرسمية، فنحن بحاجة إلى تحول اجتماعي يواكب ويدعم ويساهم في نجاح هذه المؤسسة.
وأعتقد أيضا، أن مدخل القيم الإسلامية الأصيلة التي تدعو إلى حماية الاسرة والبعد عن تفكيكها، ستكون مدخلا هاما لمعالجة الظاهرة، خاصة، وهذا مما لا يخفى على أحد، أن هذه القيم الأصيلة هي التي ساهت في تماسك المجتمع المغربي، وكانت ومازالت وستبقى عامل حماية للأسرة والمجتمع من التهديدات التي يعرفها.
وأعتقد أيضا، أن دور العلماء وخطباء المساجد والمجتمع المدني والإعلام كبير في هذه المعركة أو لمواجهة هذه المعضلة، عبر دعم القيم الاجتماعية المغربية الأصيلة، التي بطبيعتها تخالف قيم الفردانية وتدعم وتحافظ على مؤسسة الزواج.
كما أننا بحاجة إلى خلق مؤسسات للتكوين والتأطير قبل الزواج، تقوم بدور تأطيري وتكويني للمقبلين على الزواج، كما هو حال التجربة الماليزية، لا أن تكون لدينا مؤسسات جافة كما هو معمول بها في مسطرة الصلح، فيجب أن نواكب مؤسسة الأسرة بشكل رسمي من لدن الحكومة ولاسيما وزارة الأسرة والتضامن، من خلال برنامج دائم للتكوين والمواكبة الاجتماعية.
ومن الأفكار أيضا، وضع برامج اقتصادية من لدن الدولة، لدعم ومساعدة المقبلين على الزواج، ومن ذلك دعمهم في الحصول على السكن وغيرها، فهذا التوجه، يعين على الحفاظ على الأسرة واستمرار كينونتها.
وإذا نظرنا إلى مسطرة التطليق، نجد أن 80 بالمائة منها مرتبطة بالطلاق للشقاق، وهذا يستوجب المراجعة والنقاش، فضلا أن البت في الملفات يكون ما بين 15 يوما إلى ثلاثة أشهر، وهذا وقت سريع مقارنة مع دول مجاورة، ومنها دول أوروبية، والتي تعطل مسطرة الطلاق سعيا للحفاظ على الأسرة وإمكانية الصلح بين الزوجين أو حل الخلاف بينهما.
وعموما، فإن مقاربة هذا الموضوع الهام والخطير، يتطلب البدء فيه بشكل عاجل، وعبر مشاركة مختلف المتدخلين القانونيين والاجتماعيين والأكاديميين والاقتصاديين والتربويين.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.