محمد عصام يكتب: موت السياسة

محمد عصام

آلينا على أنفسنا في هذا المنبر ألا نُشغل أنفسنا وأن لا نشتغل بالشؤون الداخلية للفرقاء السياسيين، وأن ننأى بأنفسنا عن الصراعات الداخلية التي قد تخترق هذا الكيان أو ذاك، إيمانا منا حد اليقين أن الشؤون الداخلية للأحزاب وغيرها من المنظمات خط أحمر لا يمكن تجاوزه ولا استغلاله والاستقواء به في أي صراع سياسي، وأيضا لأننا نؤمن حد العقيدة أن المغرب في حاجة إلى أحزاب قوية معافاة، وذلك لمصلحة تعزيز الخيار الديمقراطي، والذي مدخله الأساس أحزاب قوية بدمقراطيتها الداخلية واستقلالية قرارها السياسي. 
لكن نحن كذلك مضطرون غيرة على هذا الخيار الديمقراطي، أن ننبه إلى أن بعض المشاهد التي تتكرر داخل بعض الأحزاب في مؤتمراتها وبعض محطاتها الانتخابية، لا تسيء فقط إليها ولكن تسيء إلى سمعة البلد، وتضع أسئلة حارقة حول مستقبل الديمقراطية في ظل وجود كائنات بهذا المستوى الصفري من الديمقراطية. 
إن مؤتمرات انتخاب الأمناء العامين بالتصفيق، ومؤتمرات حسم الصراع بمعارك الصحون الطائرة، ومؤتمرات تعيين “الهابطين بالبارشوت” على الأحزاب، ومؤتمرات إنزال البلطجة وإغراق اللوائح بمن هب ودب.. وغيرها من الممارسات التي تتكرر في البيوت الحزبية للأسف، تؤشر كلها على أن الرهان على مثل هذه الكائنات التنظيمية لا يرجى منه كثير نفع للبلد ولديمقراطيته التي تراوح مكانها، وأنه بدون القطع مع هذه العقليات وبناء تنظيمات حقيقية على أسس ديمقراطية، فإن الاستحقاقات الانتخابية التي تشهدها بلادنا كما حدث في واقعة 8 شتنبر البئيسة، لن تكون إلا تكرارا مملا لمثل هذه المشاهد التي تبعث على القرف، وتكرس نزوعات اللامبالاة  والعزوف وتعمق أزمة السياسة بل تعلن موتها، و”إكرام الميت دفنه”. 
لقد شكل حزب العدالة والتنمية نموذجا مثاليا في إدارة ديمقراطيته الداخلية، فرغم الأزمة الحادة التي أعقبت مهزلة 8 شتنبر، استطاع الحزب بشهادة الجميع أن يدير محطة مؤتمرة الاستثنائي بأعلى درجات الديمقراطية بدون وصاية أو تدخل من أي جهة كيفما كان نوعها، ولم تشهد أطوار مؤتمره الاستثنائي أي حركة أو عمل يخدش هذه الصورة الراقية لحزب ديمقراطي حتى النخاع، مما يخدم صورة البلد ويزيد جرعات الأمل في ديمقراطيته، لأنه لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين.
وقبل ذلك أدار الحزب عرسا ديمقراطيا حقيقيا في مؤتمره العادي الأخير، حيث ظل التشويق والإثارة ملازمة للعملية الانتخابية عبر دوريها الأول والثاني، ولم يحسم فيمن سيتولى الأمانة العامة إلا بنسبة 51 في المائة، بين الدكتور العثماني والدكتور ادريس الأزمي الإدريسي. 
وحزب العدالة والتنمية يكاد يكون الحزب الوحيد الذي يتوفر على مسطرة واضحة وغير مسبوقة في المغرب لاختيار من سيتولى المهام الحكومية، بكل شفافية وتنعقد لذلك لجن يحددها القانون للبث في الأسماء والمهام المقترحة، في حين يستحوذ الأمناء العامون على هذا الامتياز، وهو ما وقع مع هذه الحكومة الحالية حيث تفاجأ كثير من أعضاء أحزاب الأغلبية بوجود أسماء لا يربطها بحزبهم رابط يستوزرون باسمه، وربما كان هذا سببا مركزيا في تأخر خروج لائحة كتاب الدولة إلى حدود  الآن. 
لهذا كله نؤكد أن حصادنا في “الديمقراطية” لن يكون ذا بال، إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم، وأنه بدون أحزاب ديمقراطية قولا وعملا، فإننا وكما هو واقع الآن بالفعل، سنكون كمن يزرع الريح ولن يحصد إلا العاصفة، ونظرة بسيطة على الجماعات الترابية وفحص سريع لوجوه من يقود القطاعات الحكومية اليوم يوصلنا إلى قناعة “أن فاقد الشيء لا يعطيه” وعظم الله أجرنا جميعا في الفقيدة “الديمقراطية” ولا حول ولاقوة إلا بالله.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.