العمراني يكتب: نداء الإصلاح الديمقراطي- السياق والمكتسبات والآفاق

تقديم

شكلت الانتخابات التشريعية التي شهدتها بلادنا سنة 2007 انتكاسة ديمقراطية آلمت كل الديمقراطيين، مما استدعى من الفاعلين الغيورين التداعي إلى الاصطفاف الديمقراطي في وجه المسار التراجعي الذي بدأ منذ 2003 وبلغ أوجه سنة 2009، وهذا ما سمح ببروز ثقافة سياسة جديدة أبانت عن محدودية الاصطفاف الإيديولوجي وقدرته على فرملة التراجعات السياسة والحقوقية فضلا عن إنتاج التنمية، غير أن الدينامية التي عرفها المشهد السياسي عقب استحقاقات 2007 لم تفلح في إنهاء مسار التحكم الذي استمر بلا هوادة حتى اصطدم بحائط الربيع الديمقراطي الذي عرفه محيطنا الإقليمي بداية سنة 2011.

 وقد عاش المغرب ربيعه بطريقة استثنائية، حيث تفاعل الشارع مع الحركية التي شهدتها البلدان المجاورة ونبتت من رحم المعاناة الطويلة مع منظومة الاستبداد والفساد حركةُ 20 فبراير، التي وإن لم يشارك فيها حزب العدالة والتنمية تقديرا للمآلات المحتملة لخروجها للشارع على الوضع العام، إلا أنها على مستوى المضمون التقت مع إرادة الحزب في محاكمة منطق التحكم الذي ساد في المرحلة السابقة، ودقِّ ناقوس الخطر لما يتهدد بلادنا إن لم نتوجه إلى الإصلاح رأسا، وهي الرسالة التي التقطها جلالة الملك سريعا وجاء خطابه يوم 09 مارس 2011، مؤذنا بأفق سياسي جديد للمغرب لم يترقبه مختلف الفاعلين.          

1)     السياق  

في هذا السياق الدينامي الذي شهده المغرب، ودعما للإصلاحات السياسية والهيكلية الكبرى التي أطلقها خطاب 09 مارس، تبلورت يوم 17 مارس، أسبوعا بعد ذلك، إرادة الهيئات الموقعة على نداء الإصلاح الديمقراطي ومنها حزب العدالة والتنمية لتأسيس مبادرة مفتوحة على باقي الفاعلين، رامت أطرافها النضال من أجل ”توفير الضمانات السياسة والقانونية والمسطرية لتحقيق الإصلاح السياسي والمؤسساتي اللازم(…) والاستجابة لمطالب الشباب في الكرامة والحرية والعدالة والمشاركة السياسية والمدنية، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وضمان إسهامها في ورش الإصلاح الدستوري والديمقراطي القائم”، فضلا عن ” الإصلاحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي التي من شأنها أن تقطع مع الاحتكار وتنهي مظاهر استغلال النفوذ وتتصدى لاقتصاد الريع وتعمل على إقرار التنافسية والشفافية”. وقد أكدت مكونات نداء الإصلاح الديمقراطي انخراطا منها في الحراك الشعبي من أجل الإصلاح على عزمها خوض النضالات اللازمة لتحقيق الأهداف المذكورة.

أسابيع بعد ذلك، وتفعيلا لنداء الإصلاح الديمقراطي، انخرطت كافة مكوناته في سلسلة من الأنشطة التواصلية والتأطيرية المشتركة مع المواطنين عمت كل التراب الوطني، وكان على قمة هذه الأنشطة المسيرةُ التاريخية التي نظمتها نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، باعتباره من مكونات النداء، بمناسبة فاتح 2011، والتي شاركت فيها قيادات وأجهزة ومناضلو الهيئات وكانت مناسبة للتأكيد على مطالبها الإصلاحية.     

2)    المكتسبات

لقد شكل نداء الإصلاح الديمقراطي في العمق مبادرة للتدافع مع قوى النكوص عن مكتسبات الخطاب الملكي ليوم 09 مارس، وإطارا لجهد نضالي جماعي توخى تكريس الإصلاحات الواعدة التي نطق بها جلالة الملك في إطار مراجعة دستورية عميقة وشاملة، وقد أسهم حزب العدالة والتنمية إلى جانب شركائه في الورش الدستوري، بتقديم مذكرة رسمت بمرجعية الخطاب الملكي واختيارات الحزب توجهات جوهرية لقيت صداها في عمل اللجنة الاستشارية المكلفة بوضع مشروع الدستور الجديد.

    واليوم وبلغة المقارنة والقياس يمكن للباحث أن يستخلص أن العديد من المقتضيات الدستورية، كان للحزب ولشركائه ولفاعلين آخرين فضل المبادرة إلى اقتراحها، مما مكن بلادنا في النهاية من دستور متقدم في مقاربة صياغته وفي مضمونه، رسم للمغرب أفقا سياسيا ومؤسساتيا لم يكن منتظرا، وبذلك يكون المغرب قد أبدع نموذجه التغييري المتفرد بتحقيق هذه الإصلاحات دون التفريط في الاستقرار. 

وبالرغم من أهمية المكتسبات التي حققها المتن الدستوري، فإنه يبقى نصا جامدا ما لم يجد حكومة سياسية قادرة على بعث الروح في مقتضياته بروح من التوافق التاريخي مع المؤسسة الملكية، وهو ما تحقق اليوم في ظل الحكومة الجديدة التي يقودها حزب العدالة والتنمية التي أتت تتويجا لهذا المسار الإصلاحي بعد انتخابات تشريعية تاريخية بوأته مكان الصدارة.

ويمكن القول اليوم إن نداء الإصلاح الديمقراطي يتبلور باستمرار على أرض الواقع، مكتسباتٍ سياسية وتنموية لفائدة الشعب المغربي، مما لا تخطئه العين التي تنظر بموضوعية لما يتحقق من إنجازات، بالرغم من الفترة المحدودة التي مضت على ولاية هذه الحكومة والتي اتسمت بدايتها بتدافع شرس مع قوى الصد والممانعة التي سلكت كل السبل لإجهاض التجربة وقطع أمل المغاربة في أي إصلاح ممكن.

ولأن المقام ليس مقام التفصيل فتكفي الإشارة إلى سعي الحكومة إلى إرساء نهج جديد في تدبير الشأن العام، يقوم على بلورة سياسات جديدة تكرس خدمة الدولة للمجتمع ومحاربة كل أشكال الإقصاء الاجتماعي، كما تعزز قواعد دولة الحق والقانون والمؤسسات وتتصدى لمظاهر الريع وتعزز الشفافية في التدبير العمومي ومنطق الاستحقاق والكفاءة، فضلا عن إطلاق قطار الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي ترددت الحكومات السابقة في مباشرتها.   

3)    الآفاق

إن مسارا جديدا من الإصلاحات في المغرب يتبلور باستمرار، قد يتقدم ببطء لكنه يمضي بيقين وثبات، وفي جو من التوافق الوطني الرائع عز نظيره في جوارنا الذي ما يزال يعيش مخاضا، ومرور سنتين على توقيع نداء الإصلاح الديمقراطي مناسبة لنفحص جميعا ما تحقق وما لم يتحقق بعد، من أجل أن نجدد العزم على مواصلة المسيرة المشتركة لإرساء الإصلاحات التي كرسها الدستور الجديد، ولتمتيع المغاربة بالديمقراطية والكرامة والتنمية والعدالة الاجتماعية..      

سليمان العمراني

النائب الثاني للأمين العام

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.