الحكومة الصالحة

محمد بالخضار باحث في القانون العام والعلوم السياسية

إن الدرس الذي كان يلقيه سقراط على تلميذه السيبياد ما زال أولى بالسَّاسة أن يتلقوه و أن ينتفعوا به : ” يجب قبل كل شيء ياصديقي أن تفكر في اكتساب الفضيلة أنت، وكل رجل يريد أَلاَّ يعنى بنفسه و بما له من الأشياء فحسب، بل أيضا بالدولة، و بالشؤون التي هي للدولة “.
والفضيلة هنا حسب مونتسكيو في دراسته لأنواع الحكومات، تعني الفضيلة السياسية، أي حب الوطن والمساواة. و حب الوطن يعني الإخلاص له، وخدمة شعبه بالسعي لتحقيق تطلعاته وحل مشاكله، تكريسا لكيان الدولة، ورفاهية المجتمع.
و حب الوطن في معناه السياسي، هو السهر على درأ الاخطار الداخلية والخارجية التي تهدده، وتأهيل مُجتمعِهِ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا …إلخ بتوزيع المجهود التنموي المبذول من طرف الحكومة في شتى المجالات المذكورة بشكل متساوٍ بين طبقات المجتمع، وعلى امتداد الرقعة الجغرافية للدولة.
فالمساواة تسمح لجميع المواطنين بممارسة حقوقهم المشروعة، و شرط لاستقرار المجتمع وإشاعة روح التعاون بين فئاته المختلفة. وغياب المساواة تنتج عنه  تفاوتات كبيرة بين طبقات المجتمع، بين فئة محظوظة تحظى بامتيازات وأخرى محرومة من أبسط الحقوق، ويصبح مشروعا الحديث والحالة هذه، عن خدمة المصلحة الخاصة لفئة معينة في المجتمع، والتفريط في فئات أخرى، لأنها لو كانت هذه المصلحة، مصلحة عامة، لَعَمَّتْ الجميع، وليس البعض فقط.
وهذه التفاوتات قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية … والخ، حيث يجعل أفلاطون لفساد الحكومات سببا أَوْحداً و هو ” الاستبدال غير الشرعي لمنفعة خاصة، بالمنفعة العامة “.
والتفاوتات الاجتماعية تؤدي إذا ما استمرت إلى خلال في العلاقة بين مكونات المجتمع، بظهور فئات غنية جدا، وفئات معدمة تعاني ضيق الحال، وهو على كل حال، يعد هذا الخلل، مرض يصيب الاقتصاد، يقتضي معالجته بإعادة توزيع العائد الوطني بشكل يعيد التوازن الى كيان الدولة والمجتمع.
فمن ” بين جميع التفاوتات الانسانية، ليس من بينها ما هو أَحْوجُ الى التبرير أمام العقل، أكثر من التفاوتات التي تنشأها السلطة نفسها ” كما يقول Guglielmo Ferrero.
فالدولة عليها ان تسهر على رعاية المجتمع بشكل يضمن الحظوظ للجميع، و تفتح الافاق أمام مختلف الفئات الاجتماعية لتحقيق الذات، و كسب رهان الحياة.
و الحكومة كسلطة تنفيذية ملزمة ببذل جهد سياسي للتعاطي مع التحديات الداخلية والخارجية، والحفاظ على توازن المجتمع، وتقليص الفوارق التي تعتريه قدر ما تستطيع.
فالقدرة على تغيير الأشياء، والتعاطي مع القضايا العالمية هي من خصائص الحكومة القوية في ظل العولمة والتداخل الاقتصادي الكبير بين المحلي والعالمي.
كما عليها الاضطلاع  بمسؤولية مواجهة المستقبل، كما يقول بيير روزنفالن في كتابه Le Bon Gouvernement، أي القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية التي تطرأ سواء كانت داخلية أو خارجية، وإيجاد الحلول المناسبة لها، متسلحة في ذلك بالقدرة على التوقع، واستباق الأحداث عبر قراءة صحيحة للمتغيرات السياسية والاستراتيجية المحلية والاقليمية وحتى العالمية منها بإرادة سياسية قوية أو ” نظام الإرادة الراسخة ” كما يُسميها Robert Musil  في كتابه L’Homme sans qualités  في تناغم مع دينامية  المجتمع المدني، الذي له وسائل للتعبير عن مصالحه، و ارائه، والدفاع عنها، فالربط بين النشاط الحكومي والانصات الى المجتمع، مسألة بالغة الأهمية كما يُورِد Necker   و   Guizotأحد المنظرين العصريين للحكومات في عصر السيادة الشعبية.
فالشعب يراقب النشاط الحكومي ويخضعه لعملية تقييم يومية، خاصة ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية المرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن، و رضى الشعب عن الأداء الحكومي مسألة في غاية الأهمية، والاستهتار بها، يعد تخلفاً في الممارسة السياسية.
فالشعوب تحن دوما للدولة الاجتماعية، سواء في دول الشمال أو دول الجنوب، لما لهذه الدولة من أثر جميل في نفوس المواطنين، لأنها دولة راعية للمجتمع، حانية على ضعفائه،  في إطار ” اقتصاد أخلاقي ” كما يقول Steffen Mau، اقتصاد يعتمد على الأفكار والاعتبارات الاخلاقية للعدالة الاجتماعية، حيث يقوم المجال السياسي باعادة التوازن بين التفاوتات والنتائج التي لاتطاق التي حدثت داخل السوق. فتتحقق بذلك ” دولة المجتمع “، كما يقول عبد الإله بلقزيز في كتابه الأخير “الجماعة السياسية والمواطنة ” دولة تمثل المجتمع وتعبر عن الإرادة العامة.
إلاَّ أنه يلاحظ، أن السلطة التنفيذية أصبحت تعاني حرجا سياسيا أمام شِدة وسرعة المتغيرات الدولية المتتالية، متغيرات صحية، طاقية، غذائية…الخ ، و أصبحت تقدم مبررات واهية أمام قلة حيلتها على اجتراح حلول لمشاكل غير تقليدية.
إلا أنها تبقى المسؤول الأول عن تدبير شؤون الدولة تحت طائلة الاتصاف بالعجز، و عدم القدرة، ومن تم، تصبح مشروعيتها السياسية على المحك، فالمشروعية الانتخابية لا تكفي الحكومة، بل مشروعية الانجاز، وما يتحقق على الأرض، والعائد التنموي لنشاطها على الفرد والجماعة، هو الذي يبرر استمرارها في تحمل المسؤولية السياسية.
أما مشروعية الانتخابات، فتسمح لها فقط بالولوج الى السلطة، أما مشروعية الانجاز فتسمح لها بالاستمرار في هذه السلطة، حيث يتحدث Pierre Rosanvallon عن محدودية الشرعنة عبر الانتخابات.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.