لماذا تجفّ أراضي المغرب وكيف نتعامل مع أزمة الماء؟

صرّحت وزارة التجهيز والمياه، أن المغرب سيواجه فترات صعبة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات الخزّانات المائية التي تراجعت من 62% عام 2013 إلى 32% عام 2022، فيما بلغ العجز الراهن في مخزون مياه السدود نسبة 89% مقارنة مع المعدّل السنوي، فكيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ وما سبل معالجته؟
يقول الباحث الأكاديمي محمد الشرقاوي، إن السّؤال يزداد إلحاحا بغية تحديد ما إذا كانت زراعة السّقي ومزارع البطيخ الأحمر والموز والأفوكا والتّوت (الفراولة) وغيرها من الزراعات الموجّهة إلى الخارج نعمةً أم نقمةً على المزارعين وبقية المغاربة.
وتوقف الشرقاوي في مقال رأي نشره بجريدة “العربي الجديد”، عند دراسة صادرة عن “مركز الولايات المتحدة للسلام (USIP)”، بعنوان “المغرب يعكس معضلة الجنوب العالمي: الماء أو الأغذية، تقول إنّ “المغرب، وإن حسّن مستوى إنتاجه الغذائي للحد من انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية، فإنه أرهق إمدادات المياه المحدودة في البلاد بممارسات الزراعة الصناعية كثيفة الاستخدام للمياه”. 
وذكر الأكاديمي المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، أن التنبيه إلى أزمة شحّ المياه في المغرب ليس أمرًا جديدًا، فقد نبّه البنك الدولي، في تقرير عن إدارة ندرة المياه في المناطق الحضرية في المغرب، صدر عام 2017، إلى أن النموّ السكاني والنشاط الاقتصادي والتوسّع الحضري والتغيرات المناخية “ستضع المملكة على الأرجح في حالة ندرة شديدة في المياه في غضون عقدين”.
وأوضحت مؤلفة التقرير، ميجان فيراندو، الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، وفق المصدر ذاته، أنّ العوامل التي أدّت إلى مشكلة شحّ المياه في المغرب تشمل “الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة، وتفاقم تغير المناخ، وحقيقة أن مخاوف ندرة المياه تحتاج إلى التنافس مع مشاكل أكثر حدة في حياة المواطنين”.

المخطط الأخضر
يقول الشرقاوي إن دراسة لمعهد السلام، توقفت عند ما أسمته بـ “مكاسب غير متكافئة في إطار مخطط المغرب الأخضر”، حيث استحوذت المزارع الصناعية الكبيرة على جزء كبير من موارد التنمية الزراعية، بينما شهدت المناطق الزراعية الأصغر والأكثر فقرًا نموًا أبطأ واستثمارًا أقل. وأدّى تركيز المغرب على الزراعة التصديرية إلى “تقليص مساحة الأراضي المخصّصة للحبوب، ما جعلها أكثر اعتمادًا على الواردات الأجنبية”.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قد أشار إلى أنّ عادات استهلاك المياه الحالية، فضلا عن آثار تغير المناخ، يمكن أن تساهم في خسارة 80% من جميع الموارد المائية في المغرب بحلول عام 2045.
كما نبّه المجلس أيضا إلى خطر النضوب السريع لطبقات المياه الجوفية التي استغلها المغرب بكثافة لتوسيعه قطاعه الزراعي، وكيف انخفضت طبقات المياه الجوفية بشكل مثير للقلق، وتدهورت مياهها بسبب تسرب مياه البحر، فيما يزيد تلوث النترات (من الأسمدة أو مياه الصرف الصحي)، والزيادات الطبيعية في الملوحة، في بطء معدّل إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، وفي نضوبها وتدهورها، وسيكون لهما آثار وخيمة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمغرب.
في الوقت ذاته، يقول الشرقاوي، “يتحوّر المغرب مُرغما من “بلد السدود” إلى بلد الحاجة لمعدّات تحلية مياه البحر، وهي مكلّفة ويتطلب استمرار استخدامها على مدار الساعة تكاليف طاقة عالية”.

هل من حلّ في الأفق؟
يؤكد المتحدث ذاته، أن أزمة الجفاف المتفاقمة في المغرب تجسّد عدة تحدّيات بنيوية واقتصادية وتقنية تتقاطع بين عدة مجالات حيوية. وتلح على ضرورة إيجاد حلول هندسية وتقنية ناجعة في تحلية مياه المحيط الأطلسي حتى لا تتفاقم حدّتها، وتنال من أداء الاقتصاد وأيضا القدرة المعيشية لعموم المغاربة.
وتوقف الشرقاوي عند إعلان الديوان الملكي في منتصف فبراير الماضي أن المغرب سينفق 10 مليارات درهم على خطّة وطنية لتخفيف آثار الجفاف على المزارعين والاقتصاد من إدارة المياه، ومساعدة المزارعين، والتأمين الزراعي وتمويل تزويد السوق بالقمح، وعلف الماشية.
وقال الشرقاوي، إن البنك الدولي ذكر في دراسة جديدة بعنوان “المرصد الاقتصادي للمغرب – ربيع 2022: الجفاف يعرقل الانتعاش الاقتصادي”، أصدرها في 20 يوليوز 2022 أن الصدمات الجارية “تؤثر على موازين المالية العامة والخارجية للبلاد، ويقوم القطاع العام بالتخفيف من حدة التأثيرات الناجمة عن هذه الصدمات عن طريق دعم الأسعار المحلية واللجوء إلى عدد من التدابير الخاصة الطارئة.
وأشار الشرقاوي إلى استطلاع شمل 1200 من خبراء التنمية المستدامة في 80 دولة أجرته شركة “غلوبالسكان” GlobeScan، وهي مؤسّسة دولية لأبحاث الرأي العام وشركة “ساستينابيليتي” SustainAbility، وهي مؤسّسة بحثية في مجال استراتيجيات الأعمال حول سؤال: “ما هي التقنيات أو التغييرات في السلوك التي تُظهر الواعد بمعالجة نقص المياه خلال العشر سنوات القادمة؟”.
وقال الشرقاوي إن النتائج أظهرت توافق الخبراء الدوليين على 19 حلا مقترحا لتقليص الأزمة: 1) تثقيف الجهور لتغيير طرق الاستهلاك وأنماط المعيشة، 2) ابتكار تقنيات جديدة للحفاظ على المياه، 3) إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، 4) تحسين ممارسات الري والزراعة، 5) تسعير المياه بشكل مناسب، 6) تطوير محطات تحلية يتوفر فيها مورد الطاقة، 7)  تحسين تجميع المياه وحصادها، 8) الاهتمام بالحوكمة والشراكات المجتمعية، 9) تطوير وتنفيذ سياسات وأنظمة أفضل، 10) إدارة شاملة للنظم البئيية أو”الإيكولوجية”، 11) تحسين البنية التحتية للتوزيع، 12) تقليص البصمات المائية للشركات، 13) بلورة أنساق دولية ومؤسساتية للتعاون، 14) معالجة التلوث، 15) توجيه الموارد العامة المشتركة، إيصال الماء بشكل عادل إلى المستهلك، 16) البحث والتطوير/الابتكار، 17) مشاريع المياه في البلدان النامية/ نقل التكنولوجيا، 18) التخفيف من آثار تغير المناخ، 19) ضبط النمو السكاني.
وخلص الشرقاوي إلى أن هذه القائمة تشمل أحدث التوصيات الإجرائية والبنيوية للحد من أزمة الجفاف في العالم، وتقبل الانتقاء والتحوير حسب خصوصيات المغرب، أو كما قال محمد عابد الجابري: تبيئة الحلول حسب تعقيداتها المحلية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.