قضية حامي الدين.. ملاحظات على هامش مرافعات بئيسة

المحجوب لال

خلال الجلسة الـ 17 من جلسات محاكمة عبد العلي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة التي انعقدت بمحكمة الاستئناف بفاس يوم الثلاثاء 20 شتنبر 2022، اتهم دفاع المطالبين بالحق المدني حامي الدين بالاستقواء بانتمائه السياسي كما اتهموا وزير العدل الأسبق المصطفى الرميد بالتأثير والتدخل في القضاء، بناء على مقولة: “لن نسلمكم أخانا”.

في مرافعة المطالبين بالحق المدني حضر القذف والسب والتشهير وإطلاق الكلام على عواهنه وغاب القانون والفقه والاجتهاد..

حضر الحقد والكراهية والبغض وغاب العقل والحكمة وبعد النظر..

حضر تزوير تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من خلال شيطنة الإسلاميين وتصويرهم كإرهابيين متطرفين، بينما غاب العنف الثوري الذي مثل عقيدة القاعديين الماركسيين ولايزال ضد مخالفيهم في الرأي من جميع الاتجاهات بما فيها داخل العائلة اليسارية..

حضر تزوير تاريخ العنف الجامعي وكأن هناك ضحية واحدة من ضحاياه وهو بنعيسى آيت الجيد، بينما تم تجاهل عشرات الضحايا الذين سقطوا داخل الجامعة من التيار الإسلامي كعبد الرحيم الحسناوي ومحمد العبودي وعبد الجليل فخيش ومحمد أزوكار وغيرهم من تيارات أخرى ليس آخرهم الطالب الأمازيغي عمر خالق المعروف (إيزم)..

حضر تزوير التاريخ من خلال طمس معالم العنف الثوري القاعدي الذي مورس ضد طلبة حزب الاستقلال المنضوون تحت لواء الاتحاد العام لطلبة المغرب خلال مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ومن خلال منع ونسف محاضرات علال الفاسي وعائشة بنت الشاطئ ورشدي فكار والمهدي المنجرة وغيرهم..

كل ذلك من أجل إلصاق تهمة العنف بالإسلاميين فقط..!!!

كانت مرافعات تستهدف شخص حامي الدين وتحاول النيل من سمعته ومساره السياسي والأكاديمي الذي يشهد له فيه الجميع بالصدق والنظافة والمعقول..

كانت مرافعات تستهدف المس بأسرته وباستقرارها، من خلال التشهير بزوجته واتهامها باستغلال منصبها كمستشارة في ديوان وزير العدل الأسبق للتدخل في القضاء…

كانت مرافعات تستهدف وزير العدل والحريات وتتهمه بتحصين زميله في الحزب من المتابعة القضائية وضمان إفلاته من العقاب..

كانت مرافعات لاحتقار عقول الناس واستغباء العدالة وكأن الأستاذ الرميد كان يتحكم في القضاء منذ 1993 إلى 2017 تاريخ قبول الشكاية الكيدية الثالثة ضد حامي الدين..

هي بحق مرافعات تحتقر ذكاء المغاربة وتستخف بعقولهم: كيف يعقل أن يتم إحياء ملف بت فيها القضاء بصفة نهائية وإقحام عبد العلي حامي الدين فيه ابتداء من سنة 2011-2012؟ أين كانت عائلة ورفاق الضحية طيلة 18 سنة؟ ومن كان يمنعهم من التقدم للعدالة بشكاياتهم؟

هل يملك المغاربة ذاكرة السمكة وهم يتذكرون أن ما يسمى بمؤسسة آيت الجيد بنعيسى تأسست على يد إلياس العماري سنة 2015!! لماذا لم يتم تأسيسها قبل ذلك؟

هل تناسى هؤلاء أن أول بيان لما يسمى بعائلة الضحية يتهم حامي الدين خرج من مقر حزب الأصالة والمعاصرة بالرباط وهناك العديد من الصحافيين يشهدون على ذلك؟

حاولت بعض المرافعات التمطيط في عبارة “لن نسلمكم أخانا” التي اعتبرها أحد المحامين استقواء على القانون أو القضاء..! والحقيقة التي لا جدال فيها أن هذه العبارة تعني أن حامي الدين ليس وحده في هذه المحنة، بل إن الحزب بأبنائه ومناضليه، يقفون إلى جانبه لرفض ما تعرض له من ظلم، كما يقف إلى جانبه عدد كبير من كبار الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين، الذين، رغم ضغوط الطرف الآخر وأساليبهم الترهيبية والبلطجية، صمدوا في طريق الدفاع عن حامي الدين، من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الأمن القضائي وعن صورة المغرب.

إن فتح قضية محكومة بسبقية البت، فيه تهديد مباشر للأمن القضائي المغربي، وهناك ترقب كبير للحقوقيين ولرجال القانون والفقه والقضاء لهذه القضية، لأنها عنوان لممكنات التعايش السياسي في المغرب بين الفاعلين السياسيين وهل يمكن أن يتحول الخلاف السياسي والإيديولوجي من فضاءاته الطبيعية داخل مؤسساتنا السياسية والمدنية والعامة، إلى خلاف تفصل فيه أروقة المحاكم وفصول القانون الجنائي بعد فبركة الملفات وصناعة القضايا الجنائية.

وبالعودة لجلسة الثلاثاء الماضي، فقد اتضح للجميع كيف تمت فبركة هذا الملف بعد فشل جميع الشكايات التي تم تقديمها سنة 2011 و2012 و2013، حيث جرى اختلاق واقعة جديدة على لسان شاهد جديد وهو في الحقيقة متهم مدان قديم، الذي استفاق من غيبوبته التي دامت 23 سنة ليقول سنة 2016 بأنه عاين حامي الدين في مسرح الجريمة وهو يضع وجله على عنق الضحية او رأسه (مع اختلاف الروايات!!) وهي العبارة التي جرى تكييفها كدليل جديد بنيت عليها شكاية كيدية جديدة سنة 2017 بنت عليها النيابة العامة ملتمسا بفتح تحقيق وقرر على أساسها قاضي التحقيق المتابعة في حق حامي الدين..!!

هكذا إذن تمت فبركة هذا الملف وصناعة وقائع جديدة وتركيب قصة من وحي الخيال.. كل ذلك بحثا عن رأس حامي الدين!!!

ولو نظرنا إلى ما سمي بالدليل الجديد الذي على أساسه تمت إعادة فتح ملف مشمول بسبقية البت في سابقة قضائية خطيرة، لوجدناه مليء بالتناقضات والمفارقات التي لا يقبلها عقل ولا منطق، وهو ما أوضحه باقتدار كبير النقيب محمد الشهبي في مذكرة مفصلة خلال الجلسة ما قبل الأخيرة.

وكم كانت سقطة أحد محامي المطالب بالحق المدني كبيرة خلال جلسة الثلاثاء، حين قال إن تناقض الشهادة ليس له اعتبار قانوني، ذلك أن ما أدلى به المدعو الخمار وهو متَّهم من حقه تغييره وهو يتحدث كشاهد، إذ، من حقه وهو متهم أن يلجأ للكذب!!؟ لكنه كشاهد فهو ملزم بقول الحقيقة لأنه أدى اليمين.؟!!!

سنترك للمحكمة تقييم أقوال الشاهد المزعوم، لأن أحكام القضاء وقناعات القاضي إنما تبنى على الوقائع والحقائق ونصوص القانون، لا على الأوهام والخيالات واختلاق القصص.

وأخيرا نهمس في أذن المسؤولين عن هيئات المحامين بالمغرب بأن مسؤوليتكم كبيرة في إصلاح أحوال مهنة المحاماة وصيانة رسالتها الشريفة من بعض النماذج التي تسيء إلى نبل هذه المهنة وتمثل إهانة حقيقية لبذلة الدفاع التي كانت على مر التاريخ المعاصر منبرا حقوقيا وقانونيا بعيدا عن التوظيف الحقير في معارك القتل الرمزي والسياسي للمناضلين..

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.